العدد 3930 - الإثنين 10 يونيو 2013م الموافق 01 شعبان 1434هـ

حركة النهضة التونسية... تحديات المرحلة والأسئلة الحارقة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تعيش بعض المحافظات في الجمهورية التونسية على وقع احتفالات حركة النهضة التي ترأس الائتلاف الحكومي في هذه المرحلة الانتقالية. احتفالات تأتي بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين للإعلان عن تأسيس هذا الحزب الإسلامي. ففي 9 يونيو/ حزيران 1981 تم الإعلان رسمياً عن تأسيس حزب حركة الاتجاه الإسلامي، ولئن تميزت لقاءات رموز الحركة بقواعدها في هذه الذكرى بصبغة احتفالية وفي مهرجانات خطابية، فإن ذلك لا يمكن أن يحجب حجم التحديات التي تواجهها الحركة منذ وصولها إلى سدة الحكم إثر انتخابات أكتوبر/ تشرين الاول 2011.

عرفت حركة النهضة تطوراً؛ فقد بدأت حركة دعوية، لإحياء عقائد الإسلام وتحريرها من الخرافات وإعادة تأصيل الإنسان التونسي في جذوره الإسلامية تواصلاً مع الفكر الإسلامي الحديث الناشئ في المشرق الإسلامي مطلع القرن العشرين، ثم انتقلت تدريجياً إلى حركة تحمل بدايات مشروع سياسي حضاري تجديدي يستند إلى مبادئ الإسلام. ويعتبر الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة وأحد أبرز مؤسسيها أن «من ملامح هذا التجديد نصت عليه وثيقة البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي التي لا تقدم نفسها على أنها ناطق رسمي باسم الإسلام في تونس، ولا تطمع يوماً أن ينسب إليها هذا اللقب؛ فهي مع إقرار حق جميع التونسيين في التعامل الصادق المسئول مع الدين».

وقد ناضلت الحركة من أجل الحرية بما هي قيمة مركزية دخلت بها الحركة الساحة السياسية والساحة الفكرية، وظل الغنوشي يؤصل لهذه القيمة في الفكر الإسلامي من خلال ما ينشره من كتب، وما يذيعه من محاضرات. وقد وجدت فكرة الديمقراطية مكاناً فسيحاً لتمثل أيضاً أحد أهم محاور النضال للحركة الإسلامية في تونس، حيث أكد زعيم الحركة، في أكثر من مناسبة، أنه لا تناقض أبدا بين الديمقراطية وبين الإسلام وبين الحداثة الحقيقية وبين حقوق الإنسان وبين حرية المرأة والمساواة، فهذه دوائر أساسية في فكر الحركة الإسلامية التونسية». واستطاعت الحركة بهذا الخطاب أن تستقطب وتجمع حولها آلاف الأنصار، حتى كانت الانتخابات الأخيرة حيث ظهر الحجم الحقيقي للحركة، ما جعل الشيخ عبدالفتاح مورو، الرجل الثاني في الحركة، يقول: «على المجتمع التونسي أن يضع في حسبانه أن حركة النهضة رقم لا يمكن استبعاده من المعادلة السياسية».

غير أن الحركة، وفي زخم احتفالاتها بالذكرى 32 لتأسيسها، لا يمكن أن تتجاهل حجم التحديات التي باتت تواجهها وتتحمل مسئولياتها. فالغموض الذي يلف المشهد السياسي الراهن في تونس يطرح ألف سؤال وسؤال؛ إذ البلاد تعيش على وقع تحولات متسارعة وهزات متعاقبة وتناقضات اجتماعية تلفت الانتباه في الداخل والخارج. وفئة من الشباب قد تضطر إلى الموت هنا أو هناك بحثاً عن جنة موعودة في الدنيا أو في الآخرة.

ولعل من أبرز التحديات السياسية التي لاتزال النهضة مع حلفائها عاجزة على البت فيها هي معضلة الانتهاء من صياغة الدستور الجديد وموعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة للخروج من المرحلة الانتقالية المؤقتة. أما على المستوى الاجتماعي فإن بروز ظواهر هجينة وغريبة على المجتمع التونسي كالتشدد الديني لدى التيارات السلفية الجهادية وعدم التوصل معها إلى حلول قائمة على الحوار، لايزال يمثل عقبةً كأداء أمام الاستقرار والأمن الاجتماعي. ولعل حركة النهضة مدعوة مع حلفائها إلى الإسراع في غلق هذا الملف دون الإخلال بمبادئها التي ناضلت من أجلها، وتلك معادلة دونها صعوبات جمة.

ومن التحديات التي تواجه الحركة في علاقة قواعدها بكوادرها، هو دعوة البعض إلى الفصل بين الحزب السياسي والحركة الدعوية الدينية التي تأسست عليها الحركة، إذ هي نشأت أساساً لأبعاد ثقافية واجتماعية من منظور إسلامي، وهذا الفصل يمكن الحركة من أن تأخذ مسافةً من أداء الحكومة التي ترأسها النهضة ومن أداء المجلس التأسيسي الذي يكون نوابها أغلبيته.

ومن الأسئلة الحارقة المطروحة على الحركة اليوم: «هل سيقبل الجيل الذي أسس الجماعة الإسلامية عام 1972 وقاد حركة الاتجاه الاسلامي ما بين 1981 و1988 ثم حركة النهضة منذ 1988، أي تلك الزعامات التاريخية التي تعرضت مطولاً للقمع والسجن والنفي، أن تتخلى عن مواقعها الحزبية والحكومية، وأن تسلم المشعل للشباب وللكفاءات الوطنية الأكثر خبرة والتي تزخر بها الإدارة التونسية ومؤسسات الدولة؟».

وأخيراً، وفي علاقتها بالدولة المدنية، هل أن الحكام الحاليين في تونس مستعدون لقبول مبدأ التداول على الحكم؟ «ذلك أنه لا سابقة لنظام يريد لنفسه أن يكون إسلامياً ثم يتخلى عن الحكم بعد انتخابات حرة ونزيهة» كما يرى الباحث والمتخصص في الفكر الإسلامي عبدالمجيد الشرفي. ذلك ما يمكن أن نجد له إجابة فورية على لسان مورو حيث يقول: «يمكن القبول بالخسارة السياسية، فالسياسة مجعولة للتداول غير أن هدفنا أن يكون لنا وجود محترم قانونياً في البلاد، سواءً كنا في سدة الحكم أو مشاركين فيها أو تحتها مع المواطنين».

لكن إلى أي مدى يمثل رأي مورو وجهة نظر الحركة وهو الذي طالما صدع بآراء وتصريحات لا تتوافق مع التوجهات العامة للحركة، ولا للحكومة التي ترأسها النهضة؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3930 - الإثنين 10 يونيو 2013م الموافق 01 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:35 م

      نرجو أن يكونوا في حجم المرحلة

      المرحلة جدا صعبة : تغول أمركي نفوذ تركي بروز السلفية الجهادية الصراع في سوريا.... كان الله في العون + تجربتهم السياسية في الحكم ضعيفة
      نسأل الله حسن العاقبة

    • زائر 3 | 7:12 ص

      تحديات لجميع الاسلاميين

      انها تحديات تواجه الحركات الاسلامية عموما في عموم المنطقة من تركيا إلى مصر وتونس والعراق وايران وليبيا. تغيرات لابد منها.

    • زائر 2 | 1:32 ص

      اقتراح وجيه

      ومن التحديات التي تواجه الحركة في علاقة قواعدها بكوادرها، هو دعوة البعض إلى الفصل بين الحزب السياسي والحركة الدعوية الدينية التي تأسست عليها الحركة، إذ هي نشأت أساساً لأبعاد ثقافية واجتماعية من منظور إسلامي، وهذا الفصل يمكن الحركة من أن تأخذ مسافةً من أداء الحكومة التي ترأسها النهضة ومن أداء المجلس التأسيسي الذي يكون نوابها أغلبيته.

    • زائر 1 | 11:40 م

      حجم التحديات

      كبيرة هي والمرحلى الحالية لأشد معيار لمعرفة مدى قدرة هذه الأحزاب الإسلامية في الحكم

اقرأ ايضاً