العدد 3901 - الأحد 12 مايو 2013م الموافق 02 رجب 1434هـ

الاحتجاج... الوقاحة... الظلم

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

منذ أن وُجد الظلم على وجه الأرض، وُجد الاحتجاج. وُجدت المعارضة. كي نُفْهِم بعض الذين يجدون في الاحتجاج وقاحة. لأن الظلم هو أصل الوقاحة ولا وقاحة في الاحتجاج والمعارضة. وأكثر وقاحة من الظلم ألاّ تحتجّ عليه وتعارضه وتكون في مواجهة معه.

***

في العدد الأسبوعي من صحيفة «الغارديان» بتاريخ 3 مايو/أيار الجاري، أفْردت عايدة إيديمريام، صفحات ثلاث في قراءتها وتتبّعها لإنجازات فكر وحراك واحد من أكبر المفكّرين في قرنين، الماضي والذي نعاصره. إنه المفكّر الأميركي الشهير صاحب النظرية ذائعة الصيت في النحو التوليدي والتحويلي، نعوم تشومسكي. وهو اليهودي الذي لم يتردد لحظة في مقارعة ومناهضة الصهيونية العالمية، تلك الشاهد على ظلم عميق وممنهج مارسته منذ أكثر من 7 عقود. خلاصة قراءة وتتبّع إيديمريام وفي عنوان جليّ لها: الحياة بُنِيَت على الاحتجاج.

***

اليوم لك الحق في الاحتجاج على سلعة غير مطابقة للمواصفات. مهما كان حجم وقيمة ودور السلعة تلك. لك الحق في معارضة وجودها في السوق، ولو كانت على «بسْطة» في سوق شعبية؛ لكنه لا يحق لك الاحتجاج ومعارضة ما يسمّم وجودك أو يُنقص منه. لا يحق لك الاحتجاج مثلاً على سياسات تتعامل معك باعتبارك سلعةً رخيصةً لن يلتفت إليها أحد؛ فيما السياسات تروّج لبشر باعتبارهم سلعاً أيضاً ولكن كاملة المواصفات ولو خلت من مواصفات!

***

نعلم أن احتجاج أي منا على الفصول ودورتها والزمن ودورته لن يدفعه إلى إعادة النظر في حركته. تلك بديهة ولو انقضت أعمارنا في سبيل ذلك الاحتجاج. يُراد للظلم الممارس على البشر اليوم في أنحاء متفرقة من العالم أن يتم التعامل معه باعتباره جزءاً من دورة الفصول تلك ودورة الزمن ذاك، وباعتباره من السنن التي لا حول ولا قوة للإنسان على تغييرها وتصحيح مسار واقعه وحياته. هذه الجبْرية التي يُسوّق لها من قبل من لا أثر حقيقياً لدِين يحتكم إليه في نظره وتعاطيه مع البشر من حوله، تعيد الإنسان إلى مربّع بدائيته وبهيميته.

***

بعض البهائم تحتجّ على سوء وواقع التعامل معها؟ في ذلك معاينات وشواهد، من الناقة التي يذبح فصيلها أمامها إما انتقاماً وإما بالموت كمداً، إلى الحمار الذي مهما طال صبره وتحمّله، يمكن أن يبلغ به الحال إلى عقر مُذلّه.

***

الطبيعة نفسها ترينا شواهد من احتجاجها الفصلي واليومي. هذا العبث والشَرَه الذي تمارسه اقتصادات الدول المتقدمة والنامية - إذا خفّفنا التعبير عن تخلّفها - على حد سواء، ترك أثره على البيئة. ترك أثره على طبيعة الفصول ودورتها. صحيح أنه لم يلغِ الفصول؛ لكنه عمد إلى إرباك تلك الدورة وإصابتها بما يشبه الخلل ولو كان نسبياً. ثمة جور وظلم مورس على الطبيعة تعبّر عنه اليوم باحتجاج على طريقتها؛ إما باحتباس المطر في جزء من العالم؛ وإما بسيول وفيضانات في جزء آخر منه.

***

الأشياء نفسها من حولنا تعبّر عن احتجاجها في صورة أو أخرى. ما تستهلكه بشكل يومي من آلة من دون مراعاة لتعهّدها وصيانتها تتركك في مهبّ عدم قدرتها على أداء دورها. عطب الآلة من إهمال، احتجاج آخر. حتى الآلة التي صنعها الإنسان لها احتجاجها الخاص، ويراد للإنسان أن يكون آلة لإنسان آخر من دون أن يحتجّ ولو سِيم سوء العذاب والذلّ!

***

أن تحتجّ وتعارض، يعني فيما يعنيه، أن تعيد النظر والموقف من حياة تكاد تذوي، وتكاد تصل إلى مرحلة انفصالها عن الحياة؛ بل الأمر كذلك. أن تختار بين أن تكون إنساناً بالاصطفاء الذي قرّرته لك السماء؛ أو أن تختار نقيض ذلك، وتعزّز وهْم اصطفاء أرضي مصطنع ومُخلّق طلع علينا بالدم الأزرق وأكثر من جنس آري، في عنصرية ممنْهجة تحطّ من قدر الإنسان وتتوهّم سخريتها وتهكّمها على الخالق والاعتراض على ما شاء وقرّر.

***

الاحتجاج أن تملك حواسّ مراقبة الحياة لا مراقبة الحياة لك فحسب. مراقبتك لأداء الحياة من حولك هو ما يمنح تلك الحياة قيمة يمكن أن يُعْتدّ بها. احتجاجك ومعارضتك للخلل مجسٌّ ودليل حياة. حياة حقّة. تخاذلك وانزواؤك دليل موت ولو توهّمت احتلال تلك الحياة، مصادرة لحقوق وإمعاناً في إذلال وتجاوزاً في انتهاك، وتعميقاً وتثبيتاً للكراهية وجعلها نمط وأسلوب حياة، والتي هي من دون شك لا علاقة لها بالحياة. في كلمات ثلاث... الاحتجاج: حياة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3901 - الأحد 12 مايو 2013م الموافق 02 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 11:10 ص

      حسد واحساد ولا في فساد عندهم حتى السمك وصل له الدور

      للمتعمقين في التفكر في خلق الكون لا يتعادلون مع المفكرون في التجارة وتخريب وتدمير العالم في سبيل مصالحهم الضيقة التي تلغي الانسانية كما تلغي الحياة الفطريه والبرية والبحرية. أنظر سواحل جزر البحرين لا تشبه الجزر ولا علاقة للسمك في طمع التجار والاستثمار. فهل خلق الله الكون باطلا؟ لتعمير عمارة وخراب البيئة البحرية تحت عنوان إستثمار البحر وقتل السمك.. أم عولمة الفقر كما قال نعوسكي وعولمة تخريب الطبيعه وتدميرها؟

    • زائر 7 | 5:24 ص

      ذهب فكري لملك

      اغرم بأتان ومن هيامه اراد يحوله لفيلسوف واحضر افضل الاساتذة وافرد له جناحا في القصر واطعمه افضل الاطعمه رأت زوجة الملك سألت الملك قال اريد ان اجعل الحمار فيلسوفا فقالت منبهة الملك وكأنه كان نائما: نحن نريد الفيلسوف حمارا لا الحمار فيلسوفا فانتبه الملك واخذ بحكمة زوجته نريد شعبا حمارا نسيره كيفما نريد

    • زائر 5 | 4:11 ص

      في الجنه!

      شبيك... لبيك ... بيت الإسكان بين ايديك .؟؟
      نصيحتي الى كل من له طلب اسكاني .......( انسى يا خوك ! )
      مثل ما يقولون الشياب مال أول :
      البيت... بيت الآخرة

    • زائر 4 | 4:11 ص

      علينا ان نقبل بالواقع المرّ وإذا احتجينا فنحن خونة وعملاء للخارج

      منطق البعض يقول عليكم ان تقبلوا بالظلم وسلب الحقوق وان تعيشوا عيشة العبيد واذا قررتم الاحتجاج على هذا الوضع المقيت فإن التهم متوفرة لدى الاعلام الرسمي وايران موجودة بتهمة الخيانة متوفرة ورخيصة وتهمة العمالة لايران لا تحتاج الى دليل فقط قل ونحن نردد معك كالببغاء.

    • زائر 2 | 12:09 ص

      17سنه واناانتظربيت الاسكان عندما تقدمة لطلب بيت الاسكان كان عمري 25 سنه ومازلت انتظر وعمري 43 سنه يعني مدة انتضر 18 سنه

      17سنه واناانتظربيت الاسكان عندما تقدمة لطلب بيت الاسكان كان عمري 25 سنه ومازلت انتظر وعمري 43 سنه يعني مدة انتضر 18 سنه والان عندي والحمد لله ابني صادق وحسين ومحمد ونسكن غرفه صغيره وايله للسقوط متى سوف ياتي دوري في الحصول على بيت ام ان الحلم مستحيل{جعفرعبدالكريم صالح

    • زائر 3 زائر 2 | 2:57 ص

      الله يساعدك

      راح الكثير ةما بقى الا القليل بيتم في الجنه

    • زائر 1 | 11:39 م

      بوركت حبيبي على المقالات والله يخليك

      بارك الله فيك

اقرأ ايضاً