العدد 3845 - الأحد 17 مارس 2013م الموافق 05 جمادى الأولى 1434هـ

قانون العمل الجديد أسوأ قانون تشهده البحرين (10)

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) للعام 2012 وقفنا في الحلقات الماضية على بعض نصوصه ورأينا كم هو مصاب بأكثر من داء ومشوب بأكثر من عيب.

وفي هذه الحلقة (العاشرة) سنقف على نصوص أخرى في الجانب المتعلق بالإجازة السنوية لنُظهر من خلالها عيوب هذا القانون تكملةً لما لمسناه في الحلقات السابقة، وذلك فيما يأتي:

أولاً - جاء في المادة رقم (58) من القانون المذكور النص الآتي: «يستحق العامل الذي أمضى في خدمة صاحب العمل مدة سنة على الأقل إجازة سنوية لا تقل عن ثلاثين يوماً مدفوعة الأجر... ولا يجوز للعامل النزول عن حقه فيها، وله أن يتقاضى عنها مقابلاً نقديّاً طبقاً لحكم الفقرة (ب) من المادة (59) من هذا القانون».

هذا النص في مجمله يفتقر إلى طابع الحداثة لقصوره عن بيان عنصر مهم يرتبط بموضوعه، ولما يشوبه من عدم الدقة في التعبير سواء لجهة الكلمة المستعملة أم لجهة مكان الكلمة في النص، مما يولد التباساً في التطبيق أو اختلافاً في الرؤى والتفسير، الأمر الذي يثبت أن المُكلَّف بصياغة النص إما أنه لا يعي البُعد اللغوي والواقعي للقاعدة القانونية، وإما لا يفطن تقنية صياغة النصوص القانونية، وهذا ما سنثبته في المواضع الآتية:

(1) حمل النص مضموناً مفاده «يستحق العامل إجازة سنوية للسنة الواحدة لا تقل عن ثلاثين يوماً»، بيد أنه لم يحدد صفة هذه الأيام؛ هل هي أيام عمل(working days) على نحو ما نصت عليه المادة رقم (184) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، أم هي تقويمية (calendar days) حيث يعتبر ذلك عنصراً مهمّاً كان يستوجب بيانه في النص، وبخلوه سيخلق جدلاً واسعاً حتى وإنْ تصدت محكمة التمييز أو غيرها بوضع مبدأ يُنهي هذا الجدل، إذ يظل النص على رغم ذلك معيباً لقصوره عن البيان والتوضيح.

(2) ورد في النص «يستحق العامل الذي أمضى في خدمة صاحب العمل مدة سنة على الأقل إجازة سنوية لا تقل عن ثلاثين يوماً»، فعبارة «مدة سنة على الأقل» الواردة في النص جاءت في غير محلها، إذ إنه من حيث المبدأ أن مُدد خدمة العامل التي على أساسها تُحسب حقوقه العمالية لا تُقدر على وجه التقريب، كأن تكون «مدة سنة تقريباً» أو «مدة سنة على الأكثر»، أو «مدة سنة على الأقل»، كما ورد في النص، إنما يجب تحديدها تحديداً حسابيّاً دقيقاً وثابتاً بالمقدار، فيفترض أن تُكتب «سنة كاملة».

وعليه كان يلزم أن يُصاغ النص على النحو الآتي: «يستحق العامل الذي أمضى في خدمة صاحب العمل مدة سنة كاملة ومتصلة إجازة سنوية لا تقل عن ثلاثين يوماً». وهذا ما قد سار عليه قانون العمل القديم والقوانين المقارنة.

(3) ورد في النص حكمٌ يقضي «باستحقاق العامل لإجازة سنوية مدفوعة الأجر»، ثم تكرر الحكم ذاته في النص بأن «يتقاضى عنها العامل مقابلاً نقديّاً طبقاً لحكم الفقرة (ب) من المادة (59) من هذا القانون. وهذا التكرار بطبيعته يسيء إلى النص، إذ من المقرر أن تكرار الحكم في نصٍّ قانوني واحد من دون مسوِّغ يُعد عيباً تقنيّاً يلحق بالنص.

وليت هذا العيب قد انتهى إلى هذا الحد، إنما المعيب أكثر هو أن يشير النص إلى أن «استحقاق العامل للمقابل النقدي عن الإجازة المقررة يأتي طبقاً لنص الفقرة (ب) من المادة (59) من هذا القانون». وعندما نعود إلى نص هذه الفقرة (المُحال إليه) نراه ينص على أن «للعامل أن ينقطع عن العمل بسبب عارض لمدة لا تتجاوز ستة أيام خلال السنة وبحد أقصى يومين في المرة الواحدة...».

وبمقارنة النصين نجد أن النص المُحال (أي الحكم الوارد في نص المادة رقم (58) بشأن استحقاق المقابل النقدي للإجازة السنوية) لا يرتبط بالحكم الوارد في نص الفقرة (ب) من المادة (59) سابق الذكر المُحال إليه ولا يتصل به موضوعاً على الإطلاق، إنما هما حكمان مستقلان لموضوعين مختلفين، فلا ندري لمَ قرر المُشرِّع ربطهما وأحال الأول إلى الآخر، هل هو بسبب خطأ طباعي، أم لسهو، أم لعتهٍ أصاب واضع النص لا سمح الله.

ثانياً - جاء في الفقرة (أ) من المادة رقم (59) من قانون العمل الجديد النص الآتي: «يحدد صاحب العمل مواعيد الإجازة السنوية بحسب مقتضيات العمل وظروفه، ويلتزم العامل بالقيام بالإجازة في التاريخ وللمدة التي حددها صاحب العمل. وفي جميع الأحوال يجب أن يحصل العامل على إجازة سنوية مدتها خمسة عشر يوماً منها ستة أيام متصلة على الأقل».

وجاء في الفقرة (ج) من المادة ذاتها النص الآتي «يلتزم صاحب العمل بتسوية رصيد الإجازات والأجر المقابل له كل سنتين على الأكثر».

فإذا كنا في الحلقة السابقة قد وصفنا بعض نصوص قانون العمل الجديد بأنها «هَرْط في الكلام»؛ لأنها لا تتفق مع الواقع ولا مع لغة القانون، فإن النصين السابقين بمجملهما فاقا «الهرط»، إنما هما بمثابة «هريج»، أي قول غير مُحكَم. وسنثبت ذلك فيما يأتي:

فمن المقرر أن استحقاق العامل للإجازة السنوية والبدل النقدي المقابل لها لا يكون إلاّ بعد أن ينهي العامل سنة واحدة كاملة، بمعنى أن موعد استحقاق إجازة السنة الأولى مثلاً لن يكون إلاّ في بداية السنة الثانية من خدمة العامل على الأقل وليس قبل انقضاء هذه السنة، وهكذا أيضاً بالنسبة إلى السنة الثانية والثالثة وما فوق.

وأنه بموجب الفقرة (أ) من المادة رقم (59) سابقة الذكر لصاحب العمل وحده سلطة تحديد موعد الإجازة السنوية، فله بمقتضى ذلك أن يحدد لأي عامل من عماله تاريخ استعمالها (أي استعمال إجازته عن السنة الأولى مثلاً) في بداية السنة الثانية أو خلال هذه السنة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإجازة المستحقة عن السنة الثانية يكون لصاحب العمل بمقتضى سلطته أن يحدد موعد استحقاقها في بداية السنة الثالثة أو خلال هذه السنة، وهكذا دواليك.

فإذا كان الأمر ذلك؛ فلمَ إذن يأتي المشرع ليلزم صاحب العمل بمقتضى نص الفقرة (ج) من المادة (59) بتسوية رصيد إجازات عماله كل سنتين على الأكثر. بمعنى إلزام صاحب العمل أن «يُصفِّر» إجازات جميع عماله (أي يجعلها صفراً) عند نهاية كل سنتين من خدمتهم طبقاً لظاهر النص. وهو حكم يتعارض مع حكم الفقرة (أ) من المادة ذاتها حيث أعطاه بموجبه سلطة تحديد الإجازة.

ثم إن هذا الحكم من الناحية العملية غير معقول وغير قابل للتطبيق على الإطلاق. فلو افترضنا أن صاحب عمل افتتح مشروعاً له في بداية شهر أبريل/ نيسان 2011 مثلاً، وبدأ جميع عماله العمل عند بداية افتتاح المشروع، فإن إجازاتهم السنوية بالطبع ستكون مستحقة في وقت واحد سواء عن السنة الأولى أو عن السنة الثانية.

فإن طبق صاحب العمل حكم الفقرة (ج) سابقة الذكر، بأن يقوم بتسوية رصيد إجازات عماله (أي «تصفيرها») بعد سنتين من خدمتهم (أي في نهاية شهر مارس/آذار 2013) فإنه سيكون بالتالي ملزماً بغلق مشروعه حينذاك طالما أصبح جميع عماله في إجازة سنوية بقوة القانون. وهو أمر لا يقبله العقل الحكيم ولا المنطق السليم.

وبناء عليه... حق علينا أن ننعى هذا القانون بعد أن كنا ننعى العمال وحدهم لما أصابهم من حيف، وندعو الله سبحانه أن يلهم الجميع الصبر والسلوان.

ولنا لقاءات أخرى في الحلقات المقبلة لنكتشف المزيد من الاعوجاج في التنظيم والصياغة والتعبير الظاهر في متن قانون العمل الجديد، ومن المزيد من الإجحاف الذي وقع على العمال من خلال نصوصه. ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهده مملكة البحرين.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3845 - الأحد 17 مارس 2013م الموافق 05 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:50 ص

      الاحكام الانتقالية

      يشكر الكاتب الفاضل على هذا المجهود ونتمنى أن يتطرق لمشكلة عدم النص في القانون الجديد على الاحكام الانتقالية وما خلفه من مشاكل بالنسبة للاختصاص بنظر الدعوى العمالية والطعن في الاحكام، وشكرا.

    • زائر 3 | 6:47 ص

      أستاذي العزيز (اتمنى ان يصل لصاحب المقال)

      " بأن يقوم بتسوية رصيد إجازات عماله (أي «تصفيرها») بعد سنتين من خدمتهم (أي في نهاية شهر مارس/آذار 2013) فإنه سيكون بالتالي ملزماً بغلق مشروعه حينذاك طالما أصبح جميع عماله في إجازة سنوية بقوة القانون." أستاذي العزيز نحن في شركتنا سنوياً تصفر أجازات جميع العمال بمعنى انه يدفع مستحقات الأجازة كاملة للجميع وليس بضرورة الخروج في أجازة وأنما حسب رغبة كل موظف متى يريد الخروج في الأجازة وحسب وقت طلبك للأجازة اذا كان ممكن.

    • زائر 1 | 10:47 م

      مع كل التقدير

      يقدر الكاتب على جهده. لكن دون فائدة. أية مناقشة أو إقتراح لا ينفع و ليس هناك من يستمع اليه. حتى تقع الكارثة. ماذا تبع و نتج عن حريق مسكن العمال فى المخارقة؟ كالعادة صراخ و عويل .....و ثم النسيان. عادى !!!!

اقرأ ايضاً