العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ

الفساد في مصر 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد مر الفساد في مصر بعدة مراحل منها فساد القصر والأحزاب قبل 23 يوليو/ تموز 1952 وفساد ما بعد 1952. وإذا تأملنا فساد ما بعد الثورة تبعاً لرؤساء الدولة سنجد أن الفساد اتخذ طابعاً مختلفاً بين فترة وأخرى فخلال الحقبة الناصرية اقتصر الفساد على بعض رجال الحكم خصوصا العسكريين الذين تولوا وظائف مدنية وعرفنا قضايا مثل سرقة مجوهرات أسرة محمد على وتجاوزات لجان تصفية الإقطاع ثم فساد إدارات بعض شركات القطاع العام ولكن تم التغاضي عنها أمام المنجزات الناصرية في المجالات كافة. وحين بدأ الرئيس السادات مرحلة الانفتاح عقب حرب أكتوبر/ تشرين الأول بدأ الفساد يتحول من الرشوة والعمولات واستغلال الوظيفة في الإثراء غير المشروع إلى استغلال النفوذ والمحسوبية وانتشار الوساطة في جميع المجالات وسمعنا الكثير من التجاوزات من أسرة الرئيس السادات نفسه وقدم شقيق الرئيس للمحاكمة في أول حكم الرئيس مبارك، كما تمت محاكمات لوزير الكهرباء الأسبق أحمد سلطان ووزير الطيران في قضايا عمولات منها قضية شركة لوكهيد الشهيرة.

يمكن أن نجد عدة أسباب للفساد في الحقبة الساداتية أهمها:

1- التحول السياسي والاقتصادي دون تهيئة القواعد الاقتصادية لهذا التحول.

2- الانفتاح بلا ضوابط مما فتح الباب لمزيد من التجاوزات.

3- تفجير طاقات الاستهلاك لدى المواطنين العاديين وظهور شراهة استهلاكية.

4. فساد الإدارة الحكومية وهى مرض تاريخي في تطور البيروقراطية المصرية.

5- غياب الديمقراطية الحقيقية وسيادة صورة ممسوخة للتعددية الحزبية الفاقدة للقدرة على الحركة.

ولو حاولنا التعرف إلى أسباب هذا التحول في منظومة الفساد من مجرد أحد مظاهر الأداء إلى آلية رئيسية من آليات العمل السياسي والاقتصادي وبالإضافة إلى أسباب الفساد خلال الحقبة الساداتية والممتدة خلال المرحلة الراهنة نجد الآتي:

1- غياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي المتضمن للتغيير وتداول السلطة وقصر الديكور الديمقراطي على صحف للصراخ والإثارة.

2- التوسع في الحصول على القروض والمعونات الأجنبية وما سببته من إفساد لموظفي الدولة على جميع المستويات واعتبار أداء الموظف العام لعمله شيئاً يستحق عليه المكافأة مهما يكن مصدرها.

3- سياسة الخصخصة وتحويل شركات القطاع العام إلى القطاع الخاص وما يشوب هذه السياسة من فساد في تقييم الشركات بشكل فاضح لصالح بعض المستثمرين سواء من الداخل أو الخارج. ولعل ما أثير حول بيع بعض الشركات مثل البيبسي كولا والمراجل البخارية وغيرها لدليل على إهدار جزء من ثروة مصر لصالح بعض المصالح الضيقة.

4- استمرار عجز الميزان التجاري والتوسع في الاستيراد بلا ضوابط حتى وصل حجم الواردات إلى 17 مليار دولار في العام 1999/ 2000 وليصل عجز الميزان التجاري إلى 11.4 مليار دولار.

5- التوسع في الإقراض المصرفي بلا ضوابط حتى تضخمت مديونيات القطاع الخاص وهرب كثير من رجال الأعمال للخارج وعجز آخرون عن سداد ديونهم.

6- زيادة الارتباط بين الجنيه المصري والدولار الأميركي وتزايد المضاربات على الجنيه المصري من شبكات دولية لغسل الأموال.

لكل هذه الأسباب تحول الفساد من ظاهرة عارضة في مصر إلى جزء أصيل من آليات النظام السياسي والاقتصادي الحاكم وعلى رغم تعدد الأجهزة الرقابية وتقديم عدة قضايا للمحاكمة وصدور أحكام مشددة فيها سيظل الفساد سمة من سمات الرأس مالية المصرية مالم تقدم على إحداث تغييرات جذرية في سياسات الحكم تبدأ بوجود ديمقراطية حقيقية يشعر من خلالها المواطن بالقدرة على التغيير ويشعر الجميع أنهم متساوون أمام القانون وأنه لا يوجد شخص فوق القانون.

مما لاشك فيه أن الحالة المصرية ليست الوحيدة في المشهد السياسي العربي. ولو تلفت المواطن العربي حوله فسيفاجأ بأن هناك أكثر من مصر. قد تختلف الحالات بين واحدة وأخرى، لكنها تصب جميعاً في نهاية المطاف في طاحونة الفساد العربي الذي ينتشر كالفيروس في الجسم العربي كافة ومن دون أي استثناء

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً