العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ

نرتدي العراء ريثما تجف أسمالنا على حبل الغسيل

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

للذاكرة حرمتها... وللذاكرة تحريضها وانتهاكها الفاضح في كثير من الأحيان... انتهاكها الذي أدمنَتْه وتدمنه في دعوة مفتوحة لك للخروج عليها... على تعاليمها... وربما على سذاجتها التي تتعلم منها الكثير الكثير.

@@@

هل موجة أولى ورمل شاهد؟

ليدسّ هذا البحر

كل هباته في الموقد الحجريّ؟

في شُبّاك جارتنا السماءْ؟

لا ماء رغم الماءْ...

مَنْ سمّاكَ موهبة الصعود الى الحصى؟

@@@

بحر منطقة النعيم في الستينات من القرن الماضي لا يشبه أي بحر في الدنيا، قبل أن يتم استزراع اليابسة... قبل أن نصحو ذات عطلة صيفية على هدير الجرافات وهي تمعن خنقاً في الماء وخنقاً لنا. نحن الذين اعتدنا كل يوم جمعة على تحضير أنفسنا للتجمهر أمام السفن التي تم تدشينها باتجاه بحر سيصبح يوماً افتراضياً. مثلما يفترض أحدهم زوال اليابسة حين تكتم على أنفاسها الأبراج، يحق لنا نحن الذين لم نعرف جاراً بكل تلك الرحابة والحفاوة (البحر) أن نفترض أنه سيدخل في المدى الإفتراضي المعد له سلفاً.

@@@

أواخر الستينات... ظل المكان متشبثاً بالحدود القصوى من براءته... وظل الناس متشبثين أيضاً باللاحدود من البراءة... كانت هنالك ثوابت لم تستطع زحزحتها آلات الهدم القابضة على موهبة الخراب... ذلك لا يعني ان الخراب لم يكن متشكلاً وقتها... غير ان الجهر بسريته يتطلب وقائع وتجارب مسبقة ينتجها بشر الوسط المكاني... كان مجرد الهمس بتلك النية يعني اجتياحاً وردماً لمصادره والداعين إليه .

أول مشهد تأملي لي ولا أزال أحفظ تفاصيله... مجموعة من الشرطة الإنجليزية والهندية كانت تتولى تنظيم الطرق والأزقة التي ستمر عبرها التظاهرة بالقرب من مدرسة السلمانية الابتدائية للبنين، وصولاً الى مدرسة السلمانية للبنات... لكن تأمل الموقف يومها يفتقد الى العمق... ربما إلى مدى الأفق الذي كان عليه الوعي وقتها... وامتداد الأسطورة كي الغي « جريرة» الإعجاب برجال أمن يحرسون تظاهرة لا تعد بسفلتة الطرقات بقدر ما تعد بنهش ونبش الإسفلت بأظفارها الطويلة والمتسخة كي تنطلق ينابيع الحياة دون أن نعي أن الإسفلت « مشنقة للينابيع»... حبل من القار يكمن في زقاق... يصطاد شجرة أو نشيداً أو ربما مواسم حالمة بشهوة البرق وفكرة الأبد!

إني لا أرى سبباً سوى

أن السماءَ تبرّجتْ في الغيب

وانثالتْ، فمرَّتْ كائنات الليل

@@@

الطريق إلى المدرسة محفوف بالنعاس... محفوف بسليقة النسيان وتأجيل الفرص... لم نكن نملك « دمى» في الزمن الذي تخلو إمكاناته من « الصفر»... كانت الحجارة والسعف المحتضر ألعاباً نشكلها كيفما نشاء... نبتدع منها «خيولنا الوهمية «... أما الحجارة «فرصاصنا الحتمي»... الحتمي الجميل... كنا نغتال في ذاكرتنا كل البشر الذين لم يمنحونا فرصة أوتبريراً يتيماً كيما نحبهم كما نريد لا كما يريدون .

@@@

الطريق الى المدرسة جرح غائر بين حقول البراءة ومروج المعرفة... نفترش الأرض... نصغي إلى رجل يدّعي أنه يملك سحراً أن يمنحنا ما ندافع به عن فكرة التمايز بيننا وبين «عجول» جارنا «عبدالله الماضي» بمنطقة النعيم... اذ تعلف العجول ما يلقى إليها ونحن هنا نعلف» الحروف و الأرقام «ندخل برقاب طبيعية، ونخرج برقاب ليست لنا... رقاب طويلة لكثرة تحديقنا في اللوح الأسود الذي سنخرب ليله ببياض آسر ولا نهائي!.

الطريق إلى المدرسة غموض يتخفى في شكل سياج خلف صحراء مفتوحة على «جنة المعرفة»... الطريق إلى المدرسة ثراء من نوع آخر... ثراء الجرأة على النهوض مبكراً وبملابس المدرسة...الطريق إلى المدرسة محفوف بالوضوح، بفاكهة البداية... الطريق إلى المدرسة محفوف بالأشجار، بالقدر، بالحرية المؤجلة ، بأصوات العذاب المعرفي المفتوح على «شرفة» الجغرافيا ومقصلة الوقت...

@@@

ولم أزلْ... أنا لم أزلْ

أحنو على لغتي

كما يحنو الغريب على مداه

وحين لا أجد الكلام

أمدّ أقنعتي لتنساب المشاهد حرّة

كصهيل نصف الليل في ظل امرأهْ

@@@

كانت قرية بني جمرة بعد النزوح شبه القسري من منطقة النعيم، سقفاً آخر للعالم. على الأقل عالمنا نحن. لا بحر هنا كما ألفناه. قيل لنا انه على بعد سهر. اكتشفنا أنه على سهو منا. كان رحباً ولكنه لم يكن أليفاً على الإطلاق.

لأمي رائحة الصياغة الأولى لهذا العالم، اذ كل شيء يدل على توغلنا في مسارب الحياة، نرتدي العراء ريثما تجف أسمالنا على حبل الغسيل ، كثيراً ما كنا نراقب الثوب وهو يجف تحت شمس الجزيرة الحارقة، هل راقب أحدكم ثوبه وهو يجف؟.

لأمي نكهة الوصول إلى قمة جبل ، إذ تكون في حيز تتوهم من خلاله أن الجبل هو قامتك الطبيعية ترى من خلاله الكائنات السفلية وقد مسخت إلى ميكروبات لا ترى بالعين المجردة. لأمي طعم المطر الذي انهمر ذات مساء ونحن» محشورين « في غرفة لا سقف لها ، يومها افتقدنا سقفين... الأب... وسقف البيت الذي لم يتح الموت لأبي فرصة كي ينجز وعده وليهزم المناخات التي انهمرت على رؤوسنا كطيور الأبابيل.

@@@

لرواقك الفضيّ

مازال المدى كالريش

هل شجراً مزاجياً

تسمّي خيمة البسطاء؟

حرفاً مائلاً للنهر؟

يا صخب الصعود إلى المياه

هنا تركت براعم الفلوات

تقرأ ريحها شجراً وحُرَّاساً

تناهوا في قميص النوم

بعد تحية ستجيء أوسمتي

على بُسُطِ الغبارِ...

وأنا برغم برانس الديجور... «عاري»..?

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً