العدد 3844 - السبت 16 مارس 2013م الموافق 04 جمادى الأولى 1434هـ

حقوق الإنسان والجرائم ضد الأبناء غير الشرعيين

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

قتلها إخوتها وهي في العشرين من عمرها، بعد أن ولدت توأماً خارج إطار الزوجية، ولم تفلح محاولة الإخوة في قتل الرضيعين، نتيجة تدخلات أدت إلى ضياع أثرهما.

الرضيع الأول وجده رجل اسمه عاصم في السوق، انكسر قلبه عندما رآه، والتقت عينه بعينيه، وكأنه يقول: «ما ذنبي، أنا رضيع وليس لي أحد في هذه الدنيا»، فأخذه إلى منزله لتربيته وسماه سيفاً.

أما الرضيع الثاني؛ فكان مصيره، أن وضع في دار «حضانة» حكومية مخصصة للرضع غير الشرعيين، وكان حظه في أحد الأيام،أن زار ياباني مع زوجته الاسبانية تلك الحضانة وكانا في رحلة عمل، فقررا أن يتبنيا طفلاً، لكونهما عقيمين، فأخذاه معهما لتربيته، وسمياه «كين».

هذان الزوجان توجّها إلى أميركا للعيش هناك، وبذلك اكتسب كين ثلاث لغات، وهو في الخامسة من عمره، إذ أخذ اللغة اليابانية من أبيه، واللغة الأسبانية من أمه، واللغة الانجليزية من المجتمع الأميركي الذي يعيش فيه.

أما سيف، فاكتسب لغة واحدة وهي العربية، وكانت حياته مليئة بالألم، حيث كان ذا موهبة وعبقرية، تجعل زملاءه يغارون منه وينظرون إليه بحسد، وهو ما يدفعهم إلى النيل منه من خلال تحقيره بأنه ابن غير شرعي، وتذكيره بذلك بين الفينة والأخرى.

يموت سيف ألف مرة في اليوم، من الكلمات البذيئة المستمرة بين دقيقة وأخرى، التي يقذفه بها الأطفال والمجتمع من حوله. كيف يكون شعور طفل يتم تحقيره أمام الجميع ووصفه بألفاظ بذيئة بأنه ابن غير شرعي. إنه قتل لذاته الإنسانية، وتحطيم لنفسيته البشرية. فعاش أياماً صعبة كلها دموع وبكاء، وشعور بالاهانة والذل والهوان. مشاعر كلها سلبية جعلته يتمنى الموت وكأنه لم يكن.

بينما أخوه كين، عاش في أميركا في أحضان دافئة، مليئة بالحب والعطف والحنان والمعاملة الطبيعية من المجتمع، يمشي مرفوع الرأس بسعادة وفرح، يلعب مع الأطفال... مشاعر كلها إيجابية.

أما في الطموح، فعلى رغم أن سيفاً كان يمتلك مواهب وذكاءً خارقاً؛ فقد تحطمت آماله في بناء حياة سعيدة، نتيجة الإعاقة الثقافية والاجتماعية التي كبلت قدراته وجعلته مستسلماً للواقع السيئ. فلا أحد يقدّره أو يحترمه على رغم امتلاكه المواهب والذكاء الخارق، لمجرد أنه ابن غير شرعي.

ومع مرور الوقت عندما بلغ سيف العشرين، ترسخت لديه الأفكار للتأكيد على ذاته والدفاع عن كرامته والانتقام ممن يحاول تحقيره وإذلاله والاعتداء على حقوقه، فأطلق العنان لتطوير آلة الانتقام بكل ما تبدع العقول، فانخرط في أجهزة استخباراتية، واستغل منصبه لابتزاز التجار، وتكوين ثروة، والتحكم في حركة السوق، واستغلال المال في إفساد النفوس وترويج تجارة المخدرات والدعارة، ومع تزايد نفوذه أسس عصابات مسلحة تمتلك أحدث الأسلحة، وأصبحت مشاهد القتل يومية، لا تستطيع الأجهزة الأمنية وقفها، وفقد المجتمع نعمة الأمن والآمان، وأصبح الخوف هو المسيطر.

أما أخوه كين؛ فقد كان يمتلك طموحاً عالياً لاختراع أو ابتكار شيء يخدم البشرية، فاستغرق كل وقته في البحث العلمي، متعطشاً للقراءة في ميادين الفلك والفيزياء والكيمياء والطاقة وغيرها. وعندما بلغ الخمسين، توصل إلى نظريات ثورية تمكن الإنسان من اختراق المجرات في الفضاء الواسع، وأطلق عليه اسم «علم اختراق المجرات». وهو ما مكّن الإنسان من إحضار عناصر ذرية من مجرات أخرى، ساعدت على إيجاد علاجات سريعة للأمراض المستعصية مثل الايدز والسرطان والسكلر، بشرب حبة واحدة مثل حبة البندول.

هذه القصة خيالية، لكن دلالاتها والمعاني التي تحملها حقيقية عن طبيعة ثقافة حقوق الإنسان وكرامته، ودورها في صقل الإنسان وتوجيهه في خدمة الإنسانية أو تدميرها في المجتمع. فثقافتنا بها خلل فكري، فهي تصنع الأشرار والطغاة، فما يحدث لنا طوال التاريخ هو انعكاس لثقافتنا ومفاهيمنا للحياة، ولا علاقة للسلوك الشرير للإنسان بولادته، فكثير من الأشرار هم أبناء شرعيون لأبوين.

والتمييز ضد أي إنسان سواء كان ابناً شرعيّاً أو غير شرعي، هو جريمة تجاه الإنسانية، يجب أن يحاسب من قام بهذا التمييز، فالابن غير الشرعي ليس له ذنب، الذنب هو ذنب الأب والأم اللذين خالفا أحكام المجتمع وبالتالي فهما المعنيان بالعقاب، وليس الرضيع، حتى يلقى في قارعة الطريق ليكون لقمة إلى الكلاب الضالة، وهذا الفعل يجسد قمة الوحشية التي يتجلى فيها الشر، فكيف تقتل رضيعاً؟ وكيف تهينه إذا كتبت له الحياة وتمارس ضده التمييز؟

بيولوجيّاً، لا يوجد فرق بين إنسان ولد في إطار الزوجية، وإنسان ولد خارج إطار الزوجية، فكلاهما ولد من الاتصال بين ذكر وأنثى، والعملية نفسها، نطفة تلقح بويضة، ثم حمل وولادة. فهل شهادة العقد (ورقة) تجعل هذا الإنسان له حقوق، وإنسان ليس له هذه الورقة يكون بلا حقوق وبالتالي تحدد مصيرك كإنسان؟.

مشكلة كثير من المجتمعات أنها تسقط ما يقترفه الرجل والمرأة عندما يقيمان علاقة خلاف أحكام المجتمع، على الجنين الذي ليس له ذنب. على هذا الجنين أن يرفع رأسه ويفتخر ويشكر الله الذي منحه تجربة الحياة الإنسانية، وأن يؤمن أنه لا يوجد فرق بينه وبين إنسان آخر، ومادام الله قد وهبه الحياة؛ فإنه له الكرامة الإنسانية كاملة.

مجتمعاتنا بحاجة إلى إعادة النظر في منظومتها الأخلاقية عن حقوق الإنسان وكرامته، فهذه المنظومة هي سبب تخلفنا عن الحضارة الإنسانية والعيش خارج العصر؛ لأنها تنتج التخلف. فالتطور الحضاري الهائل في أميركا والاتحاد الأوروبي واليابان هو نتاج الثقافة والمنظومة الأخلاقية لحقوق الإنسان وكرامته، فمثلاً مؤسس شركة «آبل» ستيف جوبز الذي يُقال إنه ابن غير شرعي، جعل باختراعاته حياة البشرية على وجه الأرض أفضل وأسهل، وتحترمه مئات الملايين من البشر، الذين يفتخرون بمنتجاته التي منها هاتف الآي فون.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3844 - السبت 16 مارس 2013م الموافق 04 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:08 ص

      ابو يوسف

      اهنيك على هذا المقال الرائع و ارجو ان تستمر في طرح هكذا مواضيع

    • زائر 1 | 7:43 ص

      تسلم يدك

      انا متابع لمقالاتك وكلها شيقه ومفيده اتمنى لك المزيد من التقدم.وشكرا لكم

اقرأ ايضاً