العدد 3839 - الإثنين 11 مارس 2013م الموافق 28 ربيع الثاني 1434هـ

يمكنك قتل الأزهار لكن لن تستطيع تأخير الربيع!

عيسى سيار comments [at] alwasatnews.com

-

في بدايات مرحلة كفاح الشعوب للتخلص من نير الاستعمار والاستبداد والعبودية والتمييز العنصري خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي، يحضرني قول مأثور لأحد المناضلين ضد الظلم والاستبداد ذو معانٍ ودلالات عميقة قيل في تلك الحقبة، وأكاد أجزم أن هذه العبارة مازالت تتحقق على أرض الواقع حتى تاريخنا المعاصر، وهي «إنك تستطيع أن تدوس على الأزهار ولكنك لن تستطيع أن تؤخر الربيع».

هذه العبارة بمثابة الرسالة الواضحة والصريحة للأنظمة والحكام المستبدّين الذين يعتقدون واهمين بأنهم وما يملكونه من سلطة غير شرعية، وأموال ملك للشعوب، وجيوش وأجهزة أمنية قمعية مجيّرة لخدمتهم ومن لفّ لفهم من عائلة وحاشية وبطانة... إلخ، مفادها إنكم تستطيعون بما تملكونه من سلطة ومال عام شراء ذمم ذوي النفوس المريضة من مسئولين ورجال دين ورجال أعمال ونواب وصحافيين وبلديين وزعماء المجتمع المحلي والأكاديميين وغيرهم ممن أطلقت عليهم لقب «البطاقات مدفوعة الأجر».

إنكم تستطيعون قتل وقمع وتعذيب المواطنين المطالبين بالحرية والعدالة والمساواة من خلال جيوشكم وأجهزتكم الأمنية. تستطيعون تسخير كل إمكانيات بلدانكم المادية وغيرها من أجل تلبية مصالح الدول الغربية من خلال الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية المجحفة بحق مصالح شعوبكم وسيادة أوطانكم، أو من خلال الصفقات والرشا والهبات وغيرها حتى تشتروا سكوت العالم الغربي بحيث لا يحرّك مكنة إعلامه أو تقاريره الحقوقية ضدكم. إنكم تستطيعون... وتستطيعون فعل أكثر من ذلك بحق شعوبكم.

ولكن ألم تسألوا أنفسكم قط أيها الحكام المستبدون ولو للحظة واحدة، عن مصير الأنظمة الفاشية والمستبدة وحكامها سواءً كان ذلك في الغرب أو الشرق، والتي ذهبت إلى مزبلة التاريخ. هل تتذكرون مصير هتلر ومن لفّ لفه في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا، وهيلاسيلاسي في أثيوبيا، وموبوتو سيسي سيكو في زائير، ونظام جنوب إفريقيا العنصري. ألم تتعظوا قطّ بالمصير المرعب الذي عصف بالأنظمة وحكامها التي طبقت الديمقراطية الشكلية الزائفة والتي فصلت على مقاس حكامها؟ أين حسني مبارك وبطانته الفاسدة وديمقراطيته الزائفة وأجهزته الأمنية القذرة؟ أين القذافي ونظامه الأخضر البائس وعصاباته العسكرية البربرية؟ أين علي صالح و «بلاطجته»؟ كلهم أصبحوا هباءً منثوراً، والمصير نفسه ينتظر نظام الأسد و «شبيحته». وهناك أنظمة مستبدة ستهتزّ عروشها عاجلاً أم آجلاً.

هل تتذكرون أيها الحكام المستبدون كيف كانت تعابير وجه الرئيس التونسي الهارب من العدالة بن علي عندما اهتزت الأرض تحت قدميه، حينها قال باللهجة التونسية: «أنا فهمتكم». هل تصدّقون بأن هذا الرئيس القمعي الكاذب الملطخة يداه بدماء المناضلين التونسيين، فهم مطالب شعبه بعد أكثر من عشرين سنة!

إن من حسن حظ بعض الشعوب أن حكامها المستبدين لا يتصفون بالحصافة والبرغماتية السياسية، حيث يعتقدون واهمين بأن شعوبهم عبارة عن رعايا ليس لهم حول ولا قوة، وهم أقرب للحيوانات من البشر، وبالتالي عليهم أن يقبلوا ما يُرمى إليهم من فتات الموائد، وإذا رفضوا ذلك فالعصا لمن عصا. فهؤلاء الحكام لديهم من الأجهزة التي تمكّنهم من إرسال أي مواطن يخرج على طاعتهم إلى غياهب الجب بحيث يختفي من الوجود. ألم تتذكروا عبارة الرئيس المصري المخلوع الشهيرة «سيبوهم يلعبوا»! فكم من العراقيين اختفوا في عهد صدام وكذلك خلال الحكم العراقي الحالي الذي أتت به دبابات الأميركان. وكم من التونسيين والمصريين والليبيين واليمنيين والسوريين وفي باقي البلدان العربية، قُتلوا وعُذّبوا وسُحلوا في الشوارع، فقط لأنهم قالوا لأنظمتهم نريد حقوقنا التي كفلتها كل الشرائع السماوية، ونريد أن نعامل كبشر!

أيها الحكام المستبدون أفيقوا من سباتكم. لقد ولّى زمان الغرف المغلقة والأنظمة الشمولية وحجب المعلومات والتكتم والتعذيب. لقد ولّى زمان العبودية والعنصرية واللعب على وتر الطائفية. لقد ولّى زمان الديمقراطية الشكلية المفصّلة على مقاس الأنظمة، وليس على مقاس الشعوب. لقد ولّى زمان الخنوع والمهانة والمذلة والقبول بفتات الموائد. اصحوا أيها الحكام، نحن نعيش في فضاء منفتح لا يمكن لأحد إغلاقه. نحن نعيش في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي عصفت بعروش عددٍ من الحكام المستبدين، هذه الوسائل التي أصبحت بعبعاً يسبب قلقاً كبيراً للكثير من الحكام.

نحن نعيش في زمن الكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية. لقد ولّى زمان العسكر المستبدين الذين يصادرون حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها تحت ذرائع العدالة والقضاء على الفساد. وفوق كل هذا وذاك نحن نعيش في زمن إرادة الشعوب التي لا تنكسر ولا تُقهر.

إن الشعب البحريني مثل بقية الشعوب، والذي قدّم التضحيات الجسام عند المنعطفات النضالية عبر التاريخ، يتطلع هو الآخر إلى أن تتحقق إرادته الوطنية من خلال مشاركته الفعلية في صنع القرار السياسي والسيادي لحاضر ومستقبل البحرين. ومن هذا المنطلق نطالب الأطراف المشاركة في الحوار الوطني بأن يصغوا جيّداً لمطالب الشعب البحريني بكل مكوّناته، السياسية منها والمعيشية، وأن يلتزم بالتنفيذ الأمين وغير الانتقائي لمطالب الشعب البحريني المشروعة، وذلك ضمن إطار زمني محدّد المدة، وأن نأخذ العبر جميعاً مما حصل في بلدان الربيع العربي، وحتى لا نرجع للمربع صفر وتضيع البلد في أتون المجهول! فالشعوب التي خرجت للمطالبة بحقوقها المشروعة وقدمت التضحيات الجسام لن تقبل بأن ترجع بخفي حنين. وتأكّدوا بأنه لا يوجد إنسان أو نظام في هذا الكون يستطيع أن يؤخر الربيع، فهذه مشيئة الخالق جلّت قدرته... فمن يرفع الشراع؟

إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"

العدد 3839 - الإثنين 11 مارس 2013م الموافق 28 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 3:04 م

      مقال في الصميم

      لأنقبل من الذينه يتحاورن بأن يتفقوا على أية صفقه فيما بينهم دون أستفتاء الشعب وهو الذي يقرر مصيره وليس هم,لانه هو الذي ضحى وقدم الشهدا وهو الذي هتكت عروضه وليس هم.ومن يرفع الشراع معنا

    • زائر 19 | 10:09 ص

      كما فداك الامس وردا غرسه في التراب راح ينشد الفداء

      ما اقول الاشكرا للاخ عيسى سيار على هذه الكلام نعم الازهار قد تداس وهي حين تزهر ولكن ايضا يبقى هذا االزهر احلى ما في الرييع حتى حين تدوسه فانه يغرس بدوره في لتنبت من جديد

    • زائر 17 | 9:37 ص

      مقال كلام في كلام

      كلام في كلام لاعت جبدنه من المقال لا فيه فايده ولا عايده

    • زائر 16 | 7:26 ص

      فمن يرفع الشراع؟

      شراعك دائما مرفوع أيها المواطن الصالح الدي يتمنى الخير للوطن والمواطنين. مشكلتنا أخي الكريم هناك أناس تود رفع أشرعتها مع علمها بأنها ممزقة. سيأتي اليوم الدي سيرفع فيه شراع الوطن لكي ترسو سفينته على بر الأمان, حينها سيعرف كل منا موقعه. فهل من متعظ! (محرقي/حايكي)

    • زائر 14 | 6:23 ص

      انت غلطان

      الحكم في العراق اتى به الشعب وليس الدبابه الامريكية السيد المالكي قال للمندوب الامريكي انتم غلطانين اذا فكرتو اني ساكون امريكي ان من مدرسة الصدر وارجع للتا،يخ وتاكد 

    • زائر 11 | 4:35 ص

      انت نفر واجد زين

      انت نفر واجد يكتب زين كلام مال انت صحيح انت يعرف حقيقة زين
      ليش باقي نفر ما يسوي سيم سيم

    • زائر 13 زائر 11 | 5:18 ص

      انا يتكلم ويقول ليش مو سيم سيم.

      لازم نفر بعد يعرف حقيقة ، وبعد يمكن في نفر اخر يعرف حقيقة لكن في بيزات يعني فلوس يعطونه وما يسوي سيم سيم يسوي مو سيم سيم يعني عكس ، بعد يمكن بعد في نفر يخاف يسجنونها وبعد مو زين يسجنونها .

    • زائر 10 | 3:28 ص

      أشكر هذا الفكر النير والاضائة

      أيها الكاتب القدير والمحامي الشريف ان لك قرآء متابعين لك أول بأول في ماتكتب فشكرا على الانارة

    • زائر 9 | 3:13 ص

      من علمك صوت المطر

      من قال لك ان الربيع لا يتأخر او ليس بمقدور الإنسان تأخيره هذا الكلام بمثابة الإهانة للمنظمات البيئية التي تناضل من اجل الحفاظ على الربيع والخريف والشتاء بعد التلوث البيئي الكارثي وفي بلادنا تجد المواسم تتخبط على مدى الشهر الواحد حتى القطب المتجمد اصبح مضطرباً وسكان الأسكمو غير من طباعهم لتتلائم مع المتغيرات البيئية لو كنت بيئياً لأدركت أن الأوز والبط الكندي يعي هذه الحقائق فندها تتأخر في طيرانها وموسم هجرتها نحو جنوب افريقيا لأسابيع وقد تتجاوز الشهر لأن الربيع قد تأخر هناك /سندارة

    • زائر 8 | 3:04 ص

      قمة الابداع

      تسلم مقال كله هو الحقيقة

    • زائر 7 | 2:51 ص

      استاذ عيسى سيار

      كلام من ذهب من واحد ذهب اصلي بحريني.

    • زائر 6 | 2:12 ص

      وفاقيون للابد

      تعجبني انت وتعجبني كلمة من سيرفع الشراع ، اكيد ياسيدي المحترم الشعب هو الذى سيرفع الشراع لان مطالبة مشروعة ولا يمكن التنازل عنها مساجد هدمت وناس قتلت والمساجن ملئت حتي الاموات اخرت والمقابر قمعت وتقول من يرفع الشراع

    • زائر 5 | 2:06 ص

      المواعظ القيّمة في زمن الطرشان

      كلامك فيه من المواعظ القيّمة ما ينفع من يسمع او يستمع ولكن للأسف كما قلت لك اننا في زمن الطرشان في زمن تجريب المجرّب واستخدام الاسلوب الاوحد الذي اثبت عدم فاعليته ففي السجون قرابة 1800 معقتل يزيدون كل يوم والحراك
      لا يهدأ بكل يكاد يتأجج فما نفع قمع الناس وادخالهم السجون اذا هذا الحل غير مجدي.
      سؤال يحتاج الى جواب جربتم وجربتم وجربتم حلكم الامني ولا زلتم مصرين عليه
      وادخلتم الآلاف للسجن فهل اوقفتم الحراك؟

    • زائر 4 | 1:30 ص

      انها عمي القلوب

      انها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. فهل من متعظ

    • زائر 2 | 1:06 ص

      العين وذات البين

      من يرفع العلم ؟.. ومن يرفع الشراع ؟ .. ومن يبدأ بالسلام؟ بينما بينك وبين نفسك وبيني وبينك تعرفان بذات البينين، التي تحتاج الى اصلاح وصيانة مستمرين. فالانسان نفس و الآخرين نفوس.
      لكن أيهما أولى بالاصلاح ذات البين الأولى أم ذات البين الثانية؟

    • زائر 1 | 12:33 ص

      صدقت

      دائما تعجبني كلمة فمن يرفع الشراع ، بإذن الله الكل سوف يرفع الشراع فنحن نثق في قيادتنا الحكيمة وكذلك شعب البحرين وسنفرح عن قريب .

    • زائر 12 زائر 1 | 5:09 ص

      التجربة خير برهان.

      من تجربتنا طوال هذه السنوات ، لا اظن بأن 10 %من الشعب يثق في هذه الحكومة ، ولا حتى الموالين لها . يقول المثل التجربة خير برهان .

    • زائر 18 زائر 1 | 9:47 ص

      مع الاعتذار

      مع الاعتذار للكاتب بس الكلام أسهل بكثير من العمل الكاتب عضو مؤسس في جمعية عدالة خل جمعية عدالة ترفع الشراع

اقرأ ايضاً