العدد 3907 - السبت 18 مايو 2013م الموافق 08 رجب 1434هـ

نامت نواطير شعب عن ثعالبها

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

قبل فترة ليست بالبعيدة انتشر على وسائط التواصل الاجتماعي مقطع فيديو من أحد محطات التلفزة التونسية يظهر فيه دخولها لأحد قصور الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفتح أحد الخزائن المحتوية على مبالغ ضخمة ومن مختلف العملات وذلك لنقلها للمصرف المركزي للدولة.

وأعتقد أن كل من شاهد هذا المقطع أثار عنده العديد من التساؤلات حول عدة أمور، أهمها قضية نهب المال العام من قبل الحكام الديكتاتوريين، وكيف اختلط المال العام بالمال الخاص. وأنه وعلى رغم ضخامة المبالغ فهي بالتأكيد لا تساوي شيئاًً يذكر أمام المبالغ المهربة للخارج سواء السائلة منها أو الثابتة.

وفي مشهد آخر، وقبيل زيارته إلى أرض الكنانة في أبريل/ نيسان 2013، صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تجميد استثمارات خاصة بالرئيس المخلوع حسني مبارك في الولايات المتحدة لوحدها تقدر بـ 31.5 مليار دولار أميركي.

إن المثالين أعلاه هما من جمهوريات عربية كبيرة ولديهم برلماناتهم المنتخبة. فيحق لنا التساؤل أين هم ممثلو هذه الشعوب العريقة في مجالسهم البرلمانية المنتخبة عن ممارسة أهم أدوارهم المتعارف عليها عالمياً والمتلخصة في الشأن التشريعي والرقابي، من وقف أو الحدّ من نهب هذه الأموال الكبيرة، وخصوصاً بأنهم بلاشك في حاجة ماسة لهذه الأموال العامة للإسهام ما أمكن في تطوير بلدانهم، من مشاريع تنهض بالبنية التحتية، كما ستساهم لو استغلت بالشكل الصحيح، في توفير الوظائف للآلاف، بل ربما للملايين من مواطنيهم.

ومما لاشك فيه أن الشعبين التونسي والمصري من أعرق وأعظم الشعوب العربية، وهم يمتلكون الطاقات البشرية المؤهلة لتسيير أمور بلادهم وفقاً لأنجع وأفضل السبل التي تضمن المحافظة على مقدراتهم وثرواتهم واستثمارها في صالح شعوبهم.

الحقيقة أن تطبيق النظام الرقابي الصارم على المال العام، هو ليس فقط لصالح السواد الأعظم من الشعب، بل حتى لصالح من يقوم بنهب هذه الأموال من دون وجه حق، حيث أنه سيحميهم من شرور أنفسهم، وذلك لأن النفس البشرية جبلت على حب المال والثروة والنهم والاستحواذ وطلب المزيد دون توقف، والذي بدوره يمكن أن يحقق لهم الجاه، ولو كان زائفاً! وبالتالي تتضخم نفوسهم، ويمارسون الاستحواذ والطغيان، مصداقاً لقول رب العزة والجلال: «إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغَى. أَنْ رآهُ استَغنَى» (سورة العلق: 6-7).

إن التعمق في دهاليز الاستحواذ على المال العام، سيجد أن معظمها تم وفقاً لمنظومة متشاكبة ومقعدة من الأنظمة والقوانين المحلية الخاصة ببلدانهم والتي وضعت بإحكام شديد، ولا يستبعد أن البرلمانات المنتخبة، التي كان يفترض منها رعاية مصالح السواد الأعظم من الشعب والحفاظ على الأموال العامة، قد أقرّتها وصدقت عليها، بحيث تتيح لهذه الفئات المتنفذة القليلة في المجتمعات العمل تحت مظلة القوانين القائمة، بل تهيئ البرلمانات المحلية لها الأرضية الخصبة للثراء الفاحش وسرقة المال العام. وذلك لأن الذين هم تحت قبة البرلمانات في الأنظمة الدكتاتورية، ليسوا في الحقيقة بالممثلين الحقيقيين لتطلعات الشعوب. وهذا راجعٌ إلى الطرق غير الشرعية التي وصلوا من خلالها إلى قبة هذه البرلمانات الصورية.

في الأنظمة غير الديمقراطية يتم الاستفادة إلى أبعد مدى من هذه المجالس البرلمانية الصورية، التي تشكل عبئاً مادياً على الخزانة العامة. فهي عبارة عن «دكاكين للكلام باهظة الثمن (Expensive talking shops)، وهذا لا يهم، حيث إن هذه البرلمانات يستفاد منها بشكل كبير، فهي تشكل واجهات براقة يتغنى بها ليل نهار، وخصوصاً في المحافل الدولية، بأنها أنظمة ديمقراطية، لوجود برلمانات منتخبة من قبل شعوبهم.

هذه البرلمانات، التي لا حول لها ولا قوة، لا تخدم بأي شكل، السواد الأعظم من المواطنين البسطاء المتطلعين إلى الكرامة والحرية، والحياة العزيزة التي تنشدها الشعوب المغلوبة على أمرها. هذه البرلمانات الصورية تسنّ القوانين وتمرر البرامج والأنظمة التي بدورها تحدّ من الحريات، وتضيق الخناق على أي تحرك من قبل هذه الشعوب التي تنشد العيش الكريم. وقد يحدث أنه بين الفينة والأخرى قد يسمح لها بتمرير بعض القوانين الشكلية التي في ظاهرها إنجاز للمواطنين، في انتزاع بعض الحقوق أو المكاسب!

إن الاستحواذ على المال العام من قبل المتنفذين، والعمل على الثراء غير المشروع هو ديدن من تسلطوا على رقاب الشعوب المغلوب على أمرها، ولكن الحقيقة تبقى بأن الشعوب، خصوصاً في هذه الحقبة من الزمن، مدركة لكل الألاعيب. فمقولة المتنبي قبل ما يقارب الألف عام، عندما حكم الأخشيدي مصر وذمّه المتنبي، تنطبق على معظم البلاد العربية، حيث قال:

نامت نواطير مصر عن ثعالبها... فقد بشمن وما تفنى العناقيد

فلو شهد المتنبي هذا الزمان، لوضع بدل «مصر» ما شاء من البلدان العربية.

والأمل يحدو أبناء بلدنا الغالي في سرعة تطبيق الديمقراطية الحقيقية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال وقف الاستحواذ على المال العام، ومحاربة الفساد والمحسوبيات، عن طريق مجلس نيابي كامل الصلاحية ومنتخب انتخاباً حراً ونزيهاً، يعبر عن الإرادة الشعبية للمواطنين، الذين هم مصدر السلطات، من خلال دوائر انتخابية عادلة، وفق مبدأ الصوت الواحد، حتى يقوم بأدواره الرئيسية من رقابية وتشريعية على أكمل وجه. وفي هذا رفعة للوطن بأسره.

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 3907 - السبت 18 مايو 2013م الموافق 08 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:42 ص

      المصلي

      ستتحقق هذه الأمنيه بالأصرار على المطالبه بهذا الحق والذي كفله الدستو ر المنحه والميثاق الذي توافق عليه الشعب والسلطه بنسبه كبيره جدا وللأسف الشديد حدث ماحدث وبعد التضحيات الجسام والتي قدمها الشعب في حقبة التسعينات مطالباً ببرلمان كامل الصلاحيه لمحاسبة كل من تسول اليه نفسه التعدي على حقوق الوطن والمواطن وهبونا هذا البرلمان الكسيح والذي لايستطيع أن يقدم ولايؤخر أي شئ فضاع الوطن والمواطن في الطوشه مرة أخرى ورجع المواطن يقدم التضحيات لنيل حريته وحقوقه كاملة غير منقوصه وسنحصل عليها ان شاء الله عاجلا

    • زائر 7 زائر 5 | 5:46 م

      الله كريم

      الشعب مصدر السلطات وهذا يعني أن للشعب جقوق يجب ان يحصل عليها وليس مته

    • زائر 4 | 4:29 ص

      كلمة حق

      صباح النور يعطيك العافيه

    • زائر 2 | 4:09 ص

      شكرا دكتور

      بالتوفيق وأن شاء الله يومياً مقال

    • زائر 1 | 2:34 ص

      حلم البحرينين

      أحسنت ع هالمقال

اقرأ ايضاً