العدد 3875 - الثلثاء 16 أبريل 2013م الموافق 05 جمادى الآخرة 1434هـ

الثورات العربية... تفجير من الداخل

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

السوريون وحدهم من ضحّى من أجل ثورتهم كما لم يفعل شعب آخر. هذه الثورة دخلت عامها الثالث وليست هناك رؤية واضحة على قرب أو بعد انتهائها.

السوريون وحدهم من خسر عشرات الآلاف من أبنائهم وبناتهم وآبائهم وأمهاتهم وأزواجهم. والسوريون وحدهم من خرج منهم بضعة ملايين مشرّدين في أقصى الأرض وفي أدناها، وكثير منهم يعيشون في ضنك من العيش تعجز عن وصفه الألسنة والأقلام. والسوريون وحدهم من قصفوا مراراً بالأسلحة المحرّمة دولياً فضلاً عن الأسلحة الأخرى براً وجواً وبصورة بشعة لم تكن تفرق بين رجل وامرأة أو كبير وصغير. السوريون وحدهم من قصفت مخابزهم بالطائرات فاختلطت دماؤهم بأرغفة العيش التي اصطفوا طوابير من أجل الحصول على بعضها لسد جوع أطفالهم.

كثيرة هي معاناة هذا الشعب الأصيل، ولكنه صابر وجاهد من أجل تحقيق آماله في الحرية وليكون قادراً على تحقيق مصيره بنفسه، لكنه ومع كل ما فعل لم يتركه الآخرون ليكمل مشواره بنفسه حتى بعد أن تخلى عنه الغالبية العظمى منهم!

دول كثيرة تدخلت من أجل فرض رؤيتها على مستقبل هذا الشعب، أغرته مرة وهدّدته أخرى لكنه لم يستجب، فقرّرت توجيه ضربة قاصمة له ومن داخله! ومعروف أن مثل هذا النوع من الضربات هو الأسوأ والأسرع فتكاً!

وتحركت القاعدة بتوجيه من البعض فأعلن البغدادي من العراق والذي يصف نفسه بأمير دولة العراق الإسلامية أن جبهة النصر هي فرع عن تنظيمه، وأنه الممول لها، وأن الاسم الجديد لدولته سيكون «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، كما دعا إلى رفض الديمقراطية لأنها ليست من الإسلام، أي أنه أراد أن يفرض دولته بالقوة وليس بالانتخابات المحرمة!

تصرف جبهة النصرة لم يكن موفقاً، فمبايعتهم للظواهري في هذا الوقت أعطى قوة كبيرة لمجرم سورية بشار وزمرته، والقول أن أميركا كانت قد صنفت هذه الجبهة على لائحتها للإرهاب قبل هذا التوقيت وبالتالي فإن إعلانهم لن يغيّر شيئاً في المعادلة ليس صحيحاً. فتصنيف الآخرين شيء وتصنيف الجبهة لنفسها شي مختلف! والأدهى أن هذه الجبهة -وقد قدمت الكثير لسورية- تناست أنها لا تملك الحق في فرض صيغة معينة على السوريين في طريقة حكم بلادهم، فهم الأولى بذلك منها ومن سواها!

أدرك أن تردد الغرب والأميركان في مساعدة ثوار سورية لا مبرر له من الناحية الأخلاقية، كما أدرك أن إعلان جبهة النصرة ليس هو سبب حصار الثوار ومنع الأسلحة النوعية عنهم، إذ أن هناك أسباباً أخرى لها علاقة بالكيان الصهيوني وبمستقبل سورية خصوصاً بالمنهج الفكري لمن سيحكمها وطريقة تعامل هؤلاء مستقبلاً مع الصهاينة. إلا أن إعلان جبهة النصرة مبايعتها للظواهري كان سيئاً بكل المقاييس وربّما كان الأداة التي أراد أعداء ثورة سورية استخدامها لتفجير الثورة بأيدي أبنائها وإحداث قلاقل وحروب بين الثوار ومن ثم إبراز تيار آخر يتم إعداده حالياً ليكون البديل للثوار الحقيقيين، وبهذا تتحقق مصالح أعداء الثورة السورية وربما أعداء كل الثورات العربية.

السوريون وحدهم من يقرّر مستقبل بلادهم وليس الذين قدموا من الخارج لمساعدتهم وإن كانوا يستحقون الشكر على كلّ ما قدموه. وفي هذا السياق فإن ما يجري في مصر قريب الصلة بما يجري في سورية وإن كان بصورةٍ مغايرةٍ في الظاهر! نجحت ثورة مصر ولم يكن في الإمكان إيقافها في البداية، فكان لابد أن يتدخل البعض لإجهاضها وتحويل مسارها إلى الوجهة التي تتماشى مع أهدافه، ومن أبرزها عدم الإساءة للصهاينة، بالإضافة إلى الهدف المشترك لبعض الدول وهو إثبات فشل كل الثورات العربية كي لا تصل إلى كراسيهم المهتزة أصلاًً.

تحركت الفلول بالدعم المادي الهائل الذي يصلهم، كما تحرك إعلامهم بشراسة، وبدأ انقلاب الثوار بعضهم على بعض، ولما لم تنجح هذه الخطوة بشكل كامل أرادوا أن يضربوا الإسلاميين ببعضهم البعض ليضعفوهم جميعاً، لكي ينتصر تيارهم، فكانت قصة إيران واختراق الشيعة لمصر، وكأن مصر ستصبح لقمةً سائغةً للإيرانيين يشيّعونها كما يشتهون! ومع أن قضية التشيع قضية دينية إلا أن أكثر من نفخ فيها هم الليبراليون والعلمانيون، وقد أدى ذلك إلى اقتناع بعض السلفيين بتلك الخطورة المزعومة فتحرّكوا ضد أي تقارب مع إيران، وبهذا التحرك حقّق أعداء الثورة واحدةً من أهدافهم المهمة، وهو تفجير الثورة بأيدي أبنائها ليستولوا عليها لاحقاً.

المتربصون بالثورة السورية والمصرية كثيرون، وما لم يدرك الثوار خطورة الانقسام والتمزق فإن كل تضحياتهم ستعود وبالاً عليهم، ومن تأمل ابتسامة حسني مبارك وترحيبه بمؤيديه يدرك أنه بات أكثر قناعةً بأن الزمن يسير لصالحه، فهل يدرك الآخرون ما أدركه المخلوع؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3875 - الثلثاء 16 أبريل 2013م الموافق 05 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:00 ص

      آه سوريا

      ما يجري في سوريا هو مزيج من الظلم والانتقام والتطرف والطائفية من قبل اهل سوريا حكاما ومحكومين, ولا نتأسف كثيراً الا على هؤلاء الأطفال والنساء اللاتي أصبحن عرضة لكل أنواع المآسي. ولا يمكننا لوم الدول التي تتدخل فالكل يبحث عن مصلحته وسط فوضى صنعها الظلم وفجرها القهر وغذاها غير أهلها, لكي تأكل أهلها.

    • زائر 5 | 5:19 ص

      مقال غريب وبعيد عن الواقع في التحليل والمضمون

      شعب سوريا عظيم للتصدي لمن يمول العصابات الغير حرة بالبترودولار. المجرم هو من يساند الخونة وعملاء إسرائيل. المجرم هو من نسى أن سوريا هي الدولة الوحيدة الممانعة ضد إسرائيل. المجرم هو من نسى فلسطين في كل محنها تلبية لمطالب اسياده. المجرم هو من تناسى أن لشعبه حقوقا وتزعم بما يتعرض له الشعب السوري المجرم هو من لجأ إلى اغتصاب السوريات في مخيمات اللاجئين وزواج المسيار منهم ومن ثم طلاقهم. التفجير من الداخل سيحصل لكل من ساند هؤلاء الزعران.

    • زائر 3 | 3:21 ص

      عندما يغلب الهوى العقل تقتل الدنيا الإنسان.......

      اطمئن يا كاتبنا المخضرم ،،، فقريبا جدا ستتحقق أمنيك المغلوب على أمرها ،، وستجتاح قوى الناتو العبرية والغربية والعربية ربوع سوريا ، لتنزل عليهم صاعقة من السماء فتردي منهم مئة ألف تكون رحمة للمؤمنين ونقمة على الظالمين ،،، نسأل الله تعالى أن لا نكون مع الظالمين

    • زائر 6 زائر 3 | 5:21 ص

      كيف يكون كاتب

      موضوعه يفتقر الي مصادر كي يدعم بها الموضوع؟

اقرأ ايضاً