العدد 3892 - الجمعة 03 مايو 2013م الموافق 22 جمادى الآخرة 1434هـ

الدراما التاريخية الإيرانية...مسلسل المختار أنموذجاً

لا تختلف معالجة الدراما الايرانية للنصوص التاريخية عن سائر المعالجات التي ينتهجها صناع الدراما والسينما في أي مكان من العالم ومنها العالم العربي من حيث تقديم قراءة معينة لا تخلو متأثرة بحاضنتها الاجتماعية والسياسية، لكنها تتميز في جرأة طرحها لمواضيع ذات اشكالات سياسية وتاريخية في منطقة كانت وما زالت على صفيح ساخن من التوترات الطائفية والمذهبية.

ليس صدفة أن نختار المسلسل الايراني المختار الثقفي (مختار نامه) الذي كتبه وأخرجه داوود مير باقري كنموذج عن الدراما التاريخية الايرانية، فهو يعتبر ذروة الدارما الايرانية في السنوات الاخيرة فنيّاً وموضوعيّاً من جهة، ومن جهة ثانية ما لقيه هذا المسلسل من صدى واسع في العالم العربي ووسط آسيا وامتداد تأثيره حتى على الحالة السياسية في بعض الدول كما هو الحال في العراق عندما ظهر تنظيم يطلق على نفسه جيش المختار في مطلع العام 2013 بقيادة رجل الدين وثاق البطاط، وهو بلا شك يظهر مدى تأثير الدراما في عالم اليوم. يأخذ المسلسل طابعه الإشكالي كونه يتطرق بالأساس إلى شخصية مثيرة للجدل تاريخيّاً وهي شخصية المختار ابن ابي عبيدة الثفقي (1 ـ 67 هـ) من جهة، وإلى قراءة التاريخ الموازي لسلسلة الأحداث التاريخية التي وقعت منذ معركة صفين وما تلاها من حوادث النهروان وواقعة صلح الامام الحسن بن علي (ع) مع معاوية بن ابي سفيان، وحوادث كربلاء وما جرى بعد ذلك من ثورة التوابين بالكوفة وحركة عبدالله بن الزبير في مكة المكرمة.

ثمة تساؤلات يمكن طرحها حول هذه الدراما التي بلغت كلفة انتاجها أكثر من 20 دولاراً، ومنها هل قدمت هذه الدراما الرؤية الايرانية للقضايا التاريخية وفق قراءة مغايرة لما تعارف عليه المتلقي العربي، وهل أنصف المسلسل العرب أم تعامل معهم بعنصرية وفوقية، وهل بالفعل يمثل النص اشكالية للنص للمتلقي العربي أم أنه مجرد وهم سببه مصدر انتاج هذه الدراما دون عناء القراءة الموضوعية لمضمون العمل الدرامي الذي كان من «المتانة والاتقان بحيث يمكن مقارنته مع الأعمال التاريخية التي تنتجها هوليوود» كما صرح بذلك كاتب ومخرج المسلسل داوود باقري.

للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، لابد من تفكيك هذا النص واستنطاقه حتى نرى إن كان ثمة اشكالية مزعجة للملتقي العربي من القراءة التاريخية الايرانية لمسارات الأحداث والوقائع المدونة في الكتب التاريخية، علماً بأن المصادر التاريخية للمسلسل فاق العشرين مصدراً بينها أمهات كتب التاريخ (تاريخ الطبري، مروج الذهب للمسعودي، الكامل لأبن الاثير)، كما يمكن أن نستشف منه أيضاً نظرة الايرانيين (الطبقة المثقفة) إلى العرب، إضافة إلى الصبغة التراثية الفارسية والاشارات العرفانية التي وردت في ثنايا النص الدرامي.

لقد شكلت جدلية شخصية المختار ابن ابي عبيدة الثقفي ضغطاً على النص الدرامي ذاته والذي استغرق كتابته نحو عشر سنوات، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ما جاء على لسان شخصية المختار الذي جسده الممثل الايراني فريبرز عرب نيا وهو يحاور أحد المدونين للتاريخ (اكتب ما لنا وما علينا)، والغريب أن الجدلية التاريخية بشأن شخصية المختار دائماً ما ترجع إلى عامل غيبي أكثر منه دنيوي، بمعنى آخر أن المختار تمت محاكمته على اساس نواياه وليس فعله، فقد ورد في الأثر (وهنا لسنا في مقام اثبات صحة هذا المأثور من عدمه) أن آخر رجل يدخل الجنة هو المختار الثقفي؛ لأن في قلبه ذرة من حب الدنيا، وفي حديث آخر «إن في ثقيف كذابًا ومُبِيرًا»، أو تفسير حركة المختار على أنها طلب للرئاسة والحكم والنفوذ، كل هذه تدخل في محاكمة النوايا لا للفعل، إذ الفعل كان القصاص من قتلة الإمام الحسين ابن علي (ع) وأهل بيته وصحبه في كربلاء سنة61هـ

صورة العربي لدى الفرس

يمكن القول إن هذه الدراما أعادت الاعتبار لصورة الانسان العربي لدى الآخر، بعكس ما صورته الدراما الغربية والاسرائيلية تحديداً من نمط سيئ وفظ وبذيء للشخصية العربية، فنصوص المسلسل تعرضت لأخلاقيات الانسان العربي بل وخصوصية هذه الاخلاق التي ينفرد بها من خلال بعض المشاهد ومنها على سبيل المثال، في مشهد اللقاء الأول بين المختار و(كيان) الصديق الفارسي للمختار حيث يدور الحوار على النحو الآتي:

المختار: حييت أيها الفارسي الوفي.

كيان: حييت أيها العربي الأبي.

في مشهد آخر يخاطب كيان المختار قائلاً: «جئت كي أوقظ فيك أسد العرب النائم... أنت عز العرب وحميتها، جئت كي استثير العاصفة في بحر حميتك». وجاء أيضاً على لسان كيان الفارسي: «هل تقيس نفسك يا مختار بمثلي، أين الثريا من الثرى، هل تتوقع من فارسي لا مكانة له بين العرب من صنع معجزة»، فيرد عليه المختار: «نعم، أتوقع خندق إعجاز سلمان، لماذا لا تكون مثل سلمان»، يرد كيان «العربي اليوم مختلف عن العربي أيام الرسول»، أو جاء على لسان احد الفرس بعد محاولة اغتيال الإمام الحسن بن علي (ع) «لقد صار قتل الخلفاء عادة عند العرب، وهذه فرصة لمن يريد الفتك بهم»، وغير ذلك من النصوص التي أنصفت الانسان العربي.

الأدب العرفاني في النص

لم يخلُ المسلسل من تضمينه للثقافة الفارسية الممثله بالادب العرفاني، ويتجلى ذلك في مشاهد عدة؛ منها ما جاء على لسان زعيم ثورة التوابين سليمان بن صرد الخزاعي وهو ينتظر أن يبشر بثورة المختار فينادي بين جمع من أنصاره «الأمان من الفراق، الفراق الذي أفقد يوسف بصره، من كثر ما شخص ببصره ليوسف، الفراق الذي لم يتحمله يعقوب وهو نبي الله... يا حبيبي يا قميص يوسف (الى مسلم) لم نعد نحتمل الفراق نحن نكاد نموت تشوقاً... بالله عليكم اكتبوا لمراد قومي ليأتي... اكتب يا مسلم...».

او ما ذكره المختار وهو ذاهب إلى معركته المصيرية مع الزبيريين «اليوم انا عازم على محاربة الرياء، وهو يدخل الميدان بلباس الدين والتقوى، النفاق عملة لها وجهان وجه نقش عليه اسم الله، ووجه عليه نقش اسم الشيطان، فأهل الدنيا يرون فيه اسم الله، والعلماء (العرفاء) يرون فيه وجه الشيطان».

العدد 3892 - الجمعة 03 مايو 2013م الموافق 22 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:40 ص

      دراما مختار الثقفي اسطوره

      الانسان الشرقي سواء عربي او فارسي نفس النخوه والشجاعه وكل على حسب ثقافته كما للعرب مساهمات للاسلام للفرس ايضا مساهمات ومواقف ايجابيه بعد اسلامهم

اقرأ ايضاً