العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ

أكراد سورية يسيرون نحو المجهول

اتسمت حياة الأكراد في سورية قبل الحرب بالمعاناة الشديدة مثلما هو الحال بالنسبة للأكراد في إيران. فهم يقاسون من حظر التجمعات السياسية وحتى الاجتماعية، ومن القيود على اللغة والثقافة الكردية، واقتلاعهم من مناطقهم، وحالات الاختفاء القسري... في وقت يعاني فيه مئات الآلاف من «طائفة» الأكراد الحرمان من الجنسية المحلية.

هناك نحو 40 مليون كردي يمثلون أكبر شعب بدون دولة اليوم. ويبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين في سورية -أكبر أقلية في البلاد- بما يماثل عدد العلويين، أي المجموعة العرقية والدينية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.

وبعد عقود من القمع الوحشي على يد بشار الأسد ووالده سابقاً حافظ الأسد، حاول الأكراد السوريون التمرد العام 2004. لذلك لم يكن مفاجئاً أن ينضموا للانتفاضة في مارس 2011.

وبعد مرور بضعة أشهر من اندلاع الانتفاضة الشعبية في يوريا، نفض الأكراد عن أنفسهم عبء سيطرة دمشق، وذلك بإقامة نقاط تفتيش خاصة بهم وحماية منطقة تتواجد فيها المراكز الاجتماعية، والمدارس الكردية والأحزاب السياسية -سواء الجديدة أو تلك التي كانت في الخفاء لعقود.

ومع ذلك، كان من الملفت للكثيرين أنه في حين كانت مقاتلات الأسد تسوي حلب بالأرض - وحلب هي ثاني أكبر المدن السورية على بعد 300 كيلومتر الى الشمال من دمشق- قال رجال الميليشيا الكردية لوكالة «إنتر بريس سيرفس» إنهم «لم يطلقوا رصاصة واحدة».

«فمنذ البداية، التزم الأكراد في سورية بثورتهم السلمية التي تهدف إلى إحلال السلام والديمقراطية في البلاد».

صالح، مهندس هو كيميائي سابق وزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الحزب المهيمن بين الأكراد في سورية وتشبه إيديولوجيته حزب العمال الكردي، وهو الحركة المسلحة التي تسعى للحصول على الحقوق والاعتراف بالأكراد في تركيا.

ويضيف صالح، «كنا نعلم أن نظام الأسد لن ينهار في شهرين، لذلك نظمنا شعبنا في لجان دفاع مدني لضمان سلامة مناطقنا».

هذا وبينما تهيمن الألوان الكردية -الأصفر والأخضر والأحمر- على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، فهي بالكاد مرئية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة العربية. ويبدو أن عودة الكردية هي عودة توازي الثورة الصامتة.

واليوم، يتجمع أكراد سورية حول أكثر من 30 حزباً سياسياً، أكبرها له صلات قوية مع الأحزاب السياسية الكردية في العراق أو تركيا.

ووفقاً لمسلم: تختلف الأحزاب الكردية في سورية في المكانة التي تسعى لتحقيقها، بدءاً من منطقة الحكم الذاتي على غرار كردستان في العراق - وهي تقريباً دولة بحكم الأمر الواقع- إلى «الاعتراف بالحقوق الدستورية للشعب الكردي في سورية.

وقال مسلم: «دمشق ليست خائفة منا لأننا لا نطالب حتى بمنطقة حكم ذاتي». وأضاف، «نحن نبحث فقط عن ديمقراطية تقرير المصير داخل حدود سورية».

ومازال الأكراد يسيطرون على مناطقهم في شمال شرق سورية ضمن التوازن الهش بين الجيش السوري الحر وجيش الأسد.

وإحدى العقبات الرئيسية في الحوار بين الأطراف المتحاربة هي تزايد تفرق وتجزئة المعارضة. وأدى إشراك جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» مثل جبهة النصرة، إلى انضمام المقاتلين السابقين في الجيش الحر إلى الميليشيات الكردية في حلب، حيث تم قصف الأحياء التي يسيطر عليها الأكراد -الشيخ مقصود والأشرفية في الشمال الغربي من المدينة- مراراً وتكراراً من قبل طائرات الأسد.

وكانت إحدى أعظم إنجازات الأكراد السوريين منذ بداية الانتفاضة هي توحيد جميع الفصائل في يوليو 2012 تحت رعاية مسعود البرزاني رئيس منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق. ومازال الانسجام فيما بينها بعيداً عن الاكتمال، ولكن يبدو أن العدو المشترك يعمل كقوة توحيد فعالة.

وعلاوة على ذلك، يتوجه العديد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني الى كردستان سورية بعد إعلان عبد الله أوجلان - مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون- وقف إطلاق النار والانسحاب من تركيا في مارس. فتضيف مثل هذه الخطوة إلى الدعم اللوجستي الذي يقدمه الأكراد العراقيون الذي أثبتوا أهميتهم الحيوية بالنسبة لأولئك في سورية.

لكن عدم اليقين طغى على المنطقة منذ بداية الحرب. فالأكراد السوريون هم على دراية بسياسات الأسد، ولكن هل يمكن لحكومة تقودها المعارضة في دمشق أن تكون أفضل؟.

«الأكراد سيقاتلون من أجل حقوقهم بغض النظر عمن يفوز في الحرب»، لكن كبار القادة السياسيين والعسكريين في المعارضة كانوا أعلنوا مراراً وتكراراً، وبشكل علني، بأنهم ليسوا حريصين على الاعتراف بحقوق الأكراد في سورية.

ولم يكن ذلك مفاجئاً لزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الذي قال: «لا يكفيهم مجرد كوننا مسلمين، هؤلاء الناس يريدون لنا أيضاً أن نكون عرباً، مشيراً إلى عقلية «متجذرة بعمق في المنطقة لعدة قرون ويطبقها الأسد وكذلك المتمردون السوريون».

وفي الوقت الحاضر، لا تكاد الثورات التي تهز شمال إفريقيا والشرق الأوسط منذ العام 2011 تشمل شعوباً أصلية غير عربية. وفي حين مازال البربر في ليبيا ينتظرون الاعتراف بهم في ليبيا ما بعد القذافي، يتعرض الأقباط في مصر للتهديد باستمرار منذ انهيار نظام الرئيس حسني مبارك.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، حققت دمشق انتصارات عسكرية مهمة لدرجة أن الجيش السوري يخطط بالفعل لهجوم نهائي على مدينة حلب. وأولئك الذين يعيشون في الأحياء الكردية بالمدينة، وأماكن أخرى في سورية، بدأوا يتساءلون عما قد يحدث إذا نجح جنود الأسد في طرق أبوابهم.

«الجبال هي أصدقاء الأكراد الوحيدين»... هذا ما يقوله الأكراد المحليين عن هذه الأمة التي ذبحها تاريخياً الحكام المحليون وتعرضت للخيانة من القوى الأجنبية.

وعلى الرغم من عزلتهم في تركيا وسورية وإيران والعراق، اتخذ الأكراد خطوات كبيرة إلى الأمام نحو الاعتراف بهم في العقود الثلاثة الماضية. فهل يمكن لأولئك الموجودين في سورية الاستفادة من هذه الفرصة الفريدة وتحقيق نجاحاً آخر؟

لقد انقسم المجتمع الدولي إلي كتلتين، فمن ناحية تدعم روسيا وإيران الأسد، يقدم الغرب الدعم العسكري إلى المسلحين السنة. إنه سيناريو الحرب الباردة حيث سيكون من الصعب أخذ «السبل الثالثة» في الاعتبار، مما سيترك مصير الأكراد السوريين معتمداً بالكامل على تضامن الأكراد في العراق وتركيا.

العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً