العدد 1568 - الخميس 21 ديسمبر 2006م الموافق 30 ذي القعدة 1427هـ

الخطأ الكارثي

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

بعيداً عن كل المنغصات، نعِم سيدنا آدم وأمنا حواء بلذائذ جنات الخالق والبهجة والسرور والحياة الهانئة. لم يكن ينقصهما أي شيء لكي تستمر تلك الحياة الكريمة سوى إرادة التقيّد بأوامر المولى الذي وهبهما الحياة والعيش الهانئ. فما الذي حدث إذاً وما الذي دعاهما للإتيان بفعل المعصية؟ هل هو الطمع وحب الاستحواذ أم الجهل بقوة الخالق؟!

ربما لم يكن السبب من صنع أبينا آدم وأمنا حواء، إنما إرادة الله الذي له في خلقه شئون، إذ جعل النفس البشرية أمارة بالسوء، وبالمقابل زين الإنسان بالعقل وجعل الخير يخص والشر يعم، فكلما غلب العقل على النفس عم الأمن ونما الخير، وكلما غلبت النفس على العقل ظهر الفساد في الأرض وساد الدمار، وما قتل قابيل لأخيه هابيل في الأيام الأولى لبدء الحياة البشرية على الكرة الأرضية إلاّ أول مثال على خبث النفس البشرية التي حينما تتحكم في العقل تولد الكوارث لبني البشر بما يسكنها من غيرة وحسد وحب الاستحواذ ولو أدى إلى سفك الدماء، وهو ما اعترى ذرية آدم منذ لحظة البداية في تاريخ البشرية.

فمنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا جرت كل الحروب على هذا النمط، نمط حب الاستحواذ، بمعنى أن المناداة بالعدل والمساواة والديمقراطية ما هي إلاّ ديكور للوصول إلى الهدف الحقيقي وهو حب السيطرة والإملاءات التي باتت واضحة في كل عصر باستثناء فترات الأنبياء، وما عدا ذلك كانت عصور ثعابين زاحفة للسيطرة على مقدرات الآخرين حتى في الدول الأكثر تقدماً إلى أكثرها جهلاً بمبادئ العدل والمساواة.

أميركا البلد الديمقراطي لم تكن عادلة مع الهنود الحمر، ولم تكن كذلك مع الدول الأخرى الأضعف منها. والعالم العربي الذي حباه المولى بالرسالة المحمدية الناطقة بلغته لم يكن بما أكرمه الخالق عادلاً في توزيع جزء من الثروة بل استحوذ على كل النعم ولم يفكر يوماً فيما أمره المولى حتى بتزكيتها أو توزيع جزء منها على مسلمي دول العالم الأكثر فقراً.

الكل بات يتصارع ويصارع الأقل منه قوة ليحقّق انتصاراً للنفس وحبّ الاستحواذ بالضبط كما فعل قابيل، إذ بات ذلك الفعل سنّة الحياة الدنيا الفانية التي سيأتي يوماً ويتركها الحاكم والقائد والغني والفقير لرحمة الله. كما تركها قارون وفرعون وهامان! فـ «كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماءُ والأرضُ وما كانوا مُنظَرِين» (الدخان: 25 - 29). كلهم ذهبوا طلباً لرحمة الخالق.

هكذا هي الدنيا تجسّد درساً لعلنا نتعظ بها أو نقيسها على عالمنا الصغير الذي نعيش فيه، إلاّ أننا على رغم كل الدروس مازلنا نعيش عل النمط القاتل نفسه، لا شيء تغيّر، شعوباً وحكومات، كلٌ يريد أن تكون له الغَلَبَة أو حب السيطرة والاستحواذ مهما كانت النتيجة، مع أننا الآن نعيش أحلى أيام الحوار للوصول لأسعد الأيام... هل اعترانا شؤم قابيل ؟! أم أنها سنة الله في خلقه؟ نسألك اللهم اللطف بنا?

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 1568 - الخميس 21 ديسمبر 2006م الموافق 30 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً