العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ

دراسة بريطانية حول النظرية الفقهية للشيخ يوسف البحراني

عرض وتلخيص: د. منصور الجمري (15 ابريل 2001)

صدر الشهر الماضي كتاب جديد في بريطانيا لعدد من المؤلفين تحت عنوان:
ISLAMIC LAW, THEORY AND PRACTICE
Edited by: Robert Gleave and Eugenia Kermeli
ISBN: 1860646522

الكتاب يحتوي على إحدى عشر دراسة حول مواضيع متعددة مثل الاجتهاد، القضاء الإسلامي في غرناطة، تحليل فتاوى من المذهب المالكي، مدرسة الشيخ ابن تيمية، إلخ. وقد خصص الفصل الثاني لبحث النظرية الفقهية للشيخ يوسف البحراني.

لا شك أن إصدار الكتاب وتضمينه بحثا خاصا حول شخصية علمية -فقهية من البحرين يعتبر مفخرة لكل مواطن بحريني، سواء كان يتفق أم يختلف مع النظرية المطروحة. والدراسات الأكاديمية حول الإنتاجات الثرية لعلماء البحرين اهتم بها آخرون من خارج البحرين، بدلا من قيام أبناء البحرين بدراسة وتمحيص تاريخهم وإنتاجات
الفقهاء والعلماء والشعراء وغيرهم. وقد سبق لي أن قرأت رسالة ماجستير كتبت العام 1952، في جامعة لندن حول النظرة الفلسفية للشيخ ميثم البحراني الذي عاش قبل 700 عام. وجدير بالذكر، بأن الذكرى السبعمائة لوفاة الفيلسوف الشيخ ميثم البحراني قد مرت علينا العام الماضي دون اهتمام مناسب من داخل البحرين بهذه المناسبة.

نعود إلى موضوعنا الحالي حول الفقيه الشيخ يوسف البحراني الذي ولد في العام 1695 ميلادية وتوفي في العام 1772 ميلادية. إذ يعتبر الشيخ يوسف من أواخر الفقهاء الكبار في تاريخ البحرين، وكان قد عاصر حوادث جسيمة خلال فترة ما سمي بـ"خراب البحرين". فقد شهد عصره دمار وحرق وتخريب البحرين عدة مرات، وفي كل مرة كان السكان يهجرون مساكنهم إلى خارج البحرين هربا من القتل والدمار. ومع ذلك، فقد استطاع الشيخ يوسف البحراني إنتاج البحوث والدراسات والنظريات الفقهية التي استحقت تخصيص أحد فصول هذا الكتاب القيم.

يتحدث الدكتور روبرت جلييف في الفصل الثاني عن أصول الفقه لدى المسلمين الشيعة ونظرية الشيخ يوسف البحراني. واختيار الشيخ يوسف كمدخل لدراسة النظرية الفقهية الشيعية قابله اختيار الشيخ ابن تيمية في الفصل السادس من ا لكتاب لدراسة النظرية الفقهية السنية. أما لماذا الشيخ يوسف بالذات فيشير الباحث إلى أن نظريته كان وسطية بالنسبة لأصول الفقه لدى الشيعة. إذ أن فقهاء الشيعة قبل 200-300 سنة كانوا في حوار ساخن حول مدرستين أساسيتين هما مدرسة الأصول ومدرسة الأخبار. وقد تصاعد الحوار بين الفقهاء إلى مستوى حرج في عهد الفقيه محمد أمين الاسترابادي المتوفي العام 1623 ميلادية. وكان الاسترابادي من المدرسة الأخبارية وفي عهده وصل الخلاف الفقهي إلى مستوى لم يقبله الشيخ يوسف لاحقا. ولذلك، فإن النظرية الفقهية للشيخ يوسف ساهمت في تكوين نظرية وسطية (حسب تحليل الكتاب) معتدلة- بين طرفي المعادلة. فنظرية الشيخ يوسف ليست أصولية بمقارنتها مع مدرسة العلامة الحلي الذي عاش قبل سبعة قرون، وليست إخبارية بمقارنتها مع مدرسة الاسترابادي الذي عاش قبل أربعة قرون.

يشير الباحث إلى أن المدرسة اليوسفية تأثرت بسبب احتكاك الشيخ يوسف بمختلف أنواع فقهاء زمانه أثناء حياته. فبعد هجرته من البحرين عندما حرق منزله في الشاخورة (في إحدى حوادث تخريب البحرين في مطلع القرن الثامن عشر) هاجر إلى المنطقة الشرقية بالجزيرة العربية ثم إلى إيران ثم إلى العراق. وبسبب قدرته الانتاجية الكبيرة فإن كتاباته خلال تنقلاته عكست مناظراته وحواراته وفتاواه في فترات مختلفة من حياته. ولهذا اختلف الباحثون في تحديد مدرسته، هل هي إخبارية أم أصولية.

الباحث يرى أن الشيخ يوسف كان يميل إلى المدرسة الإخبارية ولكنه معتدل في طرحه، ولذلك فإن المدرسة الأصولية وتأثيرها موجودة في كتاباته. ويشير الكاتب إلى أن الشيخ يوسف لا يحب استخدام مصطلح أصولي وإخباري، ولهذا كان يبتعد في نقاشاته عن العبارات الحساسة، وكان بفضل استخدام عبارة "مجتهد" بدلا من "أصولي"، وعبارة "محدث" بدلا من "إخباري". وذلك لأن عبارة أصولي وإخباري في زمان الشيخ يوسف كان تحمل بعدا حساسا بسبب أطروحات الاسترابادي والأطروحات المضادة لها.

وقد تمكن النهج الوسطي للشيخ يوسف من إزالة كثير من الأوهام حول الخلافات وقال بأن الاشتراك بين المدرستين كبير جدا ما عدا في ثلاث نقط. وتحديده لثلاث نقاط كان نقلة نوعية في الأوساط الفقهية، خصوصا وأن بعض فقهاء عصره كان يقول بأن الخلافات تغطي أكثر من أربعين نقطة. إلا أن الشيخ يوسف، وبسبب قدرته الانتاجية، أصلح الأوضاع الفقهية لدى الشيعة، وقال أن الخلاف في ثلاث نقاط، وأن هذا الخلاف ليس بالمستوى المطروح لدى بعض الفقهاء.

 

العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً