العدد 1542 - السبت 25 نوفمبر 2006م الموافق 04 ذي القعدة 1427هـ

لقاء النائب المليونير والناخب «المديونير»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

كم هو هائل ومبهر ذلك الفارق الشاسع، وتلك الفجوة الفلكية السوداء التي تفصل واقعاً مؤلماً بين نائب مليونير وناخب «مديونير» في الدوائر الانتخابية المتشظية في جسد الوطن الواحد؟! وكم هو مثير للدهشة أن يزداد الفقير فقراً والثري ثراءً في ظل تصور مؤداه الدعوة إلى الحرية والمساواة؟! أرجو ألا يفهم هنا ضرورة أن يكون النائب وليد الطبقة الكادحة أو لابد أن يكون منتمياً ضمن السياق الطبقي ذاته لأبناء دائرته، فالتاريخ الوطني والحاضر يلمح إلى ذكر أعداد غفيرة من الوجهاء المحسنين والتجار والأثرياء الذين مثلوا الشعب البحريني بمختلف فئاته وطبقاته أحسن تمثيل وتبنوا قضاياه ورفعوا مطالبه العادلة، واستحقوا بالتالي شرف أن يحملوا اسم الوطن بمواطنيه، دونما أن يكون ذلك بالضرورة ضمن نطاق العمل البرلماني!

ما نقصده من إشارتنا وتلميحنا أعلاه هو تسليط المزيد من الضوء على ظاهرة الاحتراف في تطبيق فن الوصول والأصول الانتهازية من قبل عدد من المتسلقين والطارئين على العمل السياسي، سواء كانوا يحسبون أنهم ضمن ما يطلق عليهم بالـ «مستقلين» على رغم كون الكثير منهم أقرب إلى المتسلقين أو المستلقين من كونهم «مستقلين»، أم هم مندرجون وتابعون منتمون للأسف إلى جمعيات «إسلام - سياسية»!

هذا الوصول الذي يستهدف تحقيق مصالح فئوية وشخصية من خلال العمل العام، وبالتالي الإثراء على حساب شعب يشكل الفقراء سواده الأعظم وغالبه الأعم، يكون الخذلان والخيبة غير المبالغ فيهما مصير ينتظر غالبية جمهور الناخبين من نواب أصبحوا في ليلة وضحاها وبفضل أصواتهم وتزكياتهم وثقتهم أثرياء بشكل فاحش ومن أصحاب الفلل والعقار المترامي الأطراف في الوقت الذي لا يجد ناخبوهم ما يسد رمقهم ويلم شملهم، ومن هؤلاء النواب النوائب أعضاء ونجوم لامعون في «نوادي الملايين»، لم يكن لهم أن ينالوا عضويتها إلا على حساب الناخبين الذين لم يتغير من وضعهم المعيشي المتردي أي شيء، اللهم إلا بضع «عطايا» و «صدقات انتخابية عاجلة» معززة بـ «أعمال خيرية لا بد منها» أشبه ما تكون بفتات وفضلات وتصدقات، ترمى من قافلة النواب على قطيع من الناخبين المساكين، عسى أن يكفوا عن العواء تضوراً! يأتي ذلك مع الإعلان المباغت عن اكتشاف وجود الفقر والبطالة والدعارة في البحرين مرة واحدة، وبالتزامن مع موسم الانتخابات النيابية بفضل «جهود كريمة» لم يتردد في بذلها بعض «لوردات» البرلمان السابق، فهنيئاً لهم اكتشاف الفقر والبطالة والدعارة والخمر في البحرين!

وحتى لا نشمَّ في مقالنا هذا رائحة الشماتة أو الحسد «واللهم لا شماتة ولا حسد»، فإننا نود أن نتساءل ونعبر عن رغبتنا في أن تزودنا عدد من الجمعيات الإسلام - سياسية التي شاركت بقوائم موحدة في هذه الانتخابات الوطنية فيما يسمى «التحالف» بمشروعات حقيقية متكاملة، وبرامج واقعية لمعالجة قضايا الفقر وسوء توزيع الثروات الوطنية، واستعادة - وربما إنقاذ - ما تبقى من أراضٍ للملكية العامة في المملكة بعيداً عن النهب المنظم فيما يتعدى بعض ما تطاله أذيال البشوت البرلمانية المتضافرة مع أذيال البشوت المتنفذة على سبيل المثال؟! مثل هذا السؤال جدير أن يطرح شعبياً حتى لا يكون النائب نائبة على من انتخبه، كما أنه لابد من أن تكون هنالك إجابة صريحة وواضحة من قبل النائب على سؤالنا وسؤال الناخب بشأن كيفية التعاطي الإيجابي مع هذه الملفات المصيرية الحاسمة وغيرها من ملفات تستوجب وتستحق الفتح والفضح والتطهير لا المساومة والمداهنة والإغلاق لاحقاً إلى أجل غير مسمى، وذلك خضوعاً لتوجيهات فوقية واتصالات عاجلة لا تراعي للوقت والظرف أية حرمة، ليتم تبريرها لاحقاً بالحاجة إلى «التأني» و «التأمل» والاكتفاء بـ «التدرج» الواقعي!

وحتى تتم الإجابة على هذا السؤال فإننا نفترض من صاحب الفضيلة النيابية أو الانتخابية ألا يمطرنا بوابل من المشروعات الخيرية التي قدمها هو شخصياً، وأشرفت عليها صناديق ومؤسسات مطأفنة ومدعومة من أطراف نافذة، فهذه المشروعات والحلول والجهود إن كنا نجلها ونقدرها ونشيد بها لما تحققه من تخفيف لغلواء الشارع الملتهب إلى العزة والكرامة، فإنها عاجزة تماماً عن تحقيق انتزاع للحقوق وشبه إنصاف وعدل ومساواة بشكل منتظم ومتواصل، ولا تحتوي أية إعادة نظر أو مراجعة نقدية حاسمة في مساعٍ وتوجهات وتخلخلات بنيوية كامنة في صلب أنظمة وقبلها عقليات سياسية واقتصادية مهيمنة! للأسف تتحول تلك المشروعات الخيرية وبرامج الإغاثة والمساعدات أثناء المواسم الانتخابية إلى ما يشبه الحلقات المنظمة والمدروسة في مسلسل «إدارة الفقر» بشقيه السياسي والمعيشي، والذي يجيد إخراجه عدد من الصناديق الخيرية وبعض الجمعيات «الإسلام - سياسية»، وذلك بدلاً من مسلسل «معالجة الفقر»!

وليظل المواطن الحائر والمسكين ممن ابتلي بأشكال الفقر وأمراضه كافة محاصراً ومقيداً تحت سلطة المصلحة السياسية الأيديولوجية وربما الفئوية في جانب آخر لهذه الجمعية، لا يمكن له أن يخفف من عذاباته اليومية المعاشة بـ «خيشة عيش» و «دبة زيت» و «شريط كاسيت يتضمن توسلات بارعة إلى ولاة الأمر للتخفيف من فقر المواطنين»، إلا من خلال الخضوع لشروط اللعبة القاسية، والمساومة على صوته الانتخابي، وعرضه السياسي التمثيلي، وربما كرامته الوطنية مع رؤوس ومرشحي تلك الجمعيات المدعومة جهوياً ووجاهياً، تارة باسم وبرسم الطائفة، وتارة أخرى باسم الفئوية والاثنية، وفي جميع «التارات» باسم العصبية الانتهازية! هل سيتحرر المواطن المسكين والناخب «المديونير» من أن يكون ضحية للمرة الأخرى في مسلسل «إدارة الفقر السياسي والمعيشي» الذي تمارسه بعض الجمعيات والصناديق الخيرية المسيسة لصالح الجمعيات «الإسلام - سياسية» وغيرها من جمعيات سياسية، أم سيظل أسيراً لنطاقاته الضوئية وحلقاته المتلاحقة، التي لا يبدو أنها على وشك الانتهاء؟! لقد أدت مسلسلات «إدارة الفقر السياسي والمعيشي» للأسف إلى ما أسميه «ترييع البرلمان» على غرار ظاهرة «الدولة الريعية» الشائعة في المنطقة، ليصبح حال المواطن في كليهما متلقياً للهبات والمساعدات والصدقات والمكرمات في مناسبة وأخرى، سواء كان ذلك من الأطراف العليا ومعهم «اللورد» أو صاحب الفضيلة الانتخابية النائب، الذي لابد أن يلمع وجهه، ويصقل سيرته البرلمانية بتلك التضحيات والتصدقات المادية على أبناء دائرته، فيقضي على شيء من لومهم وعتابهم وتذمرهم، بدلاً من أن يخضع لمحاسبتهم عما حقق من برنامجه الانتخابي بوعوده الفارغة، وما أنجز من تشريعات، وما أدى من واجبات محددة سلفاً في الأطر الدستورية لعمله البرلماني! نعم، في كل الحالات محكوماً أم «حاكماً» و «منتخباً» و «مشرعاً»، لم يكن المواطن شريكاً ذا حق مصون يكفل له حصة عادلة في الثروة والأراضي الوطنية، ولم يكن رقيباً عتيداً على أداء ممثليه الذين يفترض أن يكونوا رقباء ومحاسبين للحكومة، وإنما ظل متسولاً الإحسان إليه من الأعلى لا من الأسفل، طالما ظل الأعلى متنفذاً، وهذا المتنفذ إما أن يكون مسئولاً مهيباً أو نائباً مليونيراً! وحين الحديث عن اللقاء الحميم بين «اللورد» الإقطاعي والفلاحين الكادحين، أو النائب المليونير وناخبه «المديونير»، لابد من تناول موضوع أزمة القيم والأخلاقيات المجتمعية لدينا، والتي لم تتعرَ من أرديتها العربية والإسلامية، وإنما ارتدَت عن إنسانيتها، أو بالأحرى ارتدت الرداءة الواقعية سياسياً ومعيشياً! ولموضوع إدارة الأخلاق والقيم حديث آخر، إن شاء الله

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1542 - السبت 25 نوفمبر 2006م الموافق 04 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً