العدد 1535 - السبت 18 نوفمبر 2006م الموافق 26 شوال 1427هـ

في استقبال أمير الكويت وأبناء الشهداء في مطار بكين

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في نيويورك، أصدر السيناتور الأميركي الذائع الصيت فندلي كتابه القيم «من يجرؤ على الكلام»، وتوجه المندوبون الدائمون للدول العربية والمعتمدون لدى الأمم المتحدة، توجهنا جميعاً إلى مدينة بروكلين التي تسكنها طبقة غنية واسعة الثراء من اليهود. زرنا دار النشر التي طبعت الكتاب وقامت بتوزيعه ونشره. كانت مظاهرة من المساندة والدعم المالي والمعنوي لهذا الأميركي الشجاع الذي نذر نفسه للدفاع عن القضية الفلسطينية، متحدياً بطش اللوبي الصهيوني النشط في أميركا ونيويورك على وجه التحديد، إذ تعيش غالبية من اليهود من سكانها البالغ 12 مليون نسمة. أذكر أن كل بعثة دبلوماسية عربية في نيويورك ابتاعت ما استطاعت من نسخ من هذا الكتاب، ومن ثمة إهداءه إلى المؤسسات الصحافية والثقافية والإعلامية الأميركية، وكذلك مؤسسات الدراسات والأبحاث والجامعات والمعاهد المختلفة في كثير من الولايات الأميركية المهمة. وأذكر هنا بالخير والتقدير ما قام به مندوب الجامعة العربية للأمم المتحدة في نيويورك كلوفيس مقصود، فهو كفاءة لا يشق له غبار في الميادين السياسية والإعلامية والثقافية، وانعكست كل هذه الأشياء على نشاطه في مجموعتنا العربية، وكان الرجل يحاول رأب الصدر وتضييق الخلافات والمشاحنات في اجتماعات مجلس السفراء العرب لدى الأمم المتحدة، وسادته في أحيان كثيرة خلافات حادة نتيجة لما بين الدول العربية وأنظمتها من خلافات. وبطبيعة الحال انعكس كل ذلك على عملنا في الأمم المتحدة لأننا نمثل دولنا ونتقيد بسياستها ومواقفها تجاه كل ما يجري من أحداث على الساحة العربية والإقليمية والدولية. ومن الشخصيات المهمة التي لعبت دوراً سياسياً وإعلامياً في الأمم المتحدة الصديق محمد أبوالحسن مندوب الكويت الدائم وسفيرها لدى الأمم المتحدة. وهو ينتسب للعائلة التجارية المعروفة في الكويت عائلة بهبهاني، إلاّ أنه شق طريقه بعيداً عن المال والإقتصاد، ليحقّق في المجال السياسي ما لم يحققه في ساحة الاقتصاد والمال. إنها وظيفة الميري كما يقول أهل مصر، إذ يتمرغون في ترابه ولا يتركونه إلاّ مرغمين بعد الإحالة إلى المعاش. لقد التحق أبوالحسن بالخارجية الكويتية منذ تخرجه في الستينات، وتعرفت عليه في العام 1982 عند التحاقي بعملي الدبلوماسي في أغسطس/ آب آنذاك، وكان قد سبقني بعام واحد. ولبث في منصبه المهم هذا قرابة الـ 20 عاماً حتى تحرير الكويت في فبراير/ تشرين الثاني 1991. ولبثت أنا سنوات خمس فقط على رغم هذه الوظيفة المرموقة وما تحيط بها من أضواء وضجيج وضوضاء، إلا أنني آثرت السلامة، ولا أقول الانكفاء حيث نقلت إلى عمل آخر كأول سفير للبحرين في الصين، ومن الصعب أن أنسى السنوات الـ 5 للأمم المتحدة، فهي محفورة في الذاكرة ومتوغلة في جوانب النفس.

التقيت السفير محمد أبوالحسن ثانية في جزيرة بالي بأندونيسيا العام 1992، إذ مثلت البحرين في مؤتمر وزراء عدم الانحياز، كما التقيت بوزير خارجية مصر عمرو موسى. ومن الصعب أن ينسى هذا الإنسان نظراً لدماثة خلقه ودبلوماسيته الرفيعة وروحه المرحة والفكهة الساخرة من الحياة والإحياء، ولا يغرنك ما تبدو على شخصيته من إمارات الجد ومظاهر النفوذ، فهو شخصية حانية وبسيطة.

ومن الشخصيات المهمة الذين التقيتهم في هذا المؤتمر علي العطاس، وهو من أصول يمنية، إنه وزير خارجية اندونيسيا آنذاك، وكان مندوب بلاده الدائم لدى الأمم المتحدة خلال عملي هناك. والتقيت أيضاً وزير خارجية إيران علي أكبر ولايتي، وهو من خيرة وزراء إيران وأكثرهم كفاءة ودبلوماسية وقربا للنفس.

والتقيت مرة أخرى سفير الكويت محمد أبو الحسن في بكين العام 1995 خلال الزيارة الرسمية لولي عهد الكويت سمو الشيخ سعد العبدالله، وكان الملف الكويتي العراقي هو أهم موضوع على ساحة المباحثات بين الجانبين، وقد عايشه أبو الحسن وخبره عن قرب لعقدين من الزمان، ويعتبر حجة فيه. وكان مجلس الأمن في الأول من مارس 1991 قد أصدر القرار رقم 686 وطلب من العراق تنفيذ جميع قرارات المجلس الاثنتي عشرة الخاصة بحرب الخليج الثانية، ووضع حداً نهائياً لعمليات القتال، وبعدها أبلغ العراق مجلس الأمن موافقته على القرار، وتنفيذ ما عليه من التزامات دولية. وفي إطار الاحتلال العراقي للكويت كانت الحوادث تتسابق بصورة سريعة، وكنت أتابعها من مقر عملي ببكين.

في الحادي والعشرين من أغسطس 1990 استقبل سفراء مجلس التعاون وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الأحمد في مطار بكين، وكان يرتدي الملابس العربية، بينما كان مرافقوه يرتدون الملابس الإفرنجية، وقد هبت رياح عاصفة هوجاء كادت أن تطير بعقاله وكوفيته، وأعقب هذه العاصفة نزول أمطار غزيرة لمدة ساعة. وفي السادس والعشرين من ديسمبر 1990 وصل سمو أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى مطار بكين، وكان في استقباله عند نزوله من الطائرة السفراء العرب باستثناء سفير العراق، وكان يغطي عينيه بنظارة سوداء، وبدت عليه مسحة من الحزن والأسى والهم المقيم. إنها مرحلة صعبة في حياته وحياة الكويت. وأقام له وزير خارجية الصين تشن تشي تشن عشاء كريماً، وخلال لقاء سمو الأمير للسفراء العرب في مقر إقامته كان قليل الكلام، وكل ما قاله: «أسأل الله أن يعيننا على هذا المصاب».

بعد تحرير الكويت، حل الأمير في الخامس عشر من نوفمبر 1991، ضيفاً كريماً على الصين، ونزل من الطائرة كأنه صقر متوثب، وبعد نزوله من الطائرة نزل وفد أطفال الكويت وهو أبناء الشهداء والأسرى والمفقودين، وقد كتب على قمصانهم «لا تنسوا أسرانا»، واستقبله الرئيس الصيني يانغ شان كون، وأقيمت له مراسم استقبال رسمية ومأدبة عشاء كريمة بقاعة الشعب

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1535 - السبت 18 نوفمبر 2006م الموافق 26 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً