العدد 3927 - الجمعة 07 يونيو 2013م الموافق 28 رجب 1434هـ

قراءة في كتاب «الرواية والتلقي» لفهد حسين

كتب الناقد عبدالإله يوسف مقالاً نقديّاً في آخر كتب الناقد فهد حسين «الرواية والتلقي» الذي صدر عن «دار فراديس» في 225 صفحة من القطع الصغير. نورد أهم ما جاء فيها بإيجاز.

يشتمل الكتاب على 7 دراسات، تناقش الدراسة الثالثة «سيكولوجيّة التديّن في الرواية النسويّة السعوديّة الحديثة»، وهي ورقة قدمت في الندوة المصاحبة لاجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في مايو/ أيار 2009، تتحدث عن الدين في المجتمعات العربيّة والخليجيّة الذي كان له دور كبير في تشكيل هويّة الفرد العربي طوال التاريخ.

ويمتدّ تراث الكتابة عن الدين وأهميته منذ كتابات القدماء في الفرق الإسلاميّة مع بداية عصر التدوين حيث وضعت المصنفات الكبرى وكتب الحديث ومجاميعه التي كتبت بقرار سياسي بأمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي خشي اندراس حديث رسول الله فأمر بتدوينه.

وكان هذا التراث مادة خصبة لحركة الاستشراق القادمة من الغرب التي تولت دراسته لأغراض معرفيّة، وإن كان البعض يرجعها إلى بداية حركة الكشوف الجغرافيّة ونشوء الاستعمار.

وفي العصور الحديثة وضعت دراسات وأبحاث تهتمّ بتحليل بنية الفرد العربي الدينية وكيفية تأثير التراث الإسلامي والمدونات الكبرى التي وضعت في عصر التدوين على سيكولوجيّة الفرد العربي وأسلوب تفكيره، وكانت هذه هي البداية لتيار شغله الشاغل الاهتمام بالعامل الديني ومحاولة تقديم صياغات جديدة للفكر الديني تخرجه من ثوبه القديم وتقدمه بشكل أكثر حداثة وعصريّة.

وربما تتموقع الدراسة التي نحن بصددها في هذا الإطار الزمني والفكري، فهي محاولة لدراسة سيكولوجيّة التديّن، ما يميزها هو اندراجها في الحقل الأدبي بينما تعد أغلب الدراسات المنتشرة في هذا المجال فكريّة فلسفيّة والقليل يبحث في الصورة الأدبيّة أو طريقة تقديم الأعمال الأدبيّة للفرد المتديّن.

ولنا وقفة أمام عنوان فرعي في الدراسة هو «النسويّة السعوديّة الحديثة». يأتي مصطلح النسويّة FEMINISM من الثقافة الغربيّة الأنغلوفونيّة، وتقوم مبادئ الحركة النسويّة على مواجهة السيطرة الذكورية وتحليل القمع الموجه ضدّ النساء من أجل خلق فلسفة ليبراليّة جديدة في السياسة والأخلاق تغير من دور الأسرة والمجتمع وسياسة الدولة بما يكفل حقوق المرأة ويصونها من التغوّل الذكوري.

وعلى رغم أنّ المجتمع الغربي له ظروفه التاريخيّة ومبرراته الموضوعيّة لنشوء مثل هذه الحركات الاجتماعية حيث كانت المرأة تتمتع بمكانة دنيا في القرون الوسطى ولم تكن لها أي حقوق، في المقابل لم يكن لدينا مثل هذه النظرة الدونية للمرأة في العالم الإسلامي «يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى» (الحجرات: 13)، «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» (التوبة: 71).

ولم يمنع ذلك من دخول الفكر النسوي إلى المنطقة العربيّة نتيجة الاصطدام بالثقافة والحضارة الغربيّة، فكان الخطاب النسوي جزءاً من خطاب روّاد النهضة في العالم العربي الذين احتكوا بالثقافة الغربيّة مثل رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين وفرح أنطون وغيرهم، وكان للناشطات الإناث دورهنّ أيضاً في هذه الحركة مثل المفكرة المصريّة هدى شعراوي.

إلا أن هناك نوعاً من المغالاة وعدم الدقة في وصف ما لدينا بالحركة النسويّة، بل ومحاولة ربطه بأحدث موجات الحركات النسويّة في الغرب. فعلى رغم أنّ الحراك النسائي في المنطقة العربيّة سجّل العديد من النجاحات، فإنّنا لا نستطيع أن نطلق عليه حراكاً نسويّاً حقيقيّاً يرقى إلى الفكر النسوي الغربي؛ لأنّ أهمّ جانب في التنظير لهذا الفكر مفقود وغائب، وهو الجانب الفلسفي التنظيري مع وجود بعض الاستثناءات القليلة. ما لدينا هو توصيف لبعض مشاكل النساء المضطهدات واستغلالهنّ من قبل الرجل من دون أن يؤسس هذا الفكر على قاعدة فلسفيّة متينة وصلبة.

كذلك فإن عنوان «النسويّة السعوديّة الحديثة» يحمل الكثير من المبالغة في وسم الحركة النسوية في المنطقة بالنسوية الحديثة، وكأنّ هناك تعاقباً تاريخيّاً واضحاً وملموساً للحركات النسويّة العربيّة، فضلاً عن نسبة منطقة جغرافيّة معينة للحراك النسوي وكأن هناك نسويّة سعوديّة ونسويّة بحرينية ونسوية مصريّة. في حين أنّ وصف الحركة النسويّة بالعربيّة لا يقدم الصورة الحقيقّة لهذا الفكر؛ لأنّ كلّ ما لدينا هو ترجمة وتبن للمقولات الغربيّة من دون مراجعة للظروف الموضوعيّة والتاريخيّة التي نشأت فيها هذه المقولات.

الثيمة الرئيسة في الدراسة هي دراسة سيكولوجية التديّن، ولكن ما الذي يعني مصطلح سيكولوجيّة التديّن. هل يعني محاولة دراسة العوامل النفسيّة التي تجعل من المتديّن متديناً، أم دراسة تأثير التديّن على المظاهر الحياتيّة للمتديّن، أم محاولة للغوص في الجانب الذاتي للمتديّن لمعرفة التجارب الفرديّة له وتمييزها عن باقي التجارب الإنسانيّة.

بما أنّ الدراسة هي من الحقل الأدبي وتحديداً في جنس الرواية، لنستمع لما يقوله الناقد عن الرواية «الرواية هي حياة لم نعشها ولن نعيشها، وقد نعجز عن أن نعيشها، ولا توجد حقّاً إلاّ كمشروع متخيّل».

إذا كانت الروايات لا تمت إلى الواقع بصلة بل يصعب أن توجد في الواقع وإنما مساحتها المخيلة ووجودها متخيّل FICTION، فكيف يمكن أن يتصل الأدب بالحياة، وأن نستند إلى الأعمال الأدبيّة والروايات كي ندرس منها الواقع وتأثير بعض العوامل مثل الدين على نفسيّة الفرد وشخصيته. يواصل الكاتب «من هنا جاءت هذه الأعمال لتكون بمثابة الحضن الذي تمكن من احتضان العديد من قضايا المجتمع واستيعابها، بوصف هذه الأعمال الروائية خطاباً جمعيّاً يشكّل الوعي العام روائيّاً وليس خطاباً فرديّاً ذا تجربة فرديّة».

ما يطرحه الناقد من توصيف للعمل الروائي يتعلّق بالروايات الخمس التي اختارها كنموذج في دراسته لكاتبات سعوديات؛ وهي: «هند والعسكر» لبدرية البشر، «ثمن الشوكولاته» لبشائر محمد، «الآخرون» لصبا الحرز، «سعوديات» لسارة العليوي، «القرآن المقدس» لطيف الحلاج.

وبما أنّ هذه الروايات تنتمي إلى الحقل النسوي فيجدر معرفة نمط هذا النوع من الكتابة النسوية، يكتب الناقد «فهذه الروايات تشير إلى نمط من الكتابات السرديّة المتخذة من الفنّ السردي منطلقاً للتعبير عن جدل الذات مع الواقع هاربة من الكائن إلى واقع ينبغي أن يكون حتى لو في المتخيل السردي».

هل يكفي هذا التوصيف لتمييز ما يعرف بالكتابة النسويّة، ألا ينطبق ذلك أيضاً على حقل الكتابة الأدبيّة الذكوريّة. كلّ ما يرد في الفقرة هو توصيف لنمط عام في الكتابة الأدبيّة، وفي الحقيقة فإن كلّ الأدب الناجح هو هروب من الواقع إلى واقع سردي متخيّل.

فإذا لم يكن لهذا النوع من الكتابة من وجود في الأدب، صعب الحديث عن وجود حركة نسويّة، فضلاً عن الحديث عن وجود تلونات لهذه الحركة فكريّة أو جغرافيّة. وهكذا فإننا أمام دراسة موضوعها الوهم بوجود حركة نسويّة، ووجود نمط من الأدب والكتابة وهو النمط النسوي في الكتابة.

في المقابل فإنه من الصحيح أنّ الأدب هو حقل الخيال، وأنّ الأعمال الناجحة هي التي تعانق الخيال وتقدم الأدب كالسحر، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أن كلّ ما هو خيال فاقد للقيمة، فالخيال يقدم الواقع بشكل أفضل، وهذه هي مهمّة الأدب، لكن ما لا نستطيع إنكاره، هو أنّنا أمام أعمال موجودة وموثقة ومكتوبة لكاتبات من منطقة جغرافيّة معينة وتعالج قضايا موجودة وحساسة في المجتمع.

في دراسته يقول حسين: «حاولت الروايات أن تزعزع طبيعة الاستقرار التقليدي الثابت، وتلجأ إلى تشكيل حالة من عدم الاستقرار الداعية إلى التجدد الدائم في تفكيك عوالم المجتمع عامة والمرأة على وجه أخص».

دائماً كان الشغل الشاغل للمجددين هو زعزعة الثوابت وكسر البديهيّات واليقينات سعياً نحو خلق ثغرة تمكن من طرح المفاهيم الجديدة وهدم التقاليد البالية التي تعوق التقدم. والروايات المقدمة بهذا التوصيف يمكن وصفها بالمجددة والتغييريّة التي تسعى نحو فتح فضاء جديد للقول في مجتمعاتنا. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أنّ جميع الروايات المقدمة هي من منطقة جغرافيّة معروفة بمحافظتها وتمسكها بالعادات والتقاليد؛ أدركنا معنى وأهمية التجديد وزعزعة الاستقرار التقليدي الثابت.

في الروايات المقدمة نماذج عدة تقدم فكرة التجديد هذه وفكرة هدم الثوابت، بل إنّ في بعضها نماذج لأفكار صادمة جدّاً في المجتمعات المحافظة.

لكن هل يمكن القول إن النماذج الروائية التي قدمت تعبر بصورة صادقة عن حقيقة التديّن في المنطقة وتصف الناحية السيكولوجيّة فيه؟ هل ساهمت الكتابة النسويّة، إن وجد توصيف بهذا المعنى، في بلورة صورة واضحة عن مشاكل التديّن والمتدينين في المنطقة وتقديم عناصر مهمّة في سيكولوجيّة التديّن؟

هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الناقد في ختام دراسته «حاولت هذه الأعمال تعرية المجتمع وبعض الممارسات التي تعنون باسم الدين، ومناقشة الحالة القبلية والعشائرية والطائفية والعرقية، فعلى رغم أنها لعبت على وتر الممنوعات أو التابوهات والإثارة، فإنها كانت أعمالاً شابها التسرع، وفقدان الكثير من شروط الكتابة الروائية».

حكم نعتز بها كثيراً من ناقد متمرس، ويؤكّد ما قدمناه بداية عن خطورة علاقة الأدب بالحياة، فهناك خيط فاصل دقيق بين اللعب بالخيال واللعب على الخيال، الأوّل هو صنعة وحرفة الروائي لتقديم عمل أدبي متميز يساهم في إثراء الواقع، أمّا الثاني فيلعب على وتر المتخيّل والممنوع لخلق إثارة مصطنعة تحققّ رواجاً وهميّاً دوافعه شخصيّة ولا تخدم المجتمع في شيء.

العدد 3927 - الجمعة 07 يونيو 2013م الموافق 28 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً