العدد 3835 - الخميس 07 مارس 2013م الموافق 24 ربيع الثاني 1434هـ

ومتى ربيع الديمقراطية التشاركية؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

إذا كان شباب الثورات وحركات الربيع العربي قد بهر العالم بالأساليب التي ابتدعوها لإسقاط رموز وأنظمة الاستبداد في الكثير من أقطار الوطن العربي، فإن المرء يأمل أيضا في أن يكملوا المشوار ويبدعوا في تطوير عملية الانتقال إلى النظام الديمقراطي، فما الذي نعنيه في هذا القول؟ نعني ألا تنحصر عملية الانتقال فيما يعرف بالديمقراطية التمثيلية، أي إجراء انتخابات نزيهة دورية لمجالس نيابية كاملة الصلاحيات في التشريع والرقابة ومستقلة على الأخص عن السلطة التنفيذية. تلك الخطوة ضرورية ولكنها غير كافية. فالديمقراطية التمثيلية أثبتت عبر العالم كله أنها تحتوي على نقاط ضعف وتحتاج إلى ما يكملها.

ما يكملها هو ألا تكون مهمة ومسئولية مجموعة صغيرة من المواطنين الذين ينتخبون دوريا كل أربع سنوات. إنها تحتاج أن تكون مهمة ومسئولية كل مواطن. وفي الواقع هكذا بدأت الديمقراطية في مهدها، في أثينا باليونان.

لم تكن هناك انتخابات ولكن كان هناك اختيار بالقرعة من بين كل المواطنين ليكونوا أعضاء في اللجان التي كانت تدير أمور المدينة، أثينا. كان كل مواطن ينتظر منه تحمّل المسئولية والمشاركة.

ما هو مطلوب إذاً هو الديمقراطية التشاركية التي يساهم في نشاطاتها كل مواطن وذلك بشتّى الصور وبمختلف المستويات. ذلك ان نجاح الديمقراطية لا يأتي من صندوق الاقتراع الانتخابي فقط وإنما يأتي من توفر الظروف المؤاتية التي تجعل ذلك النجاح ممكناً. تلك الظروف يخلقها المواطنون من خلال نشاطات فعّالة يقومون بها. كيف؟ بتشجيع وتعويد المواطن على الانخراط في الحياة المدنية بشكل مستمر وفي سبيل تحقيق أهداف محلية أو قطاعية محدّدة. يحتاج المواطنون، وعلى الأخصّ الشباب منهم، أن يقوى في داخلهم الإحساس بالحق الثابت بأن تكون لهم حقوق، وأن تنمو فيهم شهيّة الصّراع من أجل تلك الحقوق. يحتاج المواطنون أن ينخرطوا في معارك محلية فرعية تشمل فيما تشمل قضايا بيئية محلية أو دفاع عن كرامة وحقوق مجموعة محلية أو مطالبة بخدمات لسكناهم المحلي. ومن أجل أن ينجحوا لابدّ من إقناعهم بممارسة سيادتهم وسيطرتهم على مركز كل قوة.

الشعار الذي يجب أن يقود المواطنين هو شعار يقال انه مكتوب على لوحة يقرأها كل من يزور إقليم ثوار زاباتيستا المكسيكيين: «أنت تدخل إقليم ثوار زاباتيستا حيث الشّعب يقود والحكومة تطيع».

إن هنالك العشرات من الكتب التي تصف أنواعاًَ مبهرة وموحية من نشاطات قامت بها مجموعات محدودة من المواطنين، في كثير من دول العالم في الشمال والجنوب، من أجل إرغام الحكومات أو السلطات المحلية أو الشركات على الانصياع لمطالب أولئك المواطنين. بعض هؤلاء المواطنين كانوا من الفلاّحين البسطاء وبعضهم كانوا من النساء الفقيرات، لكنهم جميعا مارسوا الديمقراطية التشاركية النضالية وتعلّموا من تجاربهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم. بأفعالهم تلك ساهموا في خلق الظروف لإنجاح مسيرة الديمقراطية في بلدانهم.

ما يحتاج شباب الثورات والحركات أن يعده بعمق هو أن رفض العنف لا يعني التخلّي عن الصّراع والمقاومة السلميين المستمرّين. وكذلك أن الديمقراطية تقاس بمقدار الحرية التي تعطى لمخالفي النظام السياسي وليس بمقدار الحرية التي تعطى للمؤيّدين. نحتاج جميعاً أن نتذكر أن نضال اللاعنف الذي نادى به الزعيم الروحي غاندي لم يمنع حركته من أن تقاوم بشّدة وتخوض معارك الابتلاء بعزم الأبطال.

الرجوع إلى أساسيات الديمقراطية التي تقول ان الديمقراطية هي شأن فردي، وأنها لكي تنجح تحتاج لظروف تبنيها نضالات كل المواطنين بصورة مستمرة، وحتى يومية، هذا الرجوع التاريخي والفكري يمكن أن يكون فرصةً أمام شباب الثورات العربية لكي يساهموا في إبداع ديمقراطية أفضل من الديمقراطية الكسيحة العرجاء التي تمارسها كل جماعات العالم بنسب متفاوتة من عمى البصيرة والضحك على النفس، فالعالم كله يحتاج لبزوغ ديمقراطية جديدة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3835 - الخميس 07 مارس 2013م الموافق 24 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 2:23 م

      هذا ليس ربيع عربي إنه ربيع الفوضة الخلاقة الامريكية في المنطقة العربية.

      لا ربيع ولا خريف ولا بطيخ

    • زائر 8 | 9:55 ص

      الديمقراطية ثقافه ممارسة فردية أولا

      أتمنى أن يمارس الجميع الديمقراطية على المستوى الفردي و العائلي و أن يشاركوا بإجابيه في المجتمع المدني فهي في النهاية أخلاق شعب !

    • زائر 6 | 1:58 ص

      ديمقراطيه جديده !

      مقال مبهر ونتمنى من بعد حصولنا على الديمقراطيه لا يوجد انسان يصيح من اللا عدل والحرمان ويعيش الناس...

    • زائر 5 | 11:42 م

      عندما يحلق الطير عاليا

      عندما يحلق الطير عاليا في الفضاء فهذا يعني في بعض حالته خوفه مما على الارض ولو يملك غير جناحيه لما حلق كغيره من مخلوقات الله
      فالتحليق للطير نجاة ولغيره هروب وفرار

    • زائر 4 | 11:38 م

      ملامسة الجرح خير من وصف الدواء والتحليق في الفضاء

      التعريف بالداء لا يشفي ولا يزيل الداء جرعة دواء تغني وتشفي وملامسة الجرح خير من التحليق بصاحبه في الفضاء
      فالنقترب أكثر من علتنا ودائنا وهمنا حتى نصل ونحصل على ما فيه
      خير الجميع

    • زائر 3 | 10:17 م

      سلاح غاندي

      انتصرغاندي في حركته باستخدام السلميه

    • زائر 7 زائر 3 | 5:40 ص

      شرط النجاح

      غاندي نجح لأنه كان لدى خصمه أخلاق يرجع إليها

    • زائر 2 | 10:12 م

      مؤشر جميل

      للديمقراطيه تقاس بمقدار حريه ا التعبيرالمعطاة للطرف العارض للحكومه

    • زائر 1 | 10:06 م

      استبدال النص الدستوري

      لكي لا يحدث لبس في تفسير النص يستبدل نص الشعب مصدر السلطات بنص الشعب يقود والحكومه تطيع

اقرأ ايضاً