العدد 3806 - الأربعاء 06 فبراير 2013م الموافق 25 ربيع الاول 1434هـ

العنصرية العربية في أوضح تجلياتها

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«لا تشترى العبد إلا والعصا معه... إن العبيد لأنجاسٌ مناكيرُ»... هكذا خاطب الشاعر العربي الأشهر أبوالطيب المتنبي والي مصر المملوكي بعد أن لم يجد الحظوة عنده، وترك مصر.

والشاعر المتنبي على رغم عظمته الشعرية، إلا أنه شاعر متكسّب، سار على أثر كثير من الشعراء العرب في التكسب من وراء مدح الحكام والوجهاء. لكنه في هذه القصيدة يكشف عنصريةً بغيضةً لاتزال معشعشةً في الثقافة العربية.

وعلينا الاعتراف أن العرب كشعب اشتهر ومارس التجارة براً وبحراً، فقد كانت المتاجرة بالبشر والعبودية ممارسةً عاديةً عندهم قبل الإسلام وبعد الإسلام. على رغم أن الإسلام حضّ على تحرير العبيد ووضعها ضمن التكفير عن السيئات أو القصور في الواجبات «وتحرير رقبة»، لكن الثقافة العربية العنصرية المتأصلة عميقاً، لم تبالِ كثيراً بتعاليم الإسلام هذه.

كانت المتاجرة بـ «العبيد الأفارقة» واسترقاق الذكور كعبيد والنساء كإماءٍ أو جاريات، من معالم المجتمع العربي والتاريخ العربي، وفي أحيان يعترف السيد ببنوة أبناء الجارية، والاعتراف بحرية العبيد، والأشهر في ذلك عنترة بن شداد فارس بين عبس، الذي لم يعترف بحريته إلا بعد أن صدّ العدوان عن قبيلته بني عبس، وزوّجوه ابنتة عمه عبلة التي هام في حبها. لكن التاريخ العربي لم يسجّل إلا نادراً، حاكماً عربياً أسود ومنهم الإخشيدي.

وعلى رغم التداخل الجغرافي والحضاري والبشري بين العرب والأفارقة، فإن ذلك لم يحل دون تجذر العنصرية العربية ضد الأفارقة السود، لكن العبودية لا تقتصر على السود، فعلى إثر حروب الفتح العربية لما يحيط بالجزيرة العربية شرقاً وغرباً، جرى استرقاق أبناء الأقوام الأخرى مثل الروم والفرس والبربر. وقد اتخذ القادة العسكريون والولاة والخلفاء والوزراء وكبار موظفي الدولة والتجار من الروميات والفارسيات والبربريات، أماءً ومحظيات وجاريات، وفي حالات نادرة، يتم عتقهن والزواج منهن.

لعل من حسنات بريطانيا في منطقتنا، أي الخليج العربي، تحريمها لتجارة الرقيق ومحاربتها، وعلينا أن نتذكر أن الرقّ ظلّ موجوداً في منطقتنا حتى نهاية الستينيات، على رغم تحريم الأمم المتحدة له منذ قيامها في 1945.

أما النزعة العنصرية تجاه السود، فمازالت غائرةً في الثقافة العربية والممارسات المجتمعية، والتي تنعكس في تدني مكانة السود في المجتمع العربي وفي الدولة، وفي قطاع الأعمال وحتى في فئة المثقفين والمبدعين، مع بعض الاستثناءات، وخصوصاً في قطاع الفن، حيث يبدع السود ويجدون في الفن تنفسياً لتهميشهم كما هو الحال في بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة.

تجد هذه الثقافة تجلياتها في تجنب الزواج من السود، وخصوصاً تزويج البنت العربية البيضاء لزوج عربي أسود، حيث يكبح الأهل هذه الرغبة. وكثيرٌ من قصص الحب بين البيض والسود العرب تنتهي بالفواجع ويحرم الحبيبان من تتويج حبهما بالزواج.

ويواجه الحقوقيون العرب هذه المعضلة وخصوصاً في الأوساط الغربية، ونجد أنفسنا في حرج شديد حيث نواجه بالحقائق والنكوص عن الاعتراف بهذه الظاهرة المرضية، وقصورنا عن التصدي لها.

وتزخر التقارير المقدّمة من قبل لجنة مناهضة التمييز التابعة لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بأشكال التمييز العرقي والقومي والديني للدول العربية كلها، حيث لا يقتصر التمييز ضد الأجانب، وإنما ضدّ المواطنين أيضاً، ولا تجد الدول العربية إلا التبرير غير المقنع.

إن على النخب السياسية والثقافية والحقوقية الاعتراف بهذه الممارسات المقيتة، والتصدي لها قبل أن نطلب من الدولة ونحن نعرف تركيبتها وعقيدتها الاستبدادية.

إن الممارسات والمعتقدات والثقافات العنصرية والتمييزية هي حقيقة واقعة في حياتنا وثقافتنا... فلنتصدى لها من دون تبريرات.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3806 - الأربعاء 06 فبراير 2013م الموافق 25 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 11:47 ص

      ماذا عن عنصرية الفرس ضد العرب ؟؟ في قصائد بشار بن برده والفردوسي اللذين وصفوا العرب ب ابشع الاوصاف

    • زائر 11 | 3:12 ص

      فطمنا العبودية

      يروحون يبحثون لهم عن عبيد غيرنا ولى الزمان الذي نكون فيهِ عبد وإلا إذا كان عبيدهم تكفيهم وهم راضون فشأنهم.

    • زائر 10 | 2:47 ص

      لازالوا يعيشون نفس الدور

      في البلدان التي تحكمها قبائل لازالوا يتعاملون بنفس العقلية، هل رأيت نبت واحد منهم تتزوج خارج القبيلة؟
      غذا تزوج أحدهم بنت من خارج القبيلة تعامل معاملة الأمة وليس الزوجة وكل دقيقة تعاير بأنها ليست منهم. وهناك كثيرون ولدوا من أمهات من خارج القبيلة تنصلت القبيلة عنهم وهم كثر.

    • زائر 9 | 2:43 ص

      الان وبكل وضوح يريدوننا كالعبيد

      اما ان تذعنون والا مصيركم في ابو زعبل

    • زائر 8 | 2:29 ص

      يجب الاعتراف بان العرب عنصريون

      اسالو اهل زنجبار عنهم واهل اليمن يطلقون على اليمنيين من اصول صومالية » الخدم « على فكرة كان الاسبان يطلقون على العرب المور وتعني اسود على ما اعتقد وما في احد احسن من حد

    • زائر 7 | 2:27 ص

      النخب؟ اين النخب؟ المال والمنصب من اجله ضاعة النخب

      لا نخب ثقافية ولا اجتماعية ولا اسلامية الكل غطّى عليه حب المال والمنصب والجاه واصبحت كلمة الحق مفقودة من شيوخ الدين والمحسوبين على المثقفين والاجتماعيين وغيرهم كلهم باع واشترى بابخس الاثمان باع اخرى بأولى يا لها من صفقة خاسرة وتبا لها من بضاعة كاسدة ما اسرع ان تبور

    • زائر 6 | 2:19 ص

      يجب ان يفهموا بان زمن الاستعباد

      قد ولى واننا في زمن الانعتاق من العبوديه

    • زائر 5 | 1:57 ص

      يا بو منصور هم الآن يريدوننا ان نكون كالعبيد

      انهم يسوموننا كما تسام العبيد ويريدون منا الخضوع لهم
      العالم كله ينظر لنا بنظرة تعجب كيف نقبل بمثل هذه المعاملات التي
      يكون المواطنون فيها ارقاما لا اقل ولا اكثر واذا تحرّكت هذه الارقام لكي
      تصبح فعلا على الارض يقول لا للعبودية ساموها سوء العذاب وسفكوا
      دمها

    • زائر 4 | 1:52 ص

      لا تشتري العبد الا والعصا معه

      احد الكتاب المعروفين بعد ان تحرر من عبودية العرق وانتمى الى التيار القومي الاشتراكي أبى الا ان يعود اليه بسبب طمعه المادي وصار يلبس البشت مثل عمة !!!

    • زائر 3 | 1:14 ص

      التاريخ والخيال

      بين روايات التاريخ وعجائبها وخصوبة الخيال وهلوساته..بحر متلاطم من التناقضات والفبركات ..من الصعوبة أن تتحول هذه المساحة مرتع يقتات منها المثقف الواعي والمتجدد ..س.د.مع التحية

    • زائر 2 | 12:40 ص

      ولك في كتاب نادر أسوةٌ حسنة

      ولك في كتاب نادر كاظم أسوةٌ حسنة، الموسوم بصورة السود في المتخيل العربي في العصر الوسيط، حيث يقوم بفضح وتعرية النظرة العنصرية السائدة اتجاه السود في المجتمع العربي.

    • زائر 1 | 12:08 ص

      ملاحظتين

      لم يتجه العرب للفتوحات الإسلامية باتجاه أفريقيا !! بل باتجاه المناطق الشمالية فقط كالشام وفارس والروم والأندلس.
      والرق لم ينتهي من منطقتنا بل زاد في سنوات الطفرة النفطية، فاليوم كل هوامير الخليج يستجلبون عمالة أجنبية فقيرة ويأخذون وثائق سفرهم ويعاملونهم معاملة العبيد والرق. وفي نفس الوقت يستجلبون عمالة غربية شقراء ويعاملونها معاملة الأسياد!!!
      حتى الخدم في البيوت تعامل معاملة الرقيق والإماء.

اقرأ ايضاً