العدد 3918 - الأربعاء 29 مايو 2013م الموافق 19 رجب 1434هـ

الذين ناهضوا البطش يطالبون بالمزيد منه للضحايا!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أعتقد في القريب والقريب جداً ستفاجأ الجامعات العربية بموضوعات أطروحات للماجستير والدكتوراه، متدافعة ستصبّ موضوعاتها وتناولاتها وبحثها في حال الردّة والاصطفاف الذي كان بعضه دراماتيكياً والبعض الآخر بسهولة التخلص من بقايا طعام بين الثنايا، قام به عدد ممن كانوا محسوبين على الثقافة والفكر العربي؛ وخصوصاً ما قبل اتضاح إرهاصات الربيع العربي بزمن يسير، وما أعقبه من زلزال وقفت إزاءه استخبارات الدول العظمى مصدومة ومنكشفة في الوقت نفسه؛ عدا غياب وغيبوبة المنظومة الأمنية والاستخباراتية العربية عن مفاعيل ذلك الزلزال ومحركاته.

السياسي المنحرف حين يصطف مع الخلل والكارثة وصنّاعها لا يبعث فعله على الصدمة؛ لأننا لا نتوقع منه أن يكون رئيس حملة للحج والعمرة؛ أو رئيس فريق في منظمة خيرية أو إنسانية يتفقّد مواقع الكوارث، ويصرّ أن ينام مع المنكوبين ويأكل من أكلهم ولو اضطر أن يشرب من المياه الملوثة التي يشربونها. نتحدث هنا عن المثقف والمفكّر والفنان الذين هم من المفترض أن يكونوا في طليعة الاحتجاج ومناهضة الاستبداد وما يؤدي ويدل عليه. فبعد سنوات من إنتاجٍ لم يكُ بمعزلٍ عن بيع الناس وهماً ومثاليات؛ على رغم أن بعضهم ناله ما نال غيره من ملاحقات واستجوابات واعتقال وتعذيب ومحاربة في الرزق واستمرار بقائه تحت المراقبة لسنوات. كل ذلك «ذهب مع الريح» مع الاعتذار للفيلم الذي يحمل العنوان نفسه، لم يجد بعض أولئك المثقفين حرجاً في الاصطفاف مع الذين أنتجوا كل هذه المآسي والكوارث وسحْل الإنسان من الماء العربي إلى الماء الإسلامي. من صاحب نص «ابطش» وكانت نصوصه تحفظ عن ظهر قلب؛ قبل أن يتبنّى ماركة البطش، إلى الماركسي العتيد والإسلامي المتلوّن والمنبطح والتبريري؛ وليس انتهاء بمن لا انتماء واضحاً له، وعروجاً إلى الذين اتخذوا الاصطفاف نفسه هروباً وتحايلاً على البسيط من الناس، بتنظيرات وتقعير يقيانهما البطش الماثل، من دون أدنى مراعاة للضحايا الذين لا ينفكّون في التراكم، وتتصاعد أعدادهم يوماً بعد يوم.

***

لن نذهب بعيداً خارج جغرافية هي مصْهر مثالي لعذابات الإنسان وإهانته. عقود من الإصرار على قوْننة امتلاك حتى الإنسان كما تُمتلك الأشياء، وجدت بعض الأنظمة فرصتها لإدخال بعض المثقفين والمفكّرين تحت مظلتها وقائمة رواتب ومكافآت وعطايا إسكاتها. بتوافر القانون ومصاهرة أشباه المثقفين والمفكّرين الذين ارتد بعضهم على أعقابه تحت ضغوط وتهديد؛ فيما بعض يسْتميت تبرّعاً - بمقابل في كل الأحوال - اطمأنت الجهات الراعية لذلك المصهْر بتوافر غطاءين إلى جانب غطاءات دينية وحقوقية، إلى أن تعيدها في الممارسة يأتي (المصْهر) بمباركة نُخب كانت في وقت من الأوقات عصيّةً على فتح موضوع البيع والشراء معها، وصارت اليوم هي نفسها تباع وتُشترى في المحطات والصحف وحتى على الأرصفة!

***

ليس صاحب نص «ابطش» ظاهرةً ضمن عشرات الآلاف من الذين تضجّ بهم السيَر والإرشيف في الذاكرة العربية البعيدة والمتوسطة والقريبة والمعاصرة. ليس الأكاديمي بدْعاً في المواقف. ليس الشاعر الجوّال المرموق شاذاً، ليس صاحب المواويل بالثانية استثناء، ليست الشتّامة السبّابة مفاجأة؛ ليس الماركسي الذي صدّع رؤوسنا بالطبقات والعمّال ثم حرّض عليهم ودعا إلى اجتثاثهم بتخريجات طائفية ودينية في خليط عجيب يجمع كوكتيل كل الاعتقادات والملل والنحل في تبرير الاجتثاث والبطش كصاحبه مقاول نص «ابطش»!

***

معظم أولئك، ومن هم في الطريق بعد أن اتضحت لهم الطريق وهماً، بوهم انتصار قائم بفعل أداة البطش التي لا تملّ وتجد من يباركها من المرتدين على أعقابهم ممن يحمل صفته سابقاً، من حقوقيين ودينيين ومثقفين ومفكرين وفنانين ومرتشين ومقاولي مواقف، كانوا في يوم ما يدعون إلى وضع حدّ لممارسة السُخرة على البشر، والتحريض على من يقف وراءها. صاروا اليوم يحرّضون على الضحايا تحت عناوين مكرورة ومملة. يبررون مواقفهم محاربة لخطر على الدين والطائفة وهم الذين لا تربطهم علاقة من قريب أو بعيد بالأديان والمذاهب. مرة أخرى بالأجندات الخارجية، وغالبيتهم لم يفك الخط ويتمكن من اجتياز المرحلة الجامعية إلا باستقطابات دول وتنظيمات كانت مرتبطة بالخارج، وبقيت على العهد؛ لولا لعبة الأمم في الخرائط والأيديولوجيات؛ ليصير الاصطفاف مع المعسكر الذي يملك أدوات البطش أسلم وأدسم!

***

عودة إلى موضوعات الأطروحات في الجامعات العربية من ماجستير ودكتوراه، حين تتوافر ظروف بحث وتناول جدّي وحرّ لما آلتْ إليه كثير من الأوضاع والمواقف والشخوص في العالم العربي؛ في مرحلة الربيع العربي؛ وخصوصاً في الحصْر الذي يتناوله المقال من المثقفين والمفكّرين والفنانين؛ ستتيح الوسائل والمعطيات ومنافذ المعلومة التي لم تعد تكوّم في أرشيف بدائي يحتاج أي واحد منا لأسابيع وشهور كي يظفر بشواهد ومادة أطروحته، مما يمكن الوصول إليه وصعوبة الوصول إلى غيره. اليوم يرفد الباحثين عن قيمة وجدّة لأطروحاتهم إرشيف متحرك ومتنوع بالنص والصوت والصورة بها جميعاً يمنهجون ذلك الأرشيف عبر الرسائل الجامعية حفظاً لدورة بقائها في تلك المؤسسات التعليمية العليا؛ كشفاً عمّن كان يؤمن بضحية وجلاد وصار يؤمن بالجلاّد وحده؛ فيما الضحايا نصيبهم اللعنات والبؤس وطلب المزيد من «ابطش» ولا تدع ما يدل على أنهم كانوا هنا!

الصورة من دون رتوش اليوم: الذين ناهضوا البطش يطالبون بالمزيد من حصصه للضحايا!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3918 - الأربعاء 29 مايو 2013م الموافق 19 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:31 ص

      التفكير في الامم السالفه

      لو استغل الانسان واستعمل عقله الذي وهبه له ماذا كان قبل 20 او 30 او 100 سنه وكيف كانت الشعوب من حروب واستغلال الدكتاتوريون لهم لما كان هذا حالنا اليوم فلنقرا التاريخ جيدا لنعتبر وحتى لا نبكي غدا على مصيرنا ونندم على اخطائنا

    • زائر 6 | 7:42 ص

      مقال رائع

      لم اقرا لحد الان قلما ادبيا يكشف الزيف والنفاق والتوحش البشري لفئة من الناس في الفترة الاخيرة من الربيع العربي غير جعفر الجمري.
      وحتما نحتاج في قابل السنوات لنصوص ادبية تصف وتحلل وتعري الحال المزري الذي عاشه الوطن في السنتين الاخيرتين.

    • زائر 5 | 1:28 ص

      يا أيها الباطشون.. فرملوا بطش أسيادكم

      مقال في منتهى الروعة يعطيك العافية صديقي جعفر وكما قال الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف: كل الأغاني انتهت إلا أغاني الناس/ والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس..

    • زائر 3 | 12:48 ص

      ما حمدتم وما شكرتم فكيف تعلم

      ليس من الأسرار أن ملة ابراهيم حنيفا الكل يعرفها، لكن ملة اليهود والنصارى التي حتى لو تابعتهم لن يرضوا عنك. من الملاحظات أنه قد إتبعها تجار قريش مثل ما تهادو وإهتدوا الى طريقه كفار قريش وبيع وشراء عبيد أو تجارة بشر كما تسميها بعض التقارير. ما الباقي من كرامت ها الناس على ها الجيرة. ملك ويدعي الربوبيه ذاته لا تمس، وقضاة يقضى عليهم بس إيقولون إنهم قضاة؟ هذه الحاله بتخسف بالناس الأرض؟ فأي تعليم قاد الناس الى الادعاء بمثل ها الدعايه؟

    • زائر 2 | 12:38 ص

      من العمليات الحسابيه للتجارة

      رسالة الجامعه تغيرت شويه كما تغيرت رسالة الانسان وسبب وجوده على هذا الكوكب. فالبعض يعتد أو يعتقد للعمل والبعض يضن للعباده. فمنهم من يعمل بالتجارة و دافعوا ودفعوا بأولادهم وأولاد بعضهم الى حرب حرة مع الشيطان وماتت أولادهم أو من مات ولده في سوريه ما بتعطي ذريعه أو مبرر يتنازل عن فلس يمكن يربحه من صفقه أسلحه قد يعود عليه بربح يتزوج بحوريه من الحور العين كما يزعمون وينجب منها ولد أحسن ما يشاركه إبليس فيه. وين بتحصل عاقل يصدق كلام جرايد ونشرات أخباريه هناك وهنا؟ التعليم تجاري والدين تجاري يعني عمل

    • زائر 1 | 12:34 ص

      nice artical

      nice artical

اقرأ ايضاً