العدد 3802 - السبت 02 فبراير 2013م الموافق 21 ربيع الاول 1434هـ

الحرية بصفتها إرثاً وحقّاً إنسانيّاً

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

عندما خرج الشباب العربي إلى الميادين والشوارع مطالبين بحريتهم وحقوقهم - التي سلبت منهم رغماً عنهم - فانهم لم يخرجوا الا عندما وجدوا أن جميع الطرق قد أغلقت في وجوههم ووجدوا أن السلطات الدكتاتورية تسعى إلى التخلص من وجودهم وإخماد صوتهم.

خرج الشباب العربي صارخين صرخة الحرية التي ستبقى مدوية أمام كل محاولات إعادة عقارب الساعة الى الوراء واخضاع مقدرات بلداننا الى رغبات جامحة وأنانية تسحق الانسانية من أجل اشباع رغباتها. خرج الشباب العربي من أجل أن يؤسسوا أرضية لحلول طويلة المدى لا تقوم على أساس حماية الفئات المنتفعة من القمع الذي حوَّل بلداننا الى أمثلة سيئة تحاول جميع الأمم الابتعاد عنها.

ومنذ حلول الربيع العربي على مدى عامين، والشارع العربي يشهد تقلبات بدأت بانتصارات، وتبعتها انتكاسات، بعضها طبيعي وربما أن مرحلة النضال تتطلبه لكي نخرج من امتحاننا التاريخي منتصرين حتى ولو بعد حين.

إن سبب تفاقم حالات الإحباط يرجع إلى أن الممارسات والسياسات الخاطئة مازالت سارية المفعول اضافة الى أن التغيير السياسي يجب أن يصاحبه تغيير اجتماعي وثقافي؛ وإلا فإن الثورات لا يمكن أن تكتمل فقط في الإطار السياسي، وهو ما حدث تماماً في تونس، بينما في مصر؛ فإنها لاتزال تعيش مرحلة صعبة بسبب تداخل أكثر من مجموعة وفئة على الخط السياسي الذي بدا أيضاً يؤثر على الخط الاجتماعي والثقافي بشكل ملحوظ.

من الطبيعي؛ أن تحدث هذه التقلبات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية في ظل استمرار مقاومة ربيع التغيير من قبل ديكتاتوريات عربية لا تأبه بمصير شعوبها التواقة إلى الحرية... هذه الحرية التي هي امتداد لإرث إنساني طويل انطلق بداية في مجتمعات دخلت العصر الحديث قبل غيرها بسبب تطورها الاقتصادي، لكنها وصلت الى ما هي عليه اليوم من انتشار في كل أرجاء المعمورة. لقد أصبح هذا الإرث الانساني حقّاً أساسيّاً لا يمكن التنازل عنه، فكرامة الانسان هي الغاية من أي نظام سياسي، ومن يخالف هذا الطرح؛ فان مصيره لن يكون أفضل من مصير الأنظمة التي تجاوزتها البشرية.

إن الأنظمة الاستبدادية تسعى الى الغاء مفهوم المواطنة، وهناك فرق بين أن يكون الانسان مواطنا او عبدا تابعا وذليلا، وهذا الفرق يكون واضحاً بقانون ودستور يؤكد ان الفرد مواطنا له حقوق متساوية مع غيره من دون فرق؛ فيطبق عليه القانون بحذافيره. أما العمل بمقياس مفهوم استعباد الآخرين وشراء ولاءاتهم وحبهم بالقوة والمال وإغفال النصوص الدستورية المستمدة من الاتفاقيات الحقوقية الدولية؛ فان هذا لا يحقق مواطنة ولا يمكن ان يدوم لأنه يعتمد على ابتزاز الفرد ومساومته على حقه في العيش بكرامة وانسانية تحت مبدأ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. الشباب العربي يريدون أن يكون لهم مكان في صياغة مشروع حقيقي للمواطنة في بلدان للأسف لم تعرف يوماً، ما هو أصل المواطنة في ظل استمرار عقلية العطايا وإقصاء الآخر.

ان الشباب العربي خرجوا الى الشارع مطالبين بدستور يتطابق تماما مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أقرته الأمم المتحدة في العام 1948، وهذا الاعلان ينص في الديباجة «لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم... ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة... ولمَّا كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم... ولمَّا كان من الجوهري تعزيز تنمية العلاقات الودية بين الدول... ولمَّا كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح... ولمَّا كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها... ولمَّا كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد... فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه جميع الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.

هذه الديباجة تتبعها 30 مادة تفصِّل الحقوق الأساسية غير القابلة للنقاش مع الدكتاتورية، ومن ثم هناك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهناك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه المواد الواردة في الاعلان العالمي وفي العهدين يمثلون دستور الشباب العربي الذي فجر ربيعه وسيستمر فيه حتى تتحقق في وطنه جميع هذه الحقوق الثابتة في إرادة المجتمع الدولي، لأننا جزء لا يتجزأ من هذه المجتمع الدولي، ولنا حقوق كما هي لغيرنا من البشر.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3802 - السبت 02 فبراير 2013م الموافق 21 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:55 ص

      فكرامة الإنسان هي الغاية في أي نظام سياسي

      كرامة الإنسان أختي الكريمة يطلبها الإنسان الحر, وكما قال الإمام علي عليه السلام لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا, وكما يقول الشاعر العربي: إدا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. (محرقي/حايكي)

    • زائر 2 | 1:58 ص

      صح السانج

      شكرا على المقال الجميل

    • زائر 1 | 1:25 ص

      هنا بدل التعلم من الدرس قرأوا الدرس خطأ

      في البحرين بدل ان يقوموا بإصلاح يقي البلد شرور الانفجار الشعبي قاموا بتكريس نهج التمييز والتفرقة والقمع وغيرها من الامور التي زادت الناس اصرارا على التغيير
      نقول لهؤلاء لا تعتقدوا ان بالإمكان على الدوام السيطرة على حركات الشعوب
      هناك محطات تقف الانظمة حائرة اما الزحف الشعبي وهذا يوم سيأتي اذا لم
      تتدارك الامور وستذكرون هذا الكلام

اقرأ ايضاً