العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ

«وعاظ» التيار الوطني الديمقراطي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يبدو أنه صار لزاماً على بعض «الوعاظ» من المنظرين المتحذلقين وكتبة الأعمدة اليومية في الصحافة المحلية افتتاح مدرسة لهم أو كلية جامعية يُعلمون فيها المنتسبين للتيار الوطني الديمقراطي ومناصريهم الدروس التلقينية التي لا ينفكون يومياً عن تلقينها لهم عبر أعمدتهم اليومية وتحليلاتهم الباهتة. فهؤلاء الوعاظ ينشطون كترس في آلة الحكم التي لا تتوقف لالتقاط أنفاسها في التهجم وممارسة المكائد والألاعيب بحق من رفض «المهادنة» من المعارضة السياسية واتخذ موقف المراقب الناقد والمحاسب اليومي لكل ما تمارسه هذه الآلة من فساد وسرقة للمال العام وتخريب في بنية المجتمع.

هذا النوع من «الوعاظ» يستحق من الباحثين وعلماء النفس الاهتمام والتأمل والدراسة المستفيضة للكشف عن مواطن الخلل النفسي الذي يعانون منه تجاه الآخر المختلف والمعارض للحكم، والذي يسعى إلى تغيير واقع مجتمعنا للأفضل والأحسن. بعضهم تجاوز حدود الثقة بالذات إلى المستوى الذي بدأ يفقد صوابه الأخلاقي والمهني في التعاطي مع عملية الاختلاف والتعارض مع برامج الحكم التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من علاج الأزمات العالقة والمستفحلة من تجنيس وبطالة وعدم توافر سكن لائق وتدني مستوى التعليم والمحسوبية والإشكالية الدستورية بما يشوبها من خلل في نظام الرقابة والتشريع والانتخاب والقوانين والتشريعات المنقوصة التي لا تتناسب ألبتة مع مرحلة التحولات الديمقراطية التي يمر بها المجتمع. وثمة من يضرب الودع منهم ويقرأ لنا فنجان قهوة الصباح ويتنبأ بالمستقبل الباهر الذي نراه فقط في الأحلام، وآخر يبصم بالخمس والعشر، وكأنهم جميعهم غدوا جهينة التي لا يفارقها الخبر اليقين.

لاشك أن هذا النفر من «وعاظ» التيار الوطني الديمقراطي المعارض قد نسى حجمه الطبيعي في الذاكرة الجمعية للناس، وتناسى أن صدقيته قد شابها الشرخ بعد تمثله دور الببغاوات! تشعبت مواعظهم وتعددت نصائحهم وهم يحللون ويتفكرون في ما جرى أثناء العملية الانتخابية ونتائجها، فتارة يجد بعضهم في تحالف «الوفاق» و»وعد» سبباً رئيسياً في عدم فوز الأخيرة في الانتخابات! وتارة من يرى أن العلاقة بحد ذاتها مغامرة غير محسوبة ولا مأمونة! وأنه -أي التيار الوطني الديمقراطي- للتو يكتشف ذاته ويتبين الهوة التي بينه وبين قواعده، لا بل ان ذلك النفر من «الوعاظ» قدم النصائح تلو النصائح «للتيار» داعياً إياه إلى العمل بجد خلال الأربع سنوات المقبلة على كسب الجماهير في الدوائر الانتخابية تمثلاً بالطبع بتجربة «أحد نواب البرلمان الفائزين» في الانتخابات بسبب ما حققه ذلك النائب من ثورة، بحسب زعمهم، في علاقته المميزة مع جماهير دائرته!

تعددت مواعظهم ونصائحهم وبقى قدحهم بارزاً ومستبطناً في وحدة يلتقي حولها سعيهم الحثيث إلى تجريم وتقزيم التيار الوطني الديمقراطي لأنه معارض للفساد والسرقات والغش والنفاق، ويرفض التلاعب بالنتائج والإحصاءات وفقدان الرقابة الشعبية والدولية، ويشجب إغراق السوق الانتخابي بالمال السياسي والتشهير والقذف. لا ريب أن الفزع والغضب قد برز جلياً كرد فعل على عقلانية خطاب التيار الوطني الديمقراطي وقوته وتميّزه وتجذره وتجدّده وبرنامج عمله الذي قدمه للمواطن وكشف من خلاله الذمم المالية لقياداته التي لم يقوى على هضمها منافسوه ولا مناكدوه.

وها هي إحدى الواعظات التي «لم يفقس قلمها من البيضة بعد» تقرر أن التيار الوطني الديمقراطي، غير قادر على المناورة السياسية، وغير مرن في تقديم التنازلات، وتوصلت بقدرة قادر من خلال الغبش الذي غطى قلمها، إلى أن هذا التيار سيبقى خارج اللعبة السياسية لأن أجندته متهالكة! يبدو ان بعض هؤلاء «الوعاظ» المتهالكين يعيشون زمناً ماضوياً متخلفاً عن الحاضر والمستقبل ويغطون في سبات عميق!

في هذا السياق، هناك من اعتبر نفسه شاباً يافعاً وطلع علينا بمقولة: ان القيادات القديمة تعرقل مسيرة التيار الوطني الديمقراطي، العجيب أنهم لا يتجرأون على نقد التوزير الجديد المتضخم الذي يحتفظ فيه بعض الوزراء القدامى بمناصبهم لمدة تفوق الثلاثين عاماً أو أقل بقليل، أليس في ذلك عرقلة لمسيرة التنمية في مجتمعاتنا حينما يفتقد «السيستم» للدماء الجديدة؟ التسطيح بلغ مداه في قول البعض: إن الاحتقانات سببها التحالفات غير المنطقية! هم حتماً، يقصدون التحالفات ذاتها التي سعوا إليها بأنفسهم وزحفوا قبيل الانتخابات بوقت قصير، ومن أسفٍ لم تأتي بثمارها في سلالهم، فما كان من المنطقي إلاّ القول بأن تحالفات الآخرين غير منطقية، والآخرون حتماً هم «الوفاق ووعد»!

حسناً، لقد بلغ التنظير والتفلسف عند بعض «الوعاظ» إلى حد المطالبات الساذجة والغبية الى حث إحداها جمعية «وعد» إلى عقد تحالف فيما بينها وبين الحكم وحلفائه من السلف والأخوان، عوضاً عن تحالفها مع جمعية «الوفاق»، ذلك لأن ما يجمعها مع الحكم وحلفائه حسب زعمهم أكثر مما يفرّقهم! أهي نكتة سمجة نقرأها، أم إنه فيض من غيض الهراء! يحدثنا الباحث العراقي علي الوردي في شأن الوعاظ والناصحين في كتابه «وعاظ السلاطين» عن هذا النمط المتلون من البشر فيقول: «... الغريب أن الواعظين لا يتبعون النصائح التي ينادون بها. فهم يقولون للناس: نظفوا قلوبكم من أدران الحسد والشهوة والأنانية، بينما نجدهم أحياناً من أكثر الناس حسداً وشهوة وأنانية! الواعظون لا يهتمون لو كان المغني يغني للخليفة فتهتز على صوته بطون الجواري، ولكنهم يهتمون كل الاهتمام إذا رأوا صعلوكاً يغني لنفسه أو لأهل قريته من الفقراء والمساكين». مضيفاً»... إن الواعظين كانوا وما يزالون، يعيشون على فضلات، موائد الأغنياء والطغاة، ومشكلتهم أنهم يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكوم.

فتجدهم يعترفون بنقائص الطبيعة البشرية حين يستعرضون أعمال الحكام. فإذا ظلم الحاكم رعيته أو ألقى بها في مهاوي السوء، قالوا: إنه اجتهد فأخطأ، وكل إنسان يخطئ، والعصمة لله وحده».

ويتوصل الوردي إلى خلاصة مفادها، أنهم بشر يعانون من ازدواج الشخصية، التي تؤدي بهم إلى التزلف للحكام والنفاق في القول والفعل. إلى ذلك، ثمة ما يشي بأن نزعة نقد المعارضة السياسية إجمالاً، والتيار الوطني الديمقراطي الذي يطلقون عليه صفة «الليبرالية» قسراً، أما جهلاً أو لأمر في نفس يعقوب، قد أصبحت على يد بعض المنظّرين وكتاب الأعمدة من «الوعاظ التلقينيين»، حالة انتقامية مزمنة يسودون فيها الورق بأحبارهم المليئة بالانحرافات الفكرية والسياسية التي تنم عن جهالة وقصر نظر وغرور ونرجسية، فضلاً عن وقوعهم تحت طائلة من المتناقضات التي تتجاذبهم فتتغلب فيها مصالحهم الشخصية التي غالباً ما تتعمق مع عطايا الحكم والدعم و(الرزّه) على حساب احترامهم لأنفسهم ولرسالتهم الصحافية التي تتطلب الإنصاف والموضوعية عند عرض المواقف وتحليلها.

«وعاظ» التيار الوطني الديمقراطي من بعض المتحذلقين وكتبة الأعمدة، نحن بانتظار افتتاح مدرستكم أو جامعتكم، لنتعلم منكم أصول التفكير والحوار والاختلاف والتحليل، ونعلمكم بدورنا، أن الحرية عند الأحرار أثمن ما يملك الإنسان في هذا الوجود?

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً