العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ

العرب غارقون في فوضى التحولات بعد عامين من انتفاضات عنيفة

بعد مرور عامين على اندلاع الانتفاضات العربية ذهبت السكرة وجاءت الفكرة. وأطاحت الانتفاضة التي بدأت شرارتها من تونس -التي كانت في السابق من أهدأ مناطق العالم العربي- بحكام مستبدين هناك وفي مصر وأيضاً في ليبيا لكن بعنف أكبر.

واشتعلت في اليمن حيث تمت تنحية زعيم مخضرم. وفي سورية تحولت إلى حرب أهلية مازالت جارية. وشعرت كل الدول العربية بسخونة الأحداث. تحولات سياسية هائلة تجري في دول انتصرت فيها «الثورة» لتفتح الباب أمام تنافس على السلطة والهوية والدين واحتقان اقتصادي واجتماعي وفرص جديدة للمتشددين الإسلاميين وانفلات أمني وزيادة في العنف الجنسي ضد المرأة. ومن بين عدد من التداعيات غير المقصودة تدفقت الأسلحة والمقاتلون من ليبيا بعد الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي وهو ما ساعد في زعزعة الاستقرار في دولة مالي المجاورة.

ومن التبعات الأخرى زيادة التوتر بين السنة والشيعة في أنحاء منطقة تشهد بالفعل تنافسا بين الشيعة والسنة .

ففي سورية يخوض المعارضون ومعظمهم من السنة معارك ضد الرئيس بشار الأسد الحليف الرئيسي لإيران الذي تركزت دعائم حكمه على أقليته العلوية. ويشعر كثير من العرب بالفخر بحريتهم الجديدة في التحدث علانية دون خوف والخروج إلى الشوارع للاحتجاج على الأخطاء الحقيقية أو التي يعتقدون أنها وقعت لكن اتضح أن الأمر أصعب مما توقع كثيرون فيما يتعلق بتحقيق الرفاهية وملء فراغ السلطة الذي تركه حكام عتاة وتحويل دول بوليسية إلى ديمقراطيات مستقرة يسود فيها القانون. ومازالت البطالة والفقر وارتفاع الأسعار التي ساعدت في إذكاء الانتفاضات في تونس ومصر هي نفس الشكاوى في الاقتصادات التي تضررت من الاضطرابات التي أبعدت السياح والمستثمرين الأجانب.

ويقول أيمن بن سليمان وهو شاب عاطل في العاصمة التونسية «مطلبنا الأساسي هو العمل والكرامة، لكن الآن في عهد الإسلاميين لم يعد لدينا أياً من الاثنين... ليس لدينا ثقة فيهم لتحقيق أهداف ثورتنا.» ودفع اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد الأسبوع الماضي تونس نحو أسوأ أزمة منذ الانتفاضة وأثار مخاوف من العنف في بلد تواجه فيه الحكومة التي يقودها الإسلاميون معارضة ليبرالية وعلمانية قوية. وقالت زهور لعيوني - وهي طالبة محجبة عمرها 22 عاماً- إن تونس كسبت حرية التعبير ويمكنها استيعاب الخلافات بين الإسلاميين وهي منهم وبين خصومهم. وقالت «اغتيال بلعيد استثناء». وأضافت قائلة «الآن نطلب من العلمانيين ان يمنحونا وقتاً وسيرون النتائج.أملنا هو أن تكون تونس متحدة».

ومتاعب تونس والدول العربية الأخرى التي في مراحلها الأولى من التحول ليست مفاجأة. وقال إيريك جولدستاين من منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان «هذه الثورات تحتاج إلى تصور بعيد المدى. ليس أمراً واقعياً أن تتصور أنه في غضون عامين ستكون هذه الدول حولت نفسها إلى ديمقراطيات تعمل بطريقة مثالية». وأضاف «من المهم عدم التهوين من حجم التشويه الذي لحق بالمشهد السياسي على مدى 25 عاماً من نظام دكتاتوري وسياسات التخويف والترهيب». وقال إن الأحزاب السياسية التونسية تفتقر إلى الخبرة في التفاوض سياسياً بشأن خلافاتها لكنها «تتعلم بمرور الوقت». وفازت جماعات إسلامية جيدة التنظيم مثل جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وحزب حركة النهضة في تونس في الانتخابات بعد انتفاضات لم يبدأوها لكن بعد سنوات من الترويج لشعار «الإسلام هو الحل» اصطدم الاثنان بتعقيدات إدارة الاقتصادات الحديثة وحكم مجتمعات صعبة المراس.

وقال زعيم حزب النهضة، راشد الغنوشي لـ «رويترز» هذا الأسبوع معترفاً بمدى صعوبة تلبية التوقعات الشعبية التي زادت بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي «الفقراء مازالوا فقراء... المناطق الداخلية مازالت في حالة غليان لأن الناس يعتقدون أن الثورة لم تحل مشاكلهم... أكبر مصدر للغضب أن مشاريع التنمية لن تتحقق». وتواجه الأحزاب الإسلامية المعتدلة نسبياً ضغوطاً من السلفيين المتشددين الذين يهدفون إلى كتابة بنود أكثر تشدداً في دساتير وقوانين جديدة تثير فزع خصومهم الليبراليين.

وبعض السلفيين -وليس جميعهم بأية حال- مستعدون لتحقيق أهدافهم عن طريق العنف. والهجمات على البعثات الدبلوماسية الأميركية في تونس والقاهرة وبنغازي في سبتمبر/ ايلول بعد بث فيديو مسيء للإسلام ظهر في الولايات المتحدة يبرز هذا الخطر.

وقليل من الاصوات العربية التي تفكر ملياً في اضطرابات العامين الماضيين تقدم رؤى فردية حتى لو لم تستطع أن تحتوي تعقيدات التغييرات في الشرق الأوسط التي ستستغرق سنوات إن لم يكن عقوداً حتى تستقر.

وفي مصر قال الناشط الليبرالي عبد الرحمن منصور الذي ساعد في تنظيم احتجاجات 25 يناير/ كانون الثاني 2011 اتسعت وتحولت إلى انتفاضة ضد حسني مبارك إن الإسلاميين فشلوا في محاسبة المسئولين في عهد الرئيس السابق أو إحداث تحول ديمقراطي حقيقي بعد فترة انتقالية من الحكم العسكري. وأضاف أنه بدلاً من ذلك قام الإسلاميون بسلسلة من إجراءات اغتصاب السلطة التي همشت القوى السياسية الأخرى.

وأضاف أن الجيش والإسلاميين الذين جاءوا بعده همشوا مجموعات الشبان وغيرهم ممن أعدوا خططاً لإصلاح وزارة الداخلية والسلطة القضائية ومؤسسات الدولة الاخرى.

وقال إن هدفهم كان احتواء الثورة وشبابها من خلال إقناع المواطن المصري العادي بأن الشبان هم الذين يدمرون الثورة وأنهم ليسوا هم الذين أشعلوا شرارتها. وقال سمير الوسيمي الناشط الاسلامي إن تنحية مبارك وإجراء انتخابات حرة ونزيهة هي مكاسب كبيرة لكنه عبر عن أسفه لغياب المحاسبة داخل وزارة الداخلية ودائرة العنف التي تعصف بالبلاد.

وبينما مات مئات الأشخاص في الاضطرابات التي وقعت بعد رحيل مبارك فإن العنف في مصر لا يقارن بما يحدث في سورية حيث تقول الأمم المتحدة إن نحو 70 ألفاً قتلوا في الانتفاضة ضد الأسد التي بدأت باحتجاجات سلمية في مارس/ آذار 2011 . وقال فواز تللو الناشط المعارض السوري الذي يقيم الآن في المنفى إنه يشعر بالحزن على الأرواح التي تزهق ثمناً للحرية على أيدي النظام الحاكم «الوحشي» وتقاعس المجتمع الدولي.

لكن أكبر شعور بالإحباط ينتابه يرجع إلى أن المعارضة السورية تفتقر للقيادة والذكاء السياسي ومهارة الإدارة. وقال «إنها لم تتمكن من التواصل بفاعلية مع روح الثورة وهي مسئولة عن إفساد الانتفاضة من خلال محاولة شراء ولاء المقاتلين». وقال تللو إنه رغم ذلك يشعر بالفخر لأن شعباً أعزل تحدى نظاماً استبدادياً ظل يعزز نفسه على مدى خمسة عقود وهو الآن في طريقه لتحقيق النصر. وبعد كم هائل من المذابح لم تتضح حتى الآن نتيجة الصراع في سورية. ولا يمكن لأحد أن يكون واثقاً بشأن ما الذي سيظهر في دول أخرى انتفض فيها العرب من أجل الحرية والكرامة. وقال ناثان براون بمعهد كارنيجي للسلام الدولي إن الانتفاضات عبرت عن «الاستياء من النظام السياسي السائد وعن الأمل في أنه إذا تمكنت المجتمعات من تصحيح سياساتها فإنها ستحل مشاكلها الملحة». وأضاف أن الهياكل التي أبقت الزعماء العرب في السلطة أسقطت «لكن لا يوجد فكر منهجي بشأن ما الذي يجب أن يحل محل هذه النظم بإيجابية وتبين أن بناء نظم جيدة أكثر صعوبة بكثير مما كان متوقعاً». وقال «أكبر عقبة أمام هذه العملية في مصر وتونس -وهما أكثر بلدين راودتهما الأماني قبل عامين- لم تكن أفعال أو سلوكيات أي فاعل بعينه وإنما الاستقطاب الشديد بين المعسكرات المختلفة وعدم القدرة على جسر الخلافات أو حتى إيجاد لغة مشتركة».

العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً