العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ

الخيمة... من مأوى للبدو الرحّل إلى مقر انتخابي في 2006

على رغم تفجر الثورة المعلوماتية والتكنولوجية في مختلف نواحي الحياة، وتطور العمران بدءا من الكهوف كمأوى بدائي، انتهاء بالبيوت والفلل، فإن البعض مازال يتمسك بموروثات الماضي ويحّن إلى القديم فيترجم حنينه وشوقه إلى الماضي بالافتراش على بقايا وآثار البدو الرحّل الذين وجدوا من الخيمة المأوى الذي يحتمون تحت ظلاله من حرارة الشمس في ذروة الصيف، أو من صقعات المطر في برودة الشتاء، فتجد تلك الخيمة ذات الشكل الهندسي ثلاثي الأضلاع (المثلث) أصبحت الموروث القابل للتجدد مع بداية كل موسم انتخابي يتجدد كل أربع سنوات في تلك المنطقة الواقعة شرق الجزيرة العربية تحدّها السعودية غربا وقطر جنوبا (البحرين)، فالتصقت كلمة الخيمة مرادفة لمفهوم مقر انتخابي لكل مترشح عقد العزم على خوض معركة الانتخابات.

بطاقة دعوة عامة لجميع الناخبين

يا ترى ما الذي يستقرؤه علماء الاجتماع عن ارتباط وعلاقة الخيمة - مأوى البدو - بمفهوم المقر الانتخابي لأي مترشح يعيش في منطقة شبه الجزيرة العربية؟ احد المطلعين على الدراسات الاجتماعية ارجع الهدف من لجوء بعض المترشحين إلى تدشين وتنصيب الخيم دون غيرها من حلقات المجالسة، إلى تجميع وتحشيد عدد كبير من أنصار المترشح الذين ينضوون تحت لوائه ورايته، وأضاف الخبير «انه بسبب اعتقاد المترشح بأن الخيمة هي الوسيلة الأنفع والأيسر لاستمالة جمع غفير من المواطنين، من دون الحاجة إلى الإعلان والتشهير بصوت يتعب به حنجرته، ويجهر به أمام السامعين، ليتحدث لهم عن موعده ولقائه المزمع مع أهالي دائرته، بصورة تجنبه وتبعده عن الوقوع في الحرج حينما يحاول كسب هؤلاء الناخبين تحت لواء خيمته، أي أن الخيمة هي بطاقة دعوة عامة لجميع الناخبين».

الألعاب والبوفيهات عناصر إثارة للناخب

وأشار الخبير إلى أن الخيمة أضحت تعكس مفهوم الضيافة، وقال إن المترشح حينما يدشن الخيمة كأنما يقول للناخبين «أهلا وسهلا بكم في كل وقت ونرحب بكم أيها الناخبون» وبالتالي يضمن المترشح أن الناخب وقع في شباكه فيسارع من جهة أخرى- بعدما ضمن دخول الناخب في خيمته - إلى الإسراع في عرض أدوات أخرى أكثر إقناعا بالنسبة للناخبين طالما ان وسيلة الإقناع الأولى جاءت بمفعولها، ومن هنا تبرز أهمية عناصر الإثارة الأخرى التي تستهدف بالدرجة الأولى الناخب الذي دخل في حدود الخيمة بعدما تأكد المترشح أن الخيمة نجحت في جلب نظر ورؤية الناخب نحو خيمته دون غيره، وتبرز أهمية عناصر أكثر تشويقا للناخب من المهم أن يلتفت إليها المترشح ويوليها أهمية سواء حجم الخيمة، إن كانت صغيرة أو كبيرة أو هيئتها، إضافة إلى وسائل الترفيه الأخرى من بوفيهات والعاب جميعها أمور تستحق أهمية توافرها إذا أراد المترشح ضمان حصوله على أعلى الأصوات المرجحة لكفته، فهناك علاقة طردية ما بين تواجدها بسخاء وبين تشجيع وحفز الناخب واستمالته نحو مترشح دون غيره.

موسم يرفع بورصة الخيام في السوق

وبناء عليه تجد الخيم الانتخابية انتشرت بشكل ملفت للأنظار، فاكتسحت ارض القفار، وافترش عليها سجاد ملون يعلوه كم هائل من الكراسي، منظمة ومتسلسلة وفق رمز ورقم معين، ترتب ويجلس فوقها الشخصيات المستضيفة وفق نسق منظم كل بحسب مستواه، فتجد الجاهل والمتعلم على حد سواء داخل خانة التصنيف الفكري في مخاطبتهم وتوجيه الرسالة الفكرية والخطابية لهم بينما ترتيبهم من الأمام إلى الخلف يخضع لعوامل تعرية، من الأمام تجد النخبة، ومن الخلف ترى العامة.

الخيم زيّنت بصور المترشحين الجدد، الذين عقدوا العزم على مواجهة المعركة الشرسة في الانتخابات، وقبلوا بشروطها وتعاليمها الحلوة والمرة في حال الفشل.

ومع بداية كل موسم انتخابي، يتجدد الطلب على استئجار الخيم من أصحاب المؤسسات المعنية بتجهيز الأفراح والمناسبات، فترى كل مرشح بغية اكتساحه لأكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين يعمل بشكل دوؤب يهدف من ورائه الترويج لبرنامجه الانتخابي الذي يسعى من خلاله إيصال رسالة للناخب مفادها توفير حياة سعيدة له، فيروج وينشر وعوداً وردية، سواء كانت وفق ما يتضمنه برنامجه الانتخابي من تحقيق حياة مرفهة و زاهية للمواطن، أو ما يمكن أن تحويه الخيمة من بوفيهات راقية.

الخيمة... انعكاس لأصالة الضيافة العربية

تجد الخيمة هي المقر الانتخابي لأي مترشح والوسيلة السائدة لدى بعض البحرينيين المترشحين أو حتى نظرائهم في منطقة الخليج أو المنطقة العربية عموما، بينما تجد المترشح في العالم الغربي حينما يريد أن يعلن عن برنامجه الانتخابي ويود مخاطبة أنصاره وكتلته الانتخابية فانه يجمعهم داخل مبنى في مؤسسة ما أو على حاملة سفن وطائرات، فقط لأجل تجميع وتحشيد الناخبين.

يعرف عنا كعرب اننا أصحاب ضيافة وكرم، فكان اقتران ظاهرة تنصيب الخيام في الوقت الحاضر والتي هي من طبائع البدو الرحل - الذين يبحثون دوما عن الماء والطعام - مساعي لتجديد ثقافة الأولين والأجداد في مفهوم الضيافة، فقديما ونظرا لبدائية الإمكانات والوسائل لدى الأسلاف، اعتمدوا على الخيمة مأوى يلوذ به أفراد القبيلة الذين يتجمعون داخل حلقة واحدة يتداولون فيها النقاش عما يهم أفراد القبيلة، وما يمكن أن يؤثر عليهم مستقبلا، وابرز حلقات النقاش كانت تدور حول الزواج والمصاهرة والحرب ... الخ.

الطفرة العمرانية والنفطية أوجدت فروقات بين ما كان سائدا في القدم وما هو موجود حاليا أمام أعيننا، فاكتست المباني الصبغة الإسمنتية فعزلت الناس عن بعضهم، وأصبح الجار لا يرى جاره إلا حينما يخرج من إطار الجدار الاسمنتي الذي يحيط بمنزله، فيما كان الجار سابقا، وبسبب انفتاح الواجهة الأمامية من الخيمة وانكشافها على مرأى الناظرين يعرف جاره ويطلع على أحواله في السراء والضراء. ولكن الطفرة العمرانية جعلت الشعوب أكثر انفتاحا عما كان سابقا، وأسهمت في رقي وتحضر أحوالهم، غير أن ما يميزنا كمجتمعات شرقية عن المجتمعات الغربية، أن الشرقيين يؤمنون بالأصالة والماضي ويعيشون على تراث وتاريخ السلف في تكرار وتجديد مفهوم الضيافة في إطار الخيمة، فيما الغربي يخلو من هذه السمة العربية الأصيلة.

الخيمة للمترشح فقط... وللنائب قبة البرلمان

وعلى رغم المراحل التي خضعت لها الخيم بدءا من طور نشوئها وحتى الطفرة العمرانية، فإنها مازالت وسيلة مرغوبة لدى قطاع جماهيري كبير، فتجد مواسم تشييدها مرتبطة مع بداية كل موسم وفصل مناخي، فتعددت أشكال استخدامها فمنها الخيم الرمضانية التي تدشن في شهر رمضان والخيم البرية التي تكثر إبان فصل الشتاء وفي البر، وأخيرا الخيمة الانتخابية - التي هي إطار موضوعنا - والتي تجدها كل أربع سنوات، ومقر انتخابي لمترشح ربما يكون في المستقبل نائبا تحت قبة البرلمان محاطا حينها بجدران وأسوار البرلمان المنعزلة أصلا عن الناس، يخاطب تحت قبة البرلمان وداخل جدران المبنى (البرلمان)، الحكومة فقط بسرية وخصوصية مقارنة بالخيمة التي كانت آنذاك لغة الخطابة السائدة فيها، شاملة وموجهة للناس عموما

العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً