العدد 2486 - السبت 27 يونيو 2009م الموافق 04 رجب 1430هـ

الفلكلور الموسيقي العربي... إبداع يمتد لآلاف السنين

حاضرٌ يُخشى عليه من التشويه

كلمات وألحان بسيطة قديمة قدم وجود حضاراتنا، تناقلنها جيلا عقب جيل... عبر أغاني أمهاتنا قبل النوم، ببكاء العشاق المفارقين، وبأهازيج الأعراس وأغاني الحصاد وجني خيرات الأرض، بكلمات أغاني الصيادين في عرض البحر، وبأصوات الناس مجتمعين حول حلقة نار صغيرة في آخر الليل في ساحة قرية أو على طرف بستان، يسلون سهراتهم بأصوات تتغنى بأحداث وقضايا حياتهم.

تلك هي خزينة تاريخ منطقتنا العربية من فنون موسيقية، مخزون تراكم عبر آلاف السنين، بعضه وصل إلينا، وكثيرٌ منه ضاع، ومنه ما عرفناه وقد أدخل عليه من التغيرات ما أدخل.

إلا أن أصالة فلكلور الموسيقى عند هذا الشعوب لا يمكن نفيها في يوم من الأيام، أصالة تمتد إلى ما يزيد على 3500 سنة، مع تاريخ «نوتات» مقطوعات «نينوى» من العهد الآشوريين، كما يقول العلماء، التي أبهرت النقاد والموسيقيين وذواقة الفن العريق، بجودتها ومثاليتها، بعد أن أعيد عزفها من جديد قبل سنوات. وتعتبر هذه المقطوعة ثاني أقدم رقيم موسيقي معروف بعد موسيقى «رأس شمرا» كما يقول الباحثون والمؤرخون.

وإن كانت «نينوى» هي أقدم لحن معروف لدينا ينتمي إلى هذه المنطقة، فما بين تاريخ تأليفها ويومنا الحاضر تراث زاخر بمختلف أشكال وأنماط الموسيقى والفنون الغنائية، أرشيف جعلنا من أكثر الحضارات غزارة في أرشيف فلكلورها الموسيقي على مختلف أشكاله.

وعلى رغم تطور مجتمعاتنا وتقدمها، فإن جزءا كبيرا من ذاكرتها الموسيقية القديمة جدا مازال عالقا في أذهانها، بل إن الكثير من الأعمال مازالت حية ومتداولة بشكل كبير بين مختلف الفئات العمرية وبمختلف الوسائل. فالكثير من أغاني الفلكلور العراقية القديمة المعروفة الآن، تنتمي إلى ما يسبق القرن الماضي وبعضه إلى فترة زمنية تسبق ذلك. وعلى رغم قدم عمر هذه الأغاني والأناشيد، فإن توافر مجموعة من الظروف، لعل من أبرزها تفرد وتميز كلماتها وتعابيرها، بالإضافة إلى استمرار حضورها بقوه في ثقافة المجتمع الذي نشأت فيه، وأخيرا توافر مجموعة من الأصوات القوية والمميزة والشابة، التي أعادت إحياءها وقامت بتأديتها بإحساس عال وبكلماتها وإيقاعاتها الأصلية... جعلها مقربة ومعروفة ومحببة لمختلف أشكال الثقافات في الوطن العربي، من الخليج إلى المحيط.

ولا يقتصر الأمر عند الحديث عن الفلكلور الشعبي القديم الحاضر ليومنا هذا على الغناء العراقي، أو غناء منطقة الفرات شرقي سورية، التي يتشابه نمطها مع بعض أنماط الغناء العراقي، فما يسمى بالأغنية «الجبلية» في سورية ولبنان، مازالت تحقق حضورا قويا على الشاشات الغنائية وفي الإذاعات، تستقطب حفلاتها آلاف المعجبين بها، وباتت «الدبكة» والرقصات التي تصاحبها، التي قد تختلف بعض تفاصيل حركاتها من مكان إلى آخر، مشهدا مألوفا للمشاهد العربي أينما كان في الوطن العربي، من دون أن نغفل هنا أن هذه الرقصات، أو ما يعرف بـ «الدبكة» تحديدا، يؤدى مع نماذج من الغناء العراقي أيضا.

غير أن تزاحم الفضائيات الباحثة عن الغناء التجاري السطحي، لم يترك هذا الإرث الراقي الجميل من دون عبث ومحاولات لتطويعه، وخصوصا أن له شعبية معينة يمكن أن تعود على المنتجين بعوائد مالية. فتحت شعار «محاولات إحياء التراث وبعثه من جديد ما بين أوساط الفئات الشابة التي باتت تعيش درجة كبيرة من الانقطاع عن إرثها الحضاري»، أعيد تشكل الكثير من هذه الأغاني بقوالب تسمى «أكثر شبابية» ومواكبة للعصر، فدمجت أغان قديمة عبرت سنين وسنين من دون أن تمس بسوء أو يدخل فيها ما ليس منها، بألحان غربية وإيقاعات صاخبة، تتناقض ومضمونها الأصلي جملة وتفصيلا، مما شوه غالبيتها وحولها إلى أعمال مبتذلة بلا هوية. وبالإضافة إلى مسألة استثمارها من قبل المنتجين، فإن بعض الأصوات ضعيفة الإمكانات والدخيلة على عالم الغناء، حاولت أن تروج لنفسها من خلال تقديم ما هو قديم وقيم لدى المستمعين، فما كان منها إلا أن أساءت إلى هذه الأعمال من دون أن تحصل على ما قد يجعلها نجوما مميزة أصيلية.

العدد 2486 - السبت 27 يونيو 2009م الموافق 04 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً