العدد 3925 - الأربعاء 05 يونيو 2013م الموافق 26 رجب 1434هـ

أجهزة إعلام رسمية هي ما دون عصر الكهوف بمراحل

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كتبت ذات تغريدة: البشر يشيخون... الآلة الإعلامية حين تكرر نص كذبها تشيخ أيضاً ينفضّ عنها الناس مع الوقت. ملّوا الكذب المكرر. يريدون كذباً جديداً!

أنطلق من تلك التغريدة لأضيف؛ أو لأستدرك: ثمة وسائل إعلام يناهز عمرها القرن أو يزيد في العالم اليوم؛ ولكنها مازالت محتفظة بروحها: شبابها وحيويتها ومحاولة تحرّي الدّقة من تفاصيل الجروح والخسائر في إعصار أو فيضان أو حتى حادث مروري؛ وليس انتهاء بتحقيقاتها الصحافية التي لا تخلو من الخطورة والمغامرة والسهر الفادح. مثل تلك المؤسسات لا يمكن أن تهْرَمَ أو تشيخ. تظل محتفظة بما يرفدها بذلك السبْق وتلك الفرادة وذلك الإدهاش الذي تطلع به على الناس. طاقة كل ذلك: الحقيقة والضمير والحرْفنة، مصقولةً بكفاءة أفرادها ومنتسبيها والمتعة التي يشعرون بتفاصيلها في كل ما ينجزون؛ ليس عبر المكاتب والهواتف؛ بل هناك؛ بالنزول إلى مواقع الحدث والوقوف على التفاصيل واستجوابها ومساءلتها.

لا تتخذ من الشائعة والابتزاز والتهديد والإغراء والاصطفاف مصدراً من مصادر المعلومة والتوثيق؛ كما هو الحال في عالمنا العربي البائس واليائس بامتياز؛ إذ كل شيء برسْم التلقيم والتلقين؛ من افتتاحيات بعض رؤساء التحرير بعد اتصال هاتفي من أحدهم إلى أخبار كارديشيان التي تحوّلت إلى استثمار سياحي وتركت كل جنان الله بديمقراطياتها العريقة وصارت تتسوّل البقاء هنا في عبارة شهيرة صارت محط تندّر وسخرية واستهزاء من قبل أجهزة الإعلام في بلادها وصولاً إلى ميانمار وإثيوبيا!

***

ليست أجهزة إعلام تلك. هي أوعية تزوير وخداع وكذب ودجل وتقديم ما تريد القوة أن تُقدّمه للناس ممثلاً لصورتها التي تريد من جانب، وما تريده من صورة بغيضة كريهة مُخلّقة مُفبْركة للمعارض والنقيض لها.

إعلام لا يحتاج إلى تهديد كي يكذب؛ فقد تعوّد وتعلّم الدرس: وظيفته أن يكذب كما يُطلب منه، وتم تأسيسه لذلك الدور والهدف؛ وعليه أن يقوم بدوره من دون أن يتساءل ومن دون التجرؤ على التفكير - مجرد تفكير - فيما يُراد له أن يكون شائعة أيضاً: الضمير!

تلك الأوعية المتخلّفة، هي التي تصنع التشوّهات الأخلاقية قبل الخلقية. تصنع وتراكم هذا التبلّد والغباء المستشري على مستوى الوعي والفرز في الخيارات وتبنّي ما يصنع الحياة ويقفز بها بدل إدخالها في حالٍ من الغيبوبة والعجز والكُساح!

تلك الأجهزة الأوعية المُعدّة سلفاً لما تقول وتفعل وتسلط الضوء عليه أو تعمل على تعتيمه، هي ما يؤبّد حال التخلف وحال القمع وحال الانتهاكات وحال اللصوصية التي تأتي تحت عناوين متعددة ولكنها من منبع وأصل وهدف واحد. تلك الأوعية الإظلامية والتجهيلية والتضليلية لا يمكن أن تنوّر أمة وتجعلها في الصفوف الأولى من الواعين لما يحدث ويستجدّ في العالم من حولها. هي كهوفٌ بأجهزة ديجيتال وكاميرات ضمن آخر صرعات الاكتشاف ولكنها لم تبرح عالم الكهوف بكل عزلته وتخلّفه وانقطاعه عن مدنية وقفزات الحياة!

***

لا تحتاجون إلى تأمّل خريطة العبث. خريطة معامل ومصانع الوعي المزيّف والمُسيّر بالريموت كنترول. لا تحتاجون إلى تأمل ذهاب أنظمة ببعض شعوبها؛ إما الاصطناعية والمستوردة منها؛ وإما التي لها جذر عميق ولكنها آثرت أن تكون ضمن الملْكية الخاصة لصناعة ذلك الوعي المزيّف.

***

المشكلة اليوم في حدود عالمنا المُبْتلى بمنظومات لم تأتِ من الصُدْفة بقدر ما أتت ممن وجد فيها خير مُسْتعبِد لها باستعدادها وجهوزيتها لمثل ذلك الاستعباد، أن تبارك تلك الأوعية التضليلية بصكوك تأييد وغفران أيضاً من المحسوبين على علماء الدّين وهم في حقيقتهم علماء طين ووحْل. علماء طين أكّدت الأنباء مؤخراً وعبر قنوات عبرية عربية أنهم مارسوا سرقة ملايين من أموال المساعدات لشعب يقتل؛ لاشك في ذلك. يقتل من قبل النظام من جانب، ومن جانب الإرهابيين المحليين والعابرين للحدود المُمولّين من أنظمة البترودولار التي لم تُطلق رصاصة واحدة اتجاه «إسرائيل» على رغم تكدّس السلاح في ترساناتها لا لشيء إلاّ تحسّباً لحرب مقدّسة: مواجهة شعوبها!

تمارس تلك الأوعية التضليلية تحت مسمّى الإعلام دورها المساند بفتاوى وإطلالات علماء الطين في شرْعَنَة الكارثة والجحيم الأرضي!

***

الإعلام الحرّ لا يحتاج إلى قرون كي يكون شريفاً وأميناً ودقيقاً وحِرَفياً ومدهشاً وفارقاً واستثنائياً. منذ اليوم الأول وبالأخطاء البسيطة التي تبرز يمكن أن يُولد إعلام تفتح الدنيا أعينها عليه، وتتلمّس نهْجه. بعد سنوات من الثبات على قيم المهنة يمكن أن يكون نموذجاً يُحْتذى. السنوات والأموال والكذب والشائعات والفبركات والاصطفاف وتلقي الأوامر في موضوع الافتتاحيات المُحرّضة والأعمدة الناسفة للتعايش، لا يصنع حتى صحيفة إعلانية يمكن أن يحترمها الخُدّج من البشر؛ ولو احتوت كل ما يجيدونه في الحياة وموهبتهم: الاستهلاك.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3925 - الأربعاء 05 يونيو 2013م الموافق 26 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:59 ص

      البحربن ووضع بلاد الرافدين

      كان خوارج خرجوا كما كان امراء تآمروا وإتمروروا وصار أمرهم شورى بينهم وكان خلافاء. الغريب وليس بالعجيب أن تكون صورة مشابهة للخوارج الذين خرجوا على خليفتها وعلى أميرها بعد وفاة الامير الراحل. فقد رحل واختلف الامر الى من يئول الأمر والنهي أ الى ولي عهده أو أمر مسلمين يخلفها خليفتا.. لكن الخلافه ليست كما خلفت وتخلفت وخلف إخلاف ولم يختلف عن ما كان في قديم الزمان. يعني الحين من يقود البلاد الخوارج أو الدواخل او الصور المعلقة في الشوارع ما لت مين؟

    • زائر 5 | 8:07 ص

      لا أسف على هكذا اعلام

      هكذا اعلام يتبع المنحطين، والذين تخلوا عن مبادئهم في مزاد علني، لذلك لا أسف على هكذا اعلام، فكل اناء بالذي فيه ينضح..

    • زائر 4 | 6:01 ص

      قد تهون وقد لا تهون بس لا تتهور وإتصير مثلهم

      رسميه يعني مرسومه وهذه من معارف جحا قالها ولا ندري وين، لكن ها الناس الذين يصدقونها مو عليهم عتب ومخالفة تصديق ما لا يصدق. وهذه محتاج الدوله إتسوي ضريبه من ضرائب المعيشه على هالجزيره وعلى جزيرة النبيه صالح. يعني كله كلك في قلق ومهاودين ومع الجن منعاونون وما يبغون الشيطان يكون بينهم. فكيف يكون؟

    • زائر 3 | 2:05 ص

      الحق مثل فلين لا ينغمر في الماء

      مهما كان اعلانهم لامعا ويجذب البعض لان يغلف بالدينوالجهاد بالاخير يظهر الله من المظلوم ومن الظالم وان طال الزمن او قصر لانهم لا يعتبرون من الثمانينات وما جرة عليها المنطقه من الويلات

    • زائر 2 | 1:52 ص

      نكبة ما بعدها نكبة

      هذا التوصيف للحالة الإعلامية المتخلفة والهزيلة والمهترئة هو ما نمر به في الوقت الحاضر، لذلك ترى الكثيرون يصدون عن متابعة قناتهم الرسمية بل وصل الأمر ببعضهم إلى حد تشفيرها أو إلغائها من قائمة القنوات على أجهزة إرسال بيوتهم ومجالسهم وحتى مكاتبهم ، فهم لا يرغبون حتى في سماع الأخبار منها حتى الأخبار السعيدة منها ، هي نكبة إذا فقد الناس الثقة في أجهزة إعلامهم، ونكبة أخرى إذا ما واصل هذا الإعلام الهابط مشواره في التنكيل والتهديد والمحاكمات العلنية والاستهزاء بالأخر ويعتقد أنه في الطريق السليم.

اقرأ ايضاً