العدد 3879 - السبت 20 أبريل 2013م الموافق 09 جمادى الآخرة 1434هـ

قانون العمل الجديد... أسوأ قانون تشهده البحرين (13)

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012، وقفنا في الحلقات الماضية على بعض نصوصه ورأينا من خلالها جملة من العيوب المختلفة التي ابتلي بها هذا القانون.

وفي هذه الحلقة سنقف على نصوص أخرى متعلقة بالوجه الثاني من الجزاءات التأديبية لنُظهر من خلالها عيوب هذا القانون تكملةً لما كنا قد لمسناه وأظهرناه في الحلقات السابقة، ولنثبت مجدداً أنه أسوأ قانون تشهد البحرين. وذلك فيما يلي:

أولاً: تنص المادة (77) من قانون العمل المذكور على ما يلي:

«ترفع الجزاءات التأديبية التي توقع على العامل بانقضاء الفترات التالية:

أ – ستة أشهر في حالة الإنذار الكتابي والتنبيه الشفوي.

ب – سنة في حالة الوقف عن العمل مع الخصم من الراتب، وتأجيل موعد استحقاق العلاوة السنوية، وتأجيل الترقية.

ويتم الرفع إذا تبين أن سلوك العامل وأداءه لعمله مرضيان، ويترتب على رفع الجزاء كأنه لم يكن بالنسبة للمستقبل».

فهذا النص علاوة على ما يشوبه من عيب في الصياغة نرى فيه عيبين موضوعيين هما:

(الأول) كلمة «تُرفع» الواردة في النص، ويُقصد بها رفع العقوبة التأديبية الواقعة على العامل، بمعنى «إلغاء العقوبة». فهذه الكلمة بما تحمله من معنى لا تلائم العقوبات التأديبية الفورية الواقعة على العامل كعقوبة الإنذار مثلاًً، أو عقوبة الغرامة المخصومة من الأجر، أو عقوبة الوقف عن العمل بدون أجر التي تُنفذ حال تقريرها وتنتهي فور تنفيذها، فلا يصح القول برفعها (أو بإلغائها) بعد أن يتم تنفيذها فوراً. اللهم إلاّ العقوبات الجارية أو المستمرة التي يمكن القول برفعها أثناء سريانها.

وعليه فإن كلمة «تُرفع» الواردة في النص معيبة لا تتفق مع طبيعة العقوبات التأديبية الفورية، وليست في محلها.

(والثاني) نفهم من ظاهر مجمل النص أن المُشرع اشترط لرفع الجزاء التأديبي الواقع على العامل ثلاثة شروط هي؛ إما بفوات الفترات المشار إليها في النص، أو بثبوت استقامة العامل في سلوكه، أو بثبوت حسن أدائه لعمله، وانتهى إلى القول أنه متى تحققت أحد الشروط يُرفع الجزاء ويعتبر «كأن لم يكن».

وحيث كما رأينا في البند الأول أعلاه أن عقوبة الغرامة مثلاً أو عقوبة الوقف عن العمل بدون أجر تنفذ فوراً حال تقريرها وتنتهي في حينها، فكيف يستقيم القول باعتبار هذه العقوبة أو تلك «كأن لم تكن» بعد أن يتم تنفيذها! إلاّ إذا كان المُشرع يقصد من اعتبار العقوبة «كأن لم تكن» بمعنى إلغاء هذه العقوبة واسترجاع ما قد اقتطع بسببها من أجر العامل. وهو بالطبع لا يقصد ذلك، إنما نجزم أنه إما وقع في خطأ في الصياغة فأخرج النص بمفهوم يختلف عن مبتغاه، أو أنه أولج هذا النص في متن القانون دون أن يحيط بأبعاده أو يفطن مدى تعارضه مع الواقع ومع المبادئ العامة المستقرة، وهو ذات ما وقع فيه في نصوص أخرى أشرنا إليها في الحلقات السابقة.

ثانياً: جاء في المادة رقم (81) من قانون العمل الجديد «إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، أو ارتكاب جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل وقفه مؤقتاً عن العمل إلى أن يصدر قرار من النيابة العامة في شأنه، فإن قررت النيابة العامة حفظ التحقيق أو أمرت بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو قضت المحكمة المختصة ببراءة العامل لأسباب تتعلق بنفي نسبة التهمة إليه وجب إعادته إلى عمله».

هذه المادة تقابلها المادة رقم (104) من قانون العمل القديم لسنة 1976 التي تنص: «إذا نُسب إلى العامل ارتكاب جناية أو أية جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل وقفه من تاريخ إبلاغ الحادث إلى السلطة المختصة لحين صدور قرار منها في شأنه. فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته وجب إعادته إلى عمله، وإلاّ اعتبر عدم إعادته إلى عمله فصلاً غير مشروع».

وبمقارنة النصين السابقين (الحديث والقديم) ندرك أن المُشرِّع أخذ موقفاً غليظاً متشدداً نحو العمال في هذا الجانب، وهو ذات المنوال الذي رأيناه في النصوص التي تناولنها بالبحث في الحلقات الأولى، وهذا ما سنثبته فيما يلي:

1. النص القديم لا يُعطي لصاحب العمل الحق في وقف العامل عن العمل احتياطياً إلاّ إذا نُسب إليه ارتكاب جناية أو جنحة داخل دائرة العمل أو بسبب العمل، ذلك لأن ما يُنسب إلى العامل من أفعال جنائية خارج دائرة العمل وغير متعلقة بالعمل يفترض أن تكون بمنأى عن علاقة العامل بصاحب العمل، فلا يحق لصاحب العمل والحال ذلك وقفه عن العمل احتياطياً. في حين أن النصّ الجديد أعطى لصاحب العمل هذا الحق سواءً ارتكب العامل جناية أو جنحة داخل دائرة العمل أم خارجها. وهذا التغير نعده تراجعاً عن حماية العمال لا نعلم سببه، إلاّ إذا كان للأحداث السياسية الراهنة دورٌ في هذا التراجع.

2. النص القديم يمنع صاحب العمل من توقيف العامل احتياطياً عن العمل إلاّ بعد إبلاغ النيابة العامة (أو السلطة المختصة) عما نُسب إليه، بمعنى أن إبلاغ السلطة المختصة في هذه الحالة كان إجراءً أولياً وشرطاً واجباً يسبق توقيف العامل أو متزامناً مع وقت توقيفه. بينما النص الجديد حذف استباق هذا التبليغ مما يمنح صاحب العمل مكنة التراخي في إبلاغ السلطة المختصة لفترة غير معلومة بعد توقيف العامل، وهذا بالطبع له تأثير على نفسية العامل، فضلاً عن الضرر المادي الذي سيصيبه نتيجة تأخير مدة توقيفه عن العمل.

3. النص القديم طبقاً لظاهره يقضي بوجوب إعادة العامل إلى عمله متى حكمت المحكمة ببراءته مما نُسب إليه أياً يكن سبب البراءة، بينما النص الجديد لا يكتفي بمجرد البراءة لإعادته إلى عمله، إنما اشترط فوق ذلك أن يكون حكم البراءة مبنياً على أسباب تتعلق بنفي نسبة الجريمة إليه، فإن كان الحكم مبنياً على غير هذه الأسباب، أو لأسباب أخرى كرفض الدعوى شكلاً فلا يستفيد العامل من هذا الحكم. وهذا التغيير يحمل وجهاً آخر من وجوه التشديد والتغليظ على العمال.

لذلك - وبناء على ما تقدم - يحق لنا أن نسأل: هل أن العمال أصبحوا من المغضوب عليهم ليستحقوا التغليظ والتشديد عليهم باسم القانون؟ أم أن عجلة إصلاح حالهم والذود عنهم باتت عندنا تسير تلقائياً إلى الوراء؟

ولنا لقاءات أخرى في الحلقات القادمة لنكتشف المزيد من سوء التنظيم وسوء الصياغة والتعبير الظاهر في متن قانون العمل الجديد، والمزيد من الحيف الذي وقع على العمال من خلال نصوصه، ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهده البحرين.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3879 - السبت 20 أبريل 2013م الموافق 09 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:32 ص

      ألأهانة للعاملين

      نصوص ألمواد ألسابقة تعطي لصاحب ألعمل جميع ألصلاحيات من اجل ألقيام لمحاسبة ألعامل بسبب أو بدون سبب دون أن يكون له ألحق في أسترحاع حقه أذا كان بريئا ولا يوحد هناك ما يوجب محاسبة صاحب ألعمل أو علي ألأقل أن يراعي الله فيما يقوم به تجاه ألعامل أي أن صاحب ألعمل بمسابة أي فوق ألقانون وهذا يتنافي مع حقوق الأنسان

    • زائر 3 | 5:45 ص

      jassim@ awal gulf .com

      تعودت العمالة البحرينية على التغيير المستمر بدون اعتراض على التطبيق أيضا.

    • زائر 2 | 2:05 ص

      بارك الله فيك ابوحسين

    • زائر 1 | 1:44 ص

      بارك الله فيك أستاذي

      نتطلع لمقالاتك دائما

اقرأ ايضاً