العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ

كلمة الدكتور منصور الجمري في احتفال الغاء قانون امن الدولة - 10 مارس 2001 م - في لندن

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت اتحدث اليوم مع احد الاخوة وأصف الفرق مما جرى لنا خلال العشرين سنة الماضية لنستفيد من تلك التجارب ولنستقرئ تلك الخبرات للتخطيط للايام القادمة. كنا قبل عشرين عاما (أي قبل استشهاد الشهيد جميل العلي وبالتحديد مايو 1980) نعيش حالة تختلف ما بعد استشهاده. كان المواطن السياسي المتدين لايتعرض الى الاعتقال (قبل ذلك التاريخ) اذ كان الاعتقال يقتصر على اليساريين. ونقولها كحقيقة ان اليساريين عانوا الكثير منذ اغلاق البرلمان وحتى سنة 1980 على الخصوص. ومن بعدها اصبحت الحملة موجهة ضد الاسلاميين الشيعة، سواء كان لديهم اتجاه سياسي ام غير سياسي. فما بين فترة غلق المجلس الوطني العام 1975 وانتصار الثورة الاسلامية في ايران العام 1979 كان الشيعة في منأى عن الاضطهاد السياسي رغم ان التفرقة الطائفية كانت موجودة ولكن كان ممكن للشخص ان يقول انا مظلوم بسبب طائفتي ولم يكن هناك اعتقال سياسي بصورة رسمية في الوسط الشيعي، ما عدا اعتقالات متكررة للشيخ محمد علي العكري ولم يكن سببها سياسي (أي ضد امن الدولة).

إن الاهداف الدينية الموجودة في تلك الفترة كانت اهداف توعوية اجتماعية أكثر منها أهداف سياسية واذا كان هناك شيء من هذا القبيل (في الشأن السياسي) فانه كان سريا ومخفيا. كان الاتجاه الديني لديه اطروحات تناسب فترة السبعينييات. كان أكثر الطلبة الذين يدرسون في الخارج يرجعون الى البلاد اما بعثيين او يساريين الى سنة 1976 - 1977 حين بدأ التيار الاسلامي يظهر بقوة على الساحة وبدأت تنشأ ظاهرة الشباب الجامعي المتدين. وبدأ شباب البحرين يساهم في المؤسسات الخيرية والتوعوية والاجتماعية مثل رابطة الشباب المسلم في بريطانيا ولم يكن هناك أي خوف او توجس امني وكان الطلبة يرجعون الى البحرين بكل فخر وهم يمارسون نشاطهم من الداخل والخارج. كان الوعي في تلك الفترة لايشكل خطرا على الحكومة. كنا نأتي إلى لندن ونرجع الى البحرين بدون أي خوف من الاعتقال. ربما لم نحسن الاستفادة من تلك الحرية الموجودة حيث اننا ضيعناها لان وعينا كان بسيطا، ولكن ايضا استفدنا منها حيث خلقنا روابط واسس لعمل مستقبلي. فجأة استشهد الشهيد جميل العلي في مايو 1980 وبدأ مسلسل الرعب واصبح من ياتي الى لندن يخشى الذهاب الى الجمعية الاسلامية واصبح الذي يذهب الى الكويت لزيارة جمعية اسلامية يتعرض الى الاعتقال عند رجوعه الى البحرين. ثم اصبح كل عضو في اللجنة التنفيذية لجمعية التوعية الاسلامية بالبحرين يتعرض للمراقبة من قبل جهاز المخابرات. ثم فجأة اصبح التيار الشيعي هو العدو الاول للدولة.

وبدأ مسلسل الحرمان ومعها بدأت التفرقة الطائفية الشرسة حيث اني اتذكر ان 120 طالبا بحرينيا مبتعثين في الجامعات السعودية وعلى حساب الحكومة السعودية تم ارجاعهم الى البحرين سنة 1982 لسبب طائفي. ثم كانت احداث ديسمبر 1981 (التي اتهم فيها 73 ناشطا بالتخطيط لانقلاب ضد الدولة) مرحلة فاصلة، وبعدها اصبح الوضع خانقا جدا واصبح الجيل الجديد يولد في ظل هذه الظروف (جيل القهر والخوف والرعب والتشريد والتعذيب والاغتراب داخل وخارج الوطن). هذه المرحلة كانت صعبة جدا حيث انها خلقت اشياء جديدة لم تكن موجودة في السابق. فقد تم منع الاجتماعات في النوادي والمساجد وكان المكان الوحيد للاجتماعات هو المواكب العزائية. وكانت ايضا هذه الاجتماعات تأخذ طابع السرية. واصبحت الحكومة تطبق القانون الخانق للحريات على المواطنين بصورة شرسة. اصبح معنى هذا القانون ان لانتكلم ولانتزاور ولانتحدث هاتفيا. هذا هو الوضع الذي تربى فيه اكثر المواطنين ، وهو الوضع الذي أطر حياتنا واصبحنا نعيش توقع عدم الرحمة من الحكومة واصبحنا نعيش حالة الخضوع المهين والسجن والقتل والتشريد.

السفر من البحرين اصبح مجازفة، العودة الى البحرين مجازفة، الالتقاء داخل البحرين مجازفة، الالتقاء خارج البحرين مجازفة. اذا سمعنا طرقة الباب قبل الساعة السابعة صباحا فهذا يعني طرقة زوار الفجر، رجال المخابرات. أنا اتوقع ان نتيجة العذاب الذي عشناه سوف تكشف بعد فترة من الوقت امراض وازمات واضطرابات نفسية منتشرة. ولو حذفنا العراق من المعادلة فاننا لانجد جوا اقسى من هذا الجو. كان النتيجة الوحيدة لذلك هو أن يتآكل المجتمع ويتفرق في الشام وقم ولندن ونيوزلنده والهند وفي كل مكان، وامتنا في الداخل تنتظر منقذا وتنتظر شيئا يأتيها... وصبرت وصبرت ولكنها ادركت بعد ذلك ان عليها ان تقوم بتحرير نفسها دون انتظار احد.

ولذلك كانت الارادة الشبابية التي افرزت جيلا من الشباب الذي بدأ يبدد الخوف ويقهر قوى المخابرات، هنا بدأ دور شباب التسعينات. واتذكر يوينو 1994 عندما فوجئنا بظهور مجموعة شباب امام وزارة العمل تطالب بحقوقها. وفوجئنا بظهور مظاهرات في البحرين لاتخاف من سيارات المخابرات. وهذه كانت مفاجئات وسبب هذه المفاجئات هو وجود شباب متمرس اصبح يستطيع ان يقاوم تلك المخاوف، وربما شباب منطقة البلاد القديم هم اول شباب قهروا هذا الرعب الامني في نهاية التمانيينات (قبل الانتفاضة). ثم بدأت العدوى تنتشر الى السنابس والدراز وبني جمرة والديه وسترة ونويدرات وكرزكان والدير وسماهيج والى المناطق الاخرى. واذا بالشعب لديه موضوع آخر اليوم، لديه وعي ويعرف ما له وما عليه ويطالب بحقوقه وهو ان يعيش بكرامة على ارضه ... ويعيش ولايشعر بأنه غريب على ارضه ... ويعيش وهو أول من يحسب حسابه وليس آخر من يحسب حسابه.. يعيش ولاتمتد يد عليه وان امتدت فسوف يصرخ ويصرخ حتى يسمعه العالم ويستنجد بكل المخلصين في كل انحاء العالم.

تحية لهولاء الشباب، تحية للشهداء، تحية لهذا الشعب العظيم الذي ضحى وبدد استبداد المخابرات وكسر المخابرات. لقد وصل البعض الى درجة من اليأس حتى ان هذا البعض كان يطالبنا بالاستسلام وانه لافائدة من عمل المعارضة ولتقبلوا باي شئ، ولكن الله نصر عباده وحقق ما لم نكن نحلم به وهو الغاء قانون امن الدولة ومحكمة امن الدولة.

وانا اعلم ان هذا الالغاء قد لاينفذ على الارض وقد تعود الامور السيئة الا اذا تجاوزنا الاطر الضيقة والاطر الفردية والاطر الحزبية. من الضروري معرفة شئ مهم جدا وهو ان ما قبل 1994 كان البحريني الشيعي لايثق بالبحريني الشيعي، والبحريني الشيعي لايثق بالسني، والعكس صحيح. وارجعوا الى كتب التاريخ وتذكروا حتى ان تشارلز بليغريف (المستشار البريطايني) يقول في مذكراته (ان البحارنه لايثقون بانفسهم ويفضلون كل شئ اجنبي). حتى ان خطباء المنابر كان يفضل الاجنبي على المحلي. اعتقد ان الانتفاضة اعادت لنا الثقة بانفسنا وجعلتنا نحل معظم خلافاتنا ولا اقول كلها. استطعنا ان نظهر الى العالم بصورة متوحدة في المحافل الدولية والحقوقية والاعلامية. استطعنا ان نصل بخطابنا العقلاني كل مكان وصمد الشعب وثبت على مقولته، واليوم نعيش نتيجة ذلك الصمود وهو انتهاء قانون امن الدولة.

انتهاء قانون امن الدولة يعني امكانية ذهاب المواطن الى البحرين وعقد لقاءات دون ان يخشى من الاعتقال. انها فرصة ذهبية ايها الاخوة والاخوات فلا تضيعوها ولاتمارسوا قانون امن الدولة ذاتيا. هناك خطورتان:

الاولى: ممارسة قانون امن الدولة ذاتيا والاختباء النفسي.

الثانية: الحالة الانفلاتية التي ترفض أي شئ اسمه اتفاق او أي شئ اسمه نظام وتفاهم مع الطرف الاخر.

لابد ان نتفق وان نتنازل فيما بيننا. اذا استطعنا ان نتحرر من قانون امن الدولة ونحذر من الحالة الانفلاتية اعتقد بان ثمرة الشهداء لن تضيع لاننا سنتأكد بان ابنائهم وابنائنا لن يطبق عليهم قانون امن الدولة ولن يدخلوا في ظروف نحن دخلنا فيها. هذا انشاء الله وهذا ما اردت قوله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً