العدد 3810 - الأحد 10 فبراير 2013م الموافق 29 ربيع الاول 1434هـ

ما بلاش حاوريني يا كيكا

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

للترويح عن النفوس المتوترة لشعب البحرين وخصوصاً السياسيين منهم وهم يتابعون تقلبات الحوار كما تطرحه الحكومة الموقرة، أو ما يطلق عليه إخوتنا اللبنانيون (هيه سخنه وهيه بادرة»، تداعت إلى خاطري أغنية قديمة للفنانة شريفة فاضل، أعاد أداءها الفنان محمد منير ومطلعها:

ما بلاش حاوريني يا كيكا... ما فيهاش لف ودوران يا ملك في الحب ضحايا... في الحب ما لكش أمان!

وتجربة شعب البحرين والمعارضة الوطنية مع الحكم على هذا المنوال.

والبداية كانت في الاتفاق ما بين هيئة الاتحاد الوطني وحكومة البحرين بضمانة الوكيل السياسي البريطاني ديلي في أكتوبر/ تشرين الثاني 1955، حيث تم الاعتراف بهيئة الاتحاد الوطني كأول تنظيم سياسي شرعي في الخليج، وكشريك سياسي للحكومة. ولكن لم تمض سوى سنة لتنقض الحكومة على الهيئة والحركة الشعبية، وتعتقل قياداتها وتحاكمهم محاكمةً ميدانيةً وتنفيهم إلى جزيرة «سانت هيلانة» بتواطؤ بريطاني.

ثم جاء فجر الاستقلال حصيلةً لنضال شعب البحرين في ظل مرحلة التحرر الوطني والقومية العربية بقيادة جمال عبدالناصر، وتراجع شمس الإمبراطورية البريطانية، وهكذا دخلت الأطراف الإقليمية والدولية، وخصوصاً بريطانيا وأميركا، في مفاوضات لتتم ولادة استقلال البحرين عن طريق القابلة القانونية... الأمم المتحدة.

ولإضفاء الشرعية الوطنية عليه تم استفتاء شعب البحرين من قبل نائب الأمين العام للأمم المتحدة جو تشيباردي، للاختيار ما بين إيران في ظل دعوى إيران بتبعيتها، أو الاستقلال في ظل حكم آل خليفة وهو ما اختاره شعب البحرين. ولكن بشرط أن يكون الحكم في دولة الاستقلال حكماً ديمقراطياً، السيادة فيه للشعب في دولة المؤسسات، وخصوصاً المجلس الوطني المنتخب، ويستند إلى دستور عقدي يضعه مجلس تأسيسي منتخب.

وقد سارت الأمور بشكل معقول رغم تأخر الاستقلال لمدة عام، إلى حين التوصل إلى تسوية بشأن مشروع الاتحاد الخليجي، والذي تخلّت البحرين عنه. ثم إعلان الاستقلال في 14 أغسطس/ اب 1971، وتبدأ بناء أجهزة الدولة على أساسيات بنية الدولة القديمة، وتحمل الكثير من مثالبها وخصوصاً التمييز ضد الأغلبية والامتيازات للأقلية، ومعاداة الحركة الوطنية في العمق.

وتم وضع الدستور من قبل المجلس التأسيسي المختلط، انتخاباً وتعييناً، وجرى على أساسه إجراء أول انتخابات نيابية معقولة رغم مثالبها، وتشكّل المجلس الوطني المختلط من المنتخبين الثلاثين والوزراء، وكان هذا هو الحد الأدنى لما ناضل من أجله شعب البحرين.

مرةً أخرى انقضت السلطة على التجربة الوليدة، في 16 أغسطس 1975، وحلت المجلس الوطني، وعطلت الحياة النيابية وعلقت العمل بأهم مواد الدستور لمدة 27 عاماً، وشنت حملة اعتقالات واسعة مدشنةًً بذلك مرحلة سوداء من حكم أمن الدولة، واستمر الفساد والتمييز حتى عام 2001.

واستبشر الشعب المكلوم خيراً بوصول صاحب الجلالة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحكم في 6 مارس/ اذار 1999، وخصوصاً خطابه بعد أسبوع من تسلمه الحكم، حيث عبر بالانتقال بالبحرين من حال إلى حال. ثم وفي أجواء التسامح التي عرف بها أهل البحرين، توافقت المعارضة الوطنية والقيادات الدينية على التصويت بنعم لميثاق العمل الوطني، الذي كان مليئاً بالألغاز والنصوص، بعد أن تم التأكيد الرسمي على احترام الدستور، وخصوصاً ما يخص أنه يمثل سلطة الشعب مصدر السلطات جميعاً والشرعية، وأن الميثاق هو خريطة طريق للتحول الديمقراطي الحقيقي. لكن لم تمض سنة حتى صدر دستور جديد في 14 فبراير/ شباط 2002، ليؤسس لواقع جديد، يختزل في مجلس نيابي يفتقر للكثير من الصلاحيات ولا يعكس الإرادة الشعبية ولا مكونات الشعب بشكل عادل.

مرةً أخرى دخلنا مرحلة تركزت فيها السلطة والثروة، وحرمت الأغلبية الكاسحة من السلطة والثروة. وما ان أطل العام 2003 حتى سقط أول شهيد في العهد الجديد (محمد جمعة الشاخوري) في مظاهرة احتجاجية أمام السفارة الأميركية، ثم تلاه الشهيد علي جاسم في 17 ديسمبر/ كانون الاول 2007 في المسيرة الاحتجاجية في يوم الشهداء.

وجاءت انتفاضة 14 فبراير 2011 استناداً إلى نضال دؤوب، وتاريخ وطني عريق، واستلهاماً للربيع العربي الذي انطلق من تونس. وعلى امتداد عامين، ورغم سياسة القبضة الحديد، وتعمد تمزيق صفوف الشعب، وشراء قاعدة سياسية مفتعلة، فقد صمد الشعب وصمدت المعارضة الوطنية، ودفعت ثمناً باهظاً لكنه يستحق الحرية.

بعد كل هذه الكلفة الباهظة، عاد الحكم للموافقة على الحوار السياسي بهذه الطريقة الغامضة، وهكذا «بين حانا ومانا ضعنا لحانا» كما يقول المثل...

أو كما تقول الفنانة شريفة فاضل «ما بلاش حاوريني يا كيكا».

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3810 - الأحد 10 فبراير 2013م الموافق 29 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:09 م

      معظم المواطنين اللذين اكتووا بنيران وقهر الانظام شباب وشيوخ ونساء وحتى اطفال شعورهم لا يختلف عن عزيزنا الكاتب المحترم

      بعد هذه الحرب التى شنها النظام ومازال يجمع عجره وبجره حولنا للانقضاض علينا والكل يتحدث عن ماضي الغدر والمكر والخديعة والمراوغة وصعب على الناس تتناسى كل هذه المأسي المروعة والتي الى اليوم مع بدء الحوار مازالت ملاحقة واعتقالات بل مازال اخواننا في السجون تأن من التعذيب والتنكيل . هذا لوحده يوضح النية المبيته للحكومة انها ليست في وارد البحث عن الصلح فضلا عن الحوار وتأسيس ارضية مشتركة .

    • زائر 9 | 10:53 ص

      شكرا لكم

      شكرا لك على هذا المقال الرائع

    • زائر 7 | 3:50 ص

      الانقلاب

      الحوار لكسب الوقت و للانقضاض على المعارضين

    • زائر 6 | 2:30 ص

      الف رحمة على المناضل الكبير ابو امل

      اشم من حروفك رائحة المناضل الكبير ابو امل عبدالرحمن النعيمى . المواطن الشريف الذى نذر نفسه واهله من اجل وطن لا يرجف فيه الامل . نعم سيدى فقد وضعت النقاط على الحروف وهذه حقيقة الحكم الناكث للعهود . نرفع القبعة تحية اليكم ايها الشرفاء العظماء فى زمن ندر فيه الرجال . كم نحتاجك يا ابا امل ..لقد زرعت قيمك النبيلة فى اناس صانوا عهدك ومضوا على خطاك .

    • زائر 5 | 2:14 ص

      يا خوفي على هذا البلد من النكث ونقض العهود

      نكث العهود والمواثيق امر تحدث عنه القرآن بتحذير شديد وله عواقب وخيمة في الدنيا قبل الآخرة.
      ولكن نحن ايضا كشعب محاسبون ان لم نقف موقف الحذر والحيطة حتى لا يغدر بنا في كل مرّة.
      كل الشعب متوجس ومتخوف ومن حقه ذلك وعليه ان يبني كل الامور حسب توجسه وخيفته ولا يثق بالحكومة مرة اخرى

    • زائر 3 | 12:15 ص

      هذا هو الشعب

      فقد صمد الشعب وصمدت المعارضة الوطنية، ودفعت ثمناً باهظاً لكنه يستحق الحرية.
      وسوف ننال الحرية بإذن الله

    • زائر 2 | 11:52 م

      مدركين ولكن.؟

      ما افضت به من محددات وثوابت تاريخية كاحد الشخصيات الوطنية التي نعتز بنزاهتها وصدقها نقدرها وندركها ولكن ما هو ثابت في حقائق التاريخ وضروات المستقبل يجعلنا نتبين هل ان ذلك يظل مسارا ثابتا الى ما لا نهاية في ظل المتغير العالمي في واقع السياسة ومبادئ الحق الدولي والوعي المتواتر للشعوب بثوابت الحق الانساني،وان كل ذلك وذاك يجعلنا ان نطرح سؤال منطقي ، مالعمل للخروج من عنق الزجاجة.؟
      الحوار مطلب ومسلك لتجاوز ما هو ما ثل امامنا من عقد اشكالية ومن لم يدرك حقائق التاريخ عليه ان يكون عاقلا وحكيما.؟؟؟

    • زائر 1 | 11:45 م

      كلام دقيق وخطير!!

      ان يأتي هكذا رأي من أحد مراجع المعارضة في البحرين فان على المعرضة مصارحة شارعها بان مانحن بصدده ليس بحوار توافق بل تقطيع للوقت على أمل الانقلاب على كل شيء عندما تكون الظروف ملائمة!! 

اقرأ ايضاً