العدد 3884 - الخميس 25 أبريل 2013م الموافق 14 جمادى الآخرة 1434هـ

المعارف التقليدية في صون الموروث البيئي

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المعارف التقليدية منتج المسيرة التاريخية للحراك المجتمعي في العلاقة مع معالم البيئات الطبيعية ويشكل المقوم الرئيس لمفاهيم السلوك الانساني. والمعارف التقليدية للمجتمعات البشرية في العلاقة مع نظم البيئات الطبيعية هي نتيجة فعلية لتجارب المجتمعات وإدراكها بأن الحفاظ على مكونات النظم البيئية شرط ومقوم رئيسي لمعيشتها واستمرار بقائها على البسيطة. وكان لتلك المعارف تأثيرها الفعلي في بناء قيم المسئولية والالتزام وتبني اتجاهات منهج السلوك الإنساني الرشيد في العلاقة مع النظم البيئية.

ومن المعروف أن هناك قيماً وثقافات متعارفاً عليها للتشكيلات الاجتماعية المختلفة في العلاقة مع البيئات الطبيعية صارت ركيزة محورية في منظومة المسئوليات والالتزامات التي تنظم اتجاهات العلاقة المجتمعية مع المعالم البيئية والمورث البيئي للانسان، ويمكن أن نجد هذه القيم في ثقافة ومفاهيم سكان الغابات والمناطق البرية والساحلية وغيرها من مكونات التشكيلة الاجتماعية.

والمجتمعات في العصور القديمة كانت لها علاقات متميزة تحكمها مجموعة من القواعد والأعراف والتقاليد الشعبية، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى أن رجال الغابات في ناميبيا يثيرون غضب إلههم إن هم قتلوا من الحيوانات أو جمعوا من الثمار ما يزيد على حاجتهم، وسكان الجبال في الغابات الشمالية يختارون مناطق صيدهم وفقاً لما تنبئهم به ممارسات الكهنة، وصيادو البرهور في شمال الهند يتركون بعض المناطق تستريح لفترات تتراوح بين سنة وأربع سنوات، وهناك العديد من الممارسات ما قبل الميلاد التي جرى اعتمادها في ثقافة العلاقة مع النظم البيئية، كما توجد العديد من القوانين مثل القانون الروماني وقانون حمورابي التي ساهمت في تأسيس نظام للحماية البيئية.

وكانت الشعوب المستوطنة في منطقة شبه الجزيرة العربية وحوض الخليج العربي ترتكز على منظومة من المعارف والثقافات والقيم في تنظيم نشاطاتها المهنية والمعيشية، وكانت هناك مبادئ محدّدة للري وتقاسم المياه وطرق محددة للزراعة وراحة الأراضي بين موسم وآخر.

وتشير حقائق الموروث الاجتماعي في شأن العلاقة مع ثروات المناطق البرية إلى أن المجتمعات البدوية كانت تنظم سير القوافل البرية وفق مسارات متعارف عليها يضمن عدم التأثير السلبي على الموارد البيئية في تلك المناطق، كما أن لها نظاماً للرعي وطرقاً ومواسم محددةً للتحطيب واستغلال ثروات وخيرات بيئات المناطق البرية. وفي السياق ذاته درجت المجتمعات المحلية على ممارسة أنشطتها المتنوعة التي تميز بها مجتمع البادية في مناطق متعارف عليها وبشكل منظم يحول دون التعدي على مكونات تلك المناطق، وقد غدت تلك المفاهيم منظومة متكاملة للعقد الاجتماعي في تنظيم العلاقة مع النظام البيئي في المناطق البرية.

وتشكل ثروات المناطق البحرية والساحلية ركيزة محورية في المنظومة القيمية لثقافة العلاقة الاجتماعية في الأنشطة المهنية والمعيشية لسكان السواحل، وتشير حقائق الموروث الاجتماعي إلى أن هناك قيماً متعارفاً عليها في استثمار الثروات الطبيعية للسواحل والمياه البحرية. وهناك طرق رشيدة في صناعة شبابيك الصيد تمنع صيد الأسماك الصغيرة، ومواسم محددة لعمليات الصيد البحري تتيح مجالاً لتكاثر الأسماك، كما أن هناك ثقافة محددة للحفاظ على نظافة المياه البحرية والساحلية. ويعمل الصيادون في نقل الشبابيك المتهالكة والقديمة إلى اليابسة للتخلص منها بطريقة سليمة، وعدم رمي المخلفات في المياه البحرية، كما يعمل سكان السواحل على عدم تلويث المناطق الساحلية والحفاظ على نظامها الطبيعي.

ونظراً للأهمية الفعلية لمنظومة معارف وثقافات المجتمعات الأصلية في بناء الاتجاهات ومناهج السلوك البيئي الرشيد ومبادئ وقيم صون نظم البيئات الطبيعية، صارت تشكّل محوراً رئيسياً في مبادئ العقد الدولي البيئي، ويمكن أن نتبيّن ذلك في المبدأ «22» من إعلان ريو للبيئة والتنمية (1992) حيث يؤكد «للسكان ومجتمعاتهم والمجتمعات المحلية الأصلية دور حيوي في إدارة وتنمية البيئة بسبب ما لديهم من معارف وممارسات تقليدية. وينبغي أن تعترف الدول بهويتهم وثقافتهم ومصالحهم، وان تدعمهم على النحو الواجب وتمكنهم من المشاركة بفعالية في تحقيق التنمية المستدامة». ويشير المبدأ «27» إلى أن الدول تؤكد «من جديد أن للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية أهميتها في المحافظة على التنوع البيولوجي». ويؤكد المبدأ «49» من وثيقة مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة (2002) «أهمية مشاركة الشعوب الأصلية في تحقيق التنمية المستدامة»، كما يجري التأكيد على ذلك في وثيقة ريو+20 وفي الفقرة «ج» من المادة «10» في الاتفاقية الدولية بشأن التنوع البيولوجي التي تؤكد أن تعمل الأطراف المتعاقدة على «حماية وتشجيع الاستخدام المألوف للموارد البيولوجية طبقاً للممارسات الثقافية التقليدية المتوافقة مع متطلبات الصيانة أو الاستخدام القابل للاستخدام».

ينبغي القول ان ما جرت الإشارة إليه حقائق مهمة من الطبيعي الأخذ بها والتأكيد عليها في ثوابت التشريع البيئي، وإبراز أهميتها في الممارسات والأنشطة التراثية والبيئية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 3884 - الخميس 25 أبريل 2013م الموافق 14 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً