العدد 3808 - الجمعة 08 فبراير 2013م الموافق 27 ربيع الاول 1434هـ

اللهجات في البحرين: الأفعال الرباعية

لقد سلطنا الضوء في الفصل السابق على سياسة الإقصاء الممنهجة التي كان يمارسها علماء اللغة قبل أكثر من ألف عام وذلك أثناء عملهم في توثيق اللسان العربي، ولاحظنا أن القبائل التي تحضرت وسكنت شرقي الجزيرة العربية (إياد، الأزد، عبدالقيس) كانت ضمن تلك القبائل المستثناة. كانت لهجات تلك القبائل تمثل اللهجات الحضرية في شرقي الجزيرة العربية (البحرين، شرق الجزيرة العربية، الإمارات العربية المتحدة، عمان)؛ ويبدو أن وجود التشابه الكبير الحالي بين اللهجات الحضرية في هذه المناطق هو دليل على أن اللهجات الحضرية الحالية هي امتداد لتلك اللهجات الحضرية القديمة، وقد ناقشنا أوجه التشابه بين اللهجات الحضرية الحالية بصورة مفصلة وذلك أثناء الحديث عن الظواهر التي عُرفت باسم ظواهر ما قبل الشتات.

إن سياسة إقصاء هذه المناطق من عمليات تدوين اللغة بدأت منذ بداية وضع المعاجم اللغوية الأولى حيث كان يشترط في الألفاظ المدونة في المعاجم الفصاحة، ولهذه الفصاحة شرط، وهو أن يتم إثبات نسبة اللفظ، الذي يبحث في فصاحته، إلى عربيّ قحّ سواء بالمشافهة أو الرواية الصحيحة، وذلك العربي القحّ هو من انطبق عليه شرطي الزمان والمكان، فأما شرط المكان فقد تم تحديد مناطق وإقصاء مناطق أخرى كما مر بنا، وأما الزمان فهو عند منتصف القرن الثاني الهجري بالنسبة للاحتجاج باللغة الأدبية وخاصة لغة الشعر، ونهاية القرن الرابع الهجري بالنسبة للاحتجاج باللغة الشفوية المنقولة عن الأعراب؛ وبذلك تم تقُسيم الشعراء إلى طبقات، والقبائل إلى درجات (الثبيتي 2001).

النتائج المترتبة على السياسة الإقصائية

يؤكد محمد حسن جبل في كتابه «الاستدراك على المعاجم العربية» على وجود ثغرات في المعاجم العربية، فلم تُحِط تلك المعاجم بجميع الألفاظ العربية في تلك الحقبة؛ وقد أرجع جبل تلك الثغرات لثلاثة أسباب رئيسية، سببان منهما مرتبطان بتقصير جامعي المعاجم أنفسهم؛ ذلك التقصير الذي نتج عنه فقدان الاستقراء المنظم والتحليل المنظم (جبل 1986، ص 19 - 21). أما السبب الثالث والأخطر فهو مرتبط بالمعايير الملزمة لتحري عروبة اللفظة والتي تنوعت بين قبلية، ومكانية، وزمانية؛ فمن «الظلم وقصور النظرة أن نعزو تبعة كل ما تفلت من اللغة إلى جامعي المعاجم وحدهم. فهناك أيضاً المعايير التي وضعت للحكم بصحة عروبة اللفظ أو العبارة الواردين، وقبول تدوينها في المعاجم اللغوية ضمن ثروة المفردات اللغوية. ولعل خطر هذه المعايير أن أثرها في مجالنا هذا كان أكبر وأوسع من أثر نقص استقراء التراكيب المستعملة واستقراء صور استعمال كل تركيب» (جبل 1986، ص 23 – 24).

وتتمثل تلك الخطورة في ضياع العديد من الألفاظ؛ فلقد كشفت الدراسات العديدة التي أجريت على اللهجات العامية في المناطق الحضرية على العديد من الألفاظ التي لم ترد في المعاجم العربية، فهل هذه الألفاظ قديمة؟ أم متطورة؟ هناك آليات لتطور الألفاظ، وهذه الآليات كانت موجودة في السابق وأدت لتطور الألفاظ القديمة وتم توثيق ذلك التطور في تلك المعاجم اللغوية نفسها. وتعتبر الأفعال الرباعية ومشتقاتها من أهم تلك الألفاظ التي تم التركيز على آليات تطورها واشتقاقها، والعديد من مشتقات الأفعال اليوم يعتبرها بعض الكتاب أجنبية أو غريبة على اللغة؛ بسبب جهلهم بآليات التطور، على سبيل المثال، الأسماء المشتقة التالية (أمحلحس، أمصرگع، أمخربگ) هي ألفاظ عربية متطورة، ولكن كيف يمكننا أن نحقق هذه الألفاظ؟. سنتناول في هذا الفصل والفصول القادمة تطور الأفعال الرباعية في اللهجات في البحرين، وبالخصوص اللهجة البحرانية، وسنلاحظ أن العديد من تلك الأفعال الرباعية لم تذكر في المعاجم اللغوية إلا أن أغلبها متطور، بطريقة أو بأخرى، من الأفعال أو الأسماء التي ذكرت في المعاجم العربية. ويذكر أن آليات تطور الأفعال الرباعية عند العامة هي ذاتها آليات التطور القديمة.

الأفعال الرباعية

اختلف اللغويون حول قضية تأصيل الفعل الرباعي في اللغة العربية فقد ذهب البصريون إلى أن أصل الكلمة العربية متعدد؛ فأقروا أصالة كل من الثلاثي، والرباعي من الأفعال والأسماء، والخماسي من الأسماء؛ وبذلك يصبح مفهوم الفعل الرباعي المجرد، عندهم، كل فعل كانت أحرفه الأربعة أصلية، والحرف الأصلي هو الحرف الذي يلازم الكلمة في مختلف التصاريف مثل دحرج، وجعلوا له بناء واحداً وهو(فعلل). أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى أن كل اسم زادت حروفه على ثلاثة أحرف ففيه زيادة، وقد اختلفوا على زنته (حمد 2011). وقد أسفرت الدراسات التي أجريت على الأفعال الرباعية في اللهجات العامية عن وجود عدد كبير جداً من هذه الأفعال ليس لها ذكر في المعاجم العربية، إلا أنها أفعال مشتقة بطرق معينة. ومن أقدم الدراسات التي وضعت قواعد لطرق اشتقاق الأفعال الرباعية في اللهجات العامية هو بحث «أنيس فريحة» الذي نشره في مجلة «المقتطف» في العام 1937م، وذلك أثناء عمله على معجم الألفاظ العامية اللبنانية، وقد انتهى فريحة لصياغة قواعد معينة مفادها أن هذه الأفعال التي لم تذكر في المعاجم العربية هي أفعال مشتقة إما من أفعال أو أسماء غير عربية أو من أفعال ثلاثية. وقد أوضح فريحة أن الفعل الرباعي يشتق من الفعل الثلاثي بإحدى طريقتين إما عن طريق التضعيف أو بإضافة إحدى الحروف التالية للفعل الثلاثي: ب، ت، ح، د، ر، س، ش، ط، ع، ق، ل، م، ن، ھ، و، ي. وتكون هذه الزيادة في بداية الفعل الثلاثي (سابقة) أو وسطه (وسطية) أو في آخره (لاحقة) (فريحة 1937). وبذلك أوجد فريحة عدداً من الأوزان المختلفة التي تصاغ عليها الأفعال الرباعية في اللهجات العامية.

وقد اقتبس الباحثون اللاحقون فكرة الاشتقاق تلك عن فريحة، من مثل رفائيل نخلة اليسوعي في العام 1958م، ومراد كامل في العام 1962م، وكذلك إبراهيم السامرائي في العام 1983م وذلك في كتابه «الفعل زمانه وأبنيته»، وقد طبق تلك القواعد على الأفعال الرباعية في اللهجة العراقية. وكل باحث من أولئك يعدل ويضيف طرق جديدة، إلا أن الفكرة الأساسية واحدة. وفي عام 2010م نشر سالم الخماش كتابه «أصول جذور الأفعال الرباعية في لسان العرب»، ويتضح من كتابه أن طرق اشتقاق العرب للأفعال الرباعية هي ذاتها الموجودة عند العامة.

الأفعال الرباعية في اللهجات البحرينية

رصد Clive Holes أثناء دراسته للهجات في البحرين عدداً كبيراً من الأفعال الرباعية والتي وثقها في معجم عن الألفاظ العامية في شرق الجزيرة العربية والذي نشره في العام 2001م وهو المجلد الأول من موسوعته Dialect، Culture and Society in Eastern Arabia. وفي العام 2004م نشر بحثاً مفصلاً حول طرق اشتقاق الأفعال الرباعية في شرق الجزيرة العربية، وكانت غالبية تلك الأفعال التي درسها هي أفعال خاصة باللهجة البحرانية. وقد وضع Holes طرق معينة لاشتقاق الأفعال الرباعية في شرق الجزيرة العربية، وقد قمت بتحوير طرق الاشتقاق تلك وإضافة طرق أخرى إليها وذلك بحسب الطرق التي وردت عند فريحة والسامرائي. ويمكن إيجاز تلك الطرق كالتالي، على أن أعطي أمثلة مختلفة لكل طريقة في الفصول اللاحقة عند تناول كل طريقة بصورة منفردة:

1 - أن تكون صورة الفعل محرفة عن صورته التي وردت في المعاجم العربية؛ مثل حملق يصبح في اللهجة بحلق.

2 - أن يكون الفعل مشتقاً من فعل أو اسم غير عربي؛ مثل كنسل أي ألغى.

3 - أن يكون مشتق من اسم مذكور في معاجم اللغة العربية؛ مثل برطم.

4 - مشتق بالتضعيف؛ ويقصد به تكرار عنصر ثنائي وذلك بإحدى الطرق التالية:

أ - تكرار الحرفين الأولين؛ مثل تلتل ودلدل.

ب - تكرار الحرفين الصحيحين؛ مثل بچبچ.

ج - تكرار حرفين لخاصيتهما التعبيرية

5 - مشتق بالتضعيف مع قلب الحرف الثاني (بعد التضعيف) إلى أحد الحروف التالية: ر، ل، م، ن، و، ا؛ مثل خرش يصبح خرخش.

6 - مشتق من فعل ثلاثي وذلك بتكرار الحرف الأول بعد الحرف الثاني؛ مثل حلس تصبح حلحس.

7 - فك تضعيف الصيغة الفعلية فعّل إلى فعْعَل ومن ثم إبدال إحدى العينين بالحرف الأول أو حرف اللام؛ مثل شرّح تصبح شرشح.

8 - مشتق من فعل ثلاثي وذلك بإضافة أحد الحروف التالية: ر، ل، م، ن، و، ي، ع؛ وذلك بين الحرف الأول والحرف الثاني؛ مثل فشح يصبح فوشح.

9 - مشتق من فعل ثلاثي وذلك بإضافة أحد الحروف التالية: ب، ل، و؛ وذلك بين الحرف الثاني والحرف الثالث؛ مثل طرق يصبح طربق.

10 - تخفيف الصيغة الفعلية فعّل إلى فعل ومن ثم إضافة حرف ج أو ن بعد الحرف الثالث؛ مثل سوّد تصبح سودن. ويتبعها كذلك تحويل الصيخة أفعل إلى أتفعلن أو أتفعلج.

11 - تحويل الصيغة الفعلية أفعل إلى فوعل؛ مثل أحمر يصبح حومر.

العدد 3808 - الجمعة 08 فبراير 2013م الموافق 27 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً