هنا إعلان ظريف ومهم في الوقت نفسه. فمع بداية النهضة الإدارية للبحرين مطلع القرن العشرين تم إصدار بعض التنظيمات والإعلانات الاجتماعية التي تخص النساء والرجال كأحد قطبي المجتمع لمراعاة الشرع والدين في تعاملهم ضمن سياق الحياة اليومية. ومن هذه التنظيمات الاجتماعية ما ورد ذكره في وثيقة هذا الأسبوع، التي اتخذت صفة الإعلان الحكومي الصادر من أعلى رأس في الإمارة آنذاك وهو حاكم البلاد فيما يخص مسألة الاختلاط بين الجنسين من الرجال والنساء في استخدام المواصلات العامة (الحافلات)، ومواقع عيون المياه الطبيعية التي يرتادها الجمهور البحريني للسباحة فيهاً صيفاً من باب الترفيه وإطفاء حرارة الطقس التي تكوي الجباه والأبدان نهاراً.

وإعلان اليوم هو الوثيقة التي كُتبت في الثاني من محرم للعام 1344 هـ (الموافق 25 يوليو/ تموز 1925م). ونصها يقول بالحرف الواحد:

«إعلان18 / 1344 دائرة بلدية المنامة نظرا لحاجة الناس الى (الى- مكررة) المياه للاستحمام وحذرا من اختلاط الرجال بالنساء نعلن للعموم انه يجب ان تخصص النساء في ذهابهن الى المياه على ابوزيدان ومسجد الرفيع فقط يومين في الاسبوع لا غير يوم الاثنين ويوم الجمعة وليس للنساء ان يذهبن الى عذاري بالكلية. وفي هذين اليومين الرجال ممنوعون عن ابوزيدان ومسجد الرفيع وبقية ايام الاسبوع خاصة بالرجال للرجال ان يقصدوا فيها المياه التي يرغبونها بلا استثناء وكذلك نعلن للعموم انه ممنوع ركوب النساء مختلطين بالرجال في المواتر في النهار والليل للجولات في السكك او الرواح الى المياه والمنتزهات وعلى البوليس المراقبة والملاحظة وعلى كل ذى مرؤة اذا رأي المخالف ان يخبر عنه البوليس والمخالف لمقتضي هذا الاعلان يكون مسؤلا وعلى الخصوص المخالفون من السواق (الدريويريه) وترفع الشكاية على كل مخالف ليحيط العموم بذلك علما.

حرر في 2 محرم 1344

عن مهر حمد بن عيسي الخليفة

محمد بن عيسى الخليفة»

عند التعليق على هذه الوثيقة التي مضي عليها ما يقارب نحو 88 عاماً، لابد من النظر لزمانها حيث الذي صدرت فيه والتعرف على طبيعة المجتمع وعلاقاته مع بعضه البعض وحرصه على التمسك بنواهي الدين والحفاظ على حرمة النساء في أكثر من موقع ولو بالقانون.

أضف إلى ذلك، أن الإعلان، وهو في منزلة القرار الإداري الحكومي المُلزم بقوة القانون، يلاحظ عليه أنه فتح المجال لكل (ذى مرؤة اذا رأي المخالف ان يخبر عنه البوليس). وبذلك فقد أشرك الإعلان الناس في الشارع، مهما بلغوا من الجهل أو العلم، في الإبلاغ عن المخالفين له كنوع من التعاون المبرر كما يبدو. وإن كان ذلك الأمر، كما هو في كل زمان ومكان، يُعتبر نوعاً من أنواع الفتنة أو التدخل من قبل مواطن عادي في شئون مواطن عادي آخر وهذا ما لا يحبذه الشرفاء من أهل البحرين عادة.

كما يلاحظ على الوثيقة ركاكة أسلوب كاتبها، لحداثة التعليم آنذاك، واستخدام الكلمات العامية في الإعلان مثل (بالكلية = منعاً باتاً، المواتر = السيارات، السكك = الطرقات، الدريويريه وهي تنطق أساساً عند العامة: دريويلية = سائق السيارة).

كذلك تم ذكر أهم المنتزهات وأماكن الترفيه صيفاً الخاصة بالسباحة للعموم وهي (عين عذاري، أبوزيدان، مسجد الرفيع). ويلاحظ أن كل هذه المواقع الترفيهية ذات المياه الطبيعية العذبة والمساحات الزراعية الخضراء والشاسعة تقع في عاصمة البحرين القديمة وهي البلاد القديم. ولا تبتعد هذه المواقع عن بعضها كثيراً فعين أبوزيدان هي جزء من امتداد الطبقة المائية نفسها لعين عذاري وهي اليوم في المنحدر المائل لداخل البلاد القديم قرب مركز شرطة الخميس. أما مسجد الرفيع فهو مسجد (الجمَّالة) وكان قد جدد بناؤه العام 2004.

إلا أن أهم ملاحظة في هذه الوثيقة هي منع النساء بشكل قاطع من السباحة في عين عذارى، على رغم أن تسميتها وحكايتها الأسطورية الشعبية المعروفة بين الأهالي في البحرين لها علاقة بالنساء والعذارى منهن بالذات! وتم اقتصار نزول النسوة البحرينيات لموقعين فقط هما عين أبوزيدان ومسجد الجمالية لتوافر السقوف في تلك المواقع لستر النساء أثناء السباحة بخلاف عين عذاري المكشوفة من أولها لآخرها حتى في مشاربها (سيبانها) كما هو مشهور عنها ومع ذلك فهي تسقي البعيد وتخلي القريب. وحتى عندما جاء «بلغريف» للبحرين وعمل كمستشار للحكومة وكان يستحم في عذاري في أيام معينة أسبوعياً؛ لم يكن يصحب معه زوجته، فقد بني لها بركة سباحة خاصة في بيته ومنتجعه الصيفي في حديقة البديع. وقد شاهدتُ تلك البركة العام 2010، إلا أنها هُدمت قبل فترة وجيزة وبُني بدلاً منها حديقة الزهور الحالية كما يبدو.