العدد 3941 - الجمعة 21 يونيو 2013م الموافق 12 شعبان 1434هـ

كاظم: يستقرئ مدونة الأمل في الربيع العربي

في كتابه الجديد «إنقاذ الأمل»

تزامناً مع فسحة التفاؤل التي فتحها الربيع العربي، في الجدار المتصلّب والمتأبي على التغيير والتّقدم والنّهضة عربيّاً، راح الناقد الثقافي والباحث الأكاديمي نادر كاظم في كتابه الجديد «إنقاذ الأمل: الطريق الطويل إلى الربيع العربي» والصادر عن دار مسعى للنشر والتوزيع، الكويت، يستقرئ مدونة الأمل في الثقافة العربية.

وعلى طريقته وقف مع ثلاث محطات؛ أولها جيل التنويريين والأمل الذي زرعه الحلم بالنهضة عبر البعثات التي أوفدها محمد علي للغرب في مطلع القرن التاسع عشر، وعلى رأسهم رفاعة الطهطاوي ومجايليه. وثانيها موجة الأمل التي صاحبت جيل منتصف القرن العشرين حيث الحلم بالتحرر الوطني من ربقة الاستعمار ورؤية الثورة والتغيير الجدري. وثالثها موجة الأمل التي تجددت عبر التبشير بالديمقراطية والتي تلاشت مع تفريغ الديمقراطية من لبها وتصييرها حالة شكلية تتقنّع بها الأنظمة، وتتزيّن بها من غير مضمون عملي.

هذه المحطات الثلاث رآها كاظم أساسية للآمال التي شكلت طموح المجتمع العربي في النهضة والتّقدم، والتي يؤسس بها لقراءة حالة الأمل التي انبعثت مع موجة الربيع العربي، فراح يجس نبض الأمل في المجتمع العربي من خلالها ويستقرئه «كحالة ثقافية» قابلة للسبر والاستكشاف، محاولاً تحقيب موجات هذا الأمل والنظر في مآلاته في كل محطة وموجة من الموجات الثلاث.

القارئ المتعجل وأفق التلقي

هذه المرة أحب كاظم أن ينجز تمام كتابه، ثم يسوقه للنشر على غير عادة من الكتب الثلاثة السابقة التي أخذ يراوح في إنجازها أو نشرها شيئاً فشيئاً كمقالات في الصحافة، مما كان يساهم ربما بشكل وآخر في إعادة توجيه خطة الكتاب أو إعادة صياغة بعض الأفكار بحسب ما يستدعيه أفق التلقي حين النشر المتدرج من ردّات الفعل التي تفتح للكاتب أحياناً أفقاً آخر، وتسمح له تدويل أفكاره ومقولاته قبل اتخاذها مكانها في الكتاب في صيغتها النهائية، والتي كانت تصنع على عين القارئ وبين يديه، بينما فصول هذا الكتاب وأفكاره لم تر النور إلا في هذه الصيغة النهائية ككتاب مكتمل. وربما كان لهذه الصيغة أن تحرمنا من أن نكون مؤلفين ضمنيين معه، وحرمنا من تلقي أفكار الكتاب شيئاً فشيئاً فتكون لنا ملاحظات أو مداولات مع كل فكرة من أفكاره حين تلقيها بتؤدة وعلى نار هادئة، وهذا ربما جر بعض المتلقين للتعامل مع الكتاب بشكل سريع من حيث الحكم له أو عليه.

هل هناك مَن تنبأ بالربيع العربي؟

منذ البداية وفي صيغة تنبؤية راح كاظم يسرد لنا حكايته مع كتابه الجديد الذي اشتغل عليه وشرع فيه كما يذكر منذ 2010 ملمحاً للقارئ من طرف خفي أنه قد تنبّأ بشيء من مؤشرات هذا الربيع العربي، ولو على مستوى تتبعه لحالة اليأس التي انتابت المجتمع العربي في الخلاص من أتون التخلف وحالة التّمنع من التّقدم، على رغم موجات الأمل المتعاقبة التي انتابته في كل مرحلة ومع كل جيل من أجيال النهضة في المجتمع العربي، بما يشي بأن الكتاب ليس رصداً للأمل فقط بل هو جس لحالة الخفقان المتراوحة بين اليأس والأمل، وكأني به كان في البداية رصدا لحالة اليأس التي خيمت على المجتمع العربي، لكن الكاتب تحول إلى رصد الأمل تزامنا مع ما فتحه الربيع من فسحة في جدار التمنع العربي عن التغيير والتقدم والنهضة.

وجبة دسمة وحبكة سائغة

في هذا الكتاب يبدي كاظم قدرته الموسوعية بشكل مبهر كعادته عبر استجماع المصادر والمراجع العديدة التي سبقته ونظّرت للموضوع، وأهم الإشارات من أرقام وأسماء وأفكار كبرى، وإعادة سبكها وإدراجها ضمن حبكة الكتاب كوجبة سائغة متجانسة والتي رغم دسومتها يسهل هضمها، بسبب القدرة على السبك وإعادة حبكها ضمن أطروحة الكتاب، غير متناسٍ النقد والتحليل والإضافة ومحاججة الفكرة ما أمكنه الحجاج، كما هي عادة كاظم في كتبه السابقة، بالإضافة إلى أن كاظم هاهنا يدرج اسمه ضمن المفكرين الذين يشتغلون على مسألة النهضة، وهي مسألة أصبحت عند البعض شرطاً من شروط المفكر العربي، وجزءاً مهمّاً في اشتغلاته الأولية.

فكرة التقدم عند التنويريين

وإذا دار الحديث حول الأمل الذي تبعثه فكرة السعي نحو النهضة؛ فإنه لابد من قراءة فكرة (التقدم) وهي إحدى الأفكار الكبرى التي دار حولها الكثير من النقاش حين الحديث عن أدبيات النهضة في الفكر العربي، وهنا يقف كاظم مع هذه المفردة مستقرئاً ومحللاً وناقداً، فيشير إلى «توسل جيل التنويرين بفكرة التقدّم من نظرية دارون في التطور وتدرج الأحياء ورقيها، وأن مخالفتها خروج عن السنن الطبيعية»، مؤكداً أن هذه الفكرة هي إحدى الأفكار الكبرى المستلهمة من التنوير الغربي والفرنسي، وهي فكرة قائمة على التفاؤل بالمستقبل رابطاً ذلك بنظرة هيغل للزمن من طفولة الوعي إلى النضج، معضداً ذلك بتفاؤل الشاعر الإنجليزي ملتون في بلوغ البشرية للرشد، وإيمانويل كانت في المسير نحو عصر الأنوار.

وفكرة التقدّم بهذا التتبع الذي عرضه كاظم تشي بنظرة تفاؤلية للزمن حيث لابد للبشرية من الانتقال من طور إلى طور حتى بلوغ التقدم المنشود كسنة من سنن الحياة، تولّد عنها الإيمان التام بحتمية التقدم والنهضة، ولعل هذا ما جعل جيل التنوير يكون بهذه البرودة والاتكالية الفكرية والاسترخاء في توسل التغيير والاعتماد على التدرج واستسهال مسألة النهضة حد السذاجة بحسب توصيف كاظم وهو خلاصة نقد الجيل الثوري لجيل التنويريين.

موجة الأمل الثانية في التغيير

وفي حين أن حال العرب ظل على ما هو عليه مع التنويريين؛ شرع كاظم في رسم خلفية لموجة الأمل الثانية مع ثورة (23 يوليو 1952م) في مصر، وسرد شيئاً من مجريات النكبة وحالة اليأس التي أطبقت على العرب، وما أعقبها من تنظيمات وحركات ثورية ساهمت في بعث حالة الأمل والتفاؤل بالتغيير، لكن هذه المرة بالتغيير الجذري والتحرر الثوري من قيد الإمبراطوريات الاستعمارية والأنظمة القديمة المهترئة، إلا أن هذا الرهان خاب أيضاً وتبدد الأمل بسبب المآلات التي آلت إليها الانقلابات العسكرية وتحولها إلى أنظمة دكتاتورية منتقلة من الحماس الثوري إلى الارتهان الأيديولوجي وأخيراً اهترائها ووصولها إلى حد الشروع في التوريث، مما أعاد المجتمع العربي مرة أخرى إلى حال خفقة اليأس الذي مازال يلح عليه ويراوحه بين فترة وأخرى.

موجة الديمقراطية

والمجتمع المدني

ثم يعبُر كاظم بقرائه إلى موجة الأمل الثالثة، وهي انبعاث فكرة المجتمع المدني والأمل في التقدم عبر التبشير بفكرة الديمقراطية التي تعد النخب الحاكمة في الحصول على الشرعية، وتحمل الشعب إلى المشاركة في القرار السياسي حتى جاءت حرب الخليج وكشفت زيف التوظيف الديمقراطي المفرغ من لبه، فلا الشعوب استشيرت في قرارات الحرب والتحرير، ولا الشرعية تمت للأنظمة فكانت الديمقراطية مجرد عباءة يتم التقنع بها، ومؤسسات المتجمع مجرد صورة يتم التظاهر بوجودها، بينما الفساد يمخر في المؤسسة الرسمية من دون رقيب ولا حسيب، بل ويتم استحداث مؤسسات مجتمع مدني مكذوبة تتم صناعتها بمقاسات الأنظمة ونخبها ويتم تفريغها من محتواها وتسييرها في خدمة الأنظمة، ما أعاد المواطن العربي مرة ثالثة إلى إحباطه المزمن.

مفهوم الزمن لدى الإنسان العربي

والظريف أن كاظم كان مشغولاً بالبحث في فكرة التقدم وما وراءها منذ زمن، حيث يلح عليّ المقام هنا أن أذكره بسؤال كان مهووساً به منذ أيام الدراسة في جامعة البحرين، وكان محط نقاش وحوار بين الأصدقاء، حيث كنا نتساءل ونحن نتبادل أطراف الحديث بعد مناقشة فكرة التقدم... يا ترى لماذا لم يتقدم العرب، والطريف أن الصديق كاظم كان يجيب أن السر بحسب رأيه أو بحسب ما قرأ يكمن في نظرة الإنسان العربي إلى الزمن، وهو انه لا يسير في خط أفقي إلى الأمام بل بخط دائري ينطلق من نقطة ويظل يدور حولها ولذلك يظل الإنسان العربي مهووساً بالماضي ويبدو كمن يتحرك ببطء شديد بسبب حالة الدوران الذي ينطلق فيه من تلك النقطة إلى دوائر أكبر وأكبر.

وأخيراً بعد هذا السرد الطويل جدّاً يدخل كاظم في الحديث عن الربيع العربي، وهو فعلاً كما هو عنوان الكتاب طريق طويل إلى الربيع العربي فلم يتبق لهذا الربيع سوى ما يقارب 100 صفحة من بين 300 صفحة عبرت بنا إلى الربيع العربي وعبّر عنها كاظم بالطريق الطويل، فبعد أن استغرق ثلث الكتاب لمناقشة الأفكار السابقة ها هو يشرع في الدخول إلى الربيع العربي عبر عنون: «نهاية السرديات الصغرى وبداية الربيع العربي» من خلال صيغ استفهامية عن مآلات هذا الربيع وهو ما أتركه لقراءة قادمة.

العدد 3941 - الجمعة 21 يونيو 2013م الموافق 12 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:14 م

      قراءة جميلة

      قراءة جميلة يا استاذ حبيب حيدر ...لكن متي يعود .د.نادركاظم للكتابه في جريدة الوسط يادكتور منصور الجمري

اقرأ ايضاً