العدد 3973 - الثلثاء 23 يوليو 2013م الموافق 14 رمضان 1434هـ

قيمة التسامح في مناهج التعليم... دراسات في الثقافة الإسلامية (7)

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المفيد شرح كتاب «دراسات في الثقافة الإسلامية» للمرحلة الثانوية، إصدار الجامعة الهاشمية بالأردن، طبعة خاصة للبحرين (2001)، تأليف صالح ذياب هندي، بالتفصيل، لوجود العديد من المفاهيم والقيم المتعارضة مع قيم حقوق الإنسان والتسامح والتفاهم والتصالح.

ففي الباب الأول يركز على مفهوم الثقافة، والفرق بينها وبين العلم وعلاقتها بالحضارة المدنية، وتعريف الثقافة الإسلامية ومصادرها وخصائصها والتحديات المعاصرة التي تواجهها، وأهمها الغزو الثقافي الغربي ووسائله كالتبشير والاستشراق والتغريب وإحياء الدعوات الهدامة كالنزعات الجاهلية قبل الإسلام، واعتبر النزعة القومية إحداها، كفكرة خبيثة خادعة هدفها تمزيق وحدة المسلمين، وفكرة يهودية لإنتاج ماسوني يستهدف فرض العلمانية، وأهداف النزعة القومية إضعاف الرابطة الإسلامية وتحقيق مصالح النفوذ الأجنبي، وجعل ولاء المسلم لوطنه، قبل عقيدته؟! وتقديم الكافر إذا كان من قوميته على المسلم إذا كان من قومية أخرى؟! ووصل المؤلف بأن أمام كل هذه (المخاطر!!) فإن الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً القومية كفكرة بديلة عن الإسلام.

هذه الدعوة الرافضة للقومية بجانب عدم دقة الاتهامات الموجهة للفكرة القومية كلها تصب في زيادة الأحقاد والكراهية وتحريف أهداف الأمم ومنها الوطن العربي بضرورة الوحدة والتكامل، بل المطلوب الدعوة بأن القومية تتكامل مع الإسلام ولا تتعارض معه، هذا فضلاً عن تعارض مثل هذه الدعوة مع العديد من الكتب الدراسية الخاصة بالتربية الوطنية أو التاريخ أو الاجتماع أو الجغرافيا أو غيرها والتي تدعو إلى الوحدة والتكامل العربي والنضالات القومية ضد الاستعمار.

سيحتضن هذا الكتاب العديد من المفاهيم المتزمتة البعيدة عن الجوانب الإنسانية والمتسامحة في الإسلام، وبدل التوجه نحو العالمية والتسامح يبث الكتاب مفاهيم كراهية القومية ورؤية غير دقيقة للعلمانية وتركيزه فقط على فصل الدين عن الدولة باعتباره المقصد من العلمانية، وبجانب موقفه الضد من حرية المرأة ونيل حقوقها ومساواتها بالرجل، وتضخيم بعض الظواهر في الدول العربية واعتبارها غزواً ثقافياً خطيراً، ككتابة العربية بالحروف اللاتينية، وإحلال العامية محل الفصحى، كما اعتبر الدعوة لتحرير المرأة وتبرّجها غزواً ثقافياً.

في الباب الثاني «مدخل إلى دراسة العقيدة الإسلامية»، العموميات المعروفة عن مفاهيم العقيدة وأركانها والإيمان بالقدر ومفهوم التوكل. ويتناول الباب الثالث «الشريعة الإسلامية»، مفهومها، عالميتها، الموازنة بين التشريع الإسلامي والوضعي. وأهم المفاهيم المتعارضة مع التوجهات نحو المدنية وتلاؤم الأنظمة والتشريعات الوضعية مع الشريعة الإسلامية هو هجوم المؤلف غير العلمي على التشريع الوضعي باعتباره مادياً ولا يعرف معنى للأخلاق، وهو اتهام غير صحيح بل خطير حينما يخلق في ذهن الطلبة مثل هذه الكراهية للأنظمة والقوانين الصادرة عن السلطات التشريعية، ولتشويه هذه التشريعات فالمؤلف يوضح بان الأخلاق وإن تواجدت في مثل هذه التشريعات فهي أخلاق نفعية مخالفة للإسلام؟! ومثاله القوانين الوضعية لا تتورع أن تقر ملكية الشخص للعقار الذي يستخدمه مدة (15) سنة حتى ولو كان غاصباً له. وهو مثال سطحي، ومثال آخر كجريمة تهريب المخدرات في بلد كمصر وكان المهرب من الأردن فإن أحكام القانون المصري لا تسري عليه وإنما يعاقب بموجب أحكام القانون الأردني، وهو مثال مضحك وكذب واضح وتشويه لأذهان وثقافة الطلبة، ويؤكد بأن التشريع الوضعي يفتقر إلى المراعاة لظروف ومصالح الفرد والجماعة. وكل هذه التبريرات تدفع الطلبة نحو التشرب بقيم عدم احترام القانون إذا كان وضعياً.

وفي الباب الرابع «النظام الإسلامي»، محصلته أهمية وضرورة تطبيق نظام الحكم الإسلامي في الحياة، وتشرف على تطبيق أحكامه دولة إسلامية تستمد مقوماتها من القرآن والسنة، وهي دولة الخلافة الإسلامية التي يرأسها الخليفة أو الإمام الأعظم أو أمير المؤمنين. وهي محصلة بعيدة عن ضرورات المرحلة المعاصرة وتوجهات الدول نحو دولة المؤسسات الديمقراطية والقانون، وتعزيز لأطروحات الحركات الإسلامية التي لا تؤمن بالديمقراطية والتعددية والتشاركية. ويبتعد المؤلف كثيراً عن أي جهد علمي لتحديث النظام الإسلامي وإنما إعادة الحاضر للماضي البعيد دون تفكير موضوعي باستحالة مثل هذه الدعوة في الواقع العربي والعالمي الراهن الذي يدفع نحو المزيد من الديمقراطية كنظام سياسي والمزيد من حقوق الإنسان السياسية، ما يخلق تشوهات خطيرة عند تعلم الطلبة مثل هذه المفاهيم المتعارضة مع قيم إنسانية وإسلامية كثيرة.

في الباب الخامس «النظام الاجتماعي في الإسلام» عن الأسرة ومفهوم النكاح وحكمته وحقوق المرأة وحكم الاسلام في عملها واختلاطها بالرجل. وينحاز المؤلف للكثير من الدعوات المحافظة غير المنسجمة مع المواثيق الحقوقية، فكافة تبريراته تتجه نحو عدم الإجازة لقيادة المرأة العمل السياسي أو القضائي، وأن العمل الأصلي للمرأة يجب أن يكون متوافقاً مع فطرتها وهو أن تكون أماً وربة البيت، وعملها الأصلي كزوجة وأم حتى قبل العبادة والتطوع! ولتعزيز المفهوم المحافظ بشأن الاختلاط يقول أن «السهرات العائلية أو السياحة المشتركة أو النوادي المختلطة فهي من الاختلاط الذي لا يقره الشرع». ويتضح من ذلك مدى التعارض الكبير بين هذه المفاهيم وبين قيم المساواة والعدالة والحرية والمحبة والتسامح.

ويتناول البابان السادس والسابع، النظام الاقتصادي في الإسلام من ملكية وزكاة وعمل وغيرها، وهي شروحات عامة متفق عليها. أما في الباب الثامن «الحضارة الإسلامية»، فيشير إلى التسامح الديني بين المسلمين وغير المسلمين، ويشير لهذه العلاقة بشكل إيجابي لا يتعارض مع قيم التسامح وحقوق الإنسان والحريات العامة. كما يشير إلى حماية غير المسلمين من الاعتداء الداخلي والخارجي وحماية أموالهم وأعراضهم وحقهم في الـتأمين ضد العجز والشيخوخة والمرض وحرية ممارسة شعائرهم وأعمالهم. غير أنه لا يعتبر التعامل مع غير المسلمين من سكان أو مواطني الدولة الإسلامية كمواطنين كاملي الحقوق، ما يضعف مبدأ المواطنة كأساس لأية دولة مدنية. فإذا كانت الضريبة التجارية، ملزمة وواجبة على جميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين، فقد أصبح مفهوم الجزية والخراج خارج التاريخ المعاصر، والإشارة إليهما يتنافى مع قيم المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان. وكذلك وجوب التزام غير المسلمين بأحكام القانون الإسلامي في المعاملات حيث يتنافى ذلك مع مبادئ دستورية ومواثيق حقوق الإنسان، وكان الأجدى الدفع باتجاه حق غير المسلمين في المعاملات بوجود خصوصية وقوانين خاصة بهم، أو تكون القوانين الوضعية منسجمة مع قيم المساواة والعدالة وملزم تنفيذها من قبل جميع المواطنين دون تمييز.

*الإسلام والقضايا المعاصرة:

يختلف هذا الكتاب في اختياره للقضايا المعاصرة عن الكتاب السابق، حيث اختار قضايا شكلية كاللباس وتحريم لبس الرجل الحرير والذهب، وتحريم استخدام آنية الذهب والفضة ووشم الأبدان، وتحريم وشر الأسنان (تحديدها) وتحريم ترقيق الحواجب ووصل شعر المرأة بشعر كالباروكة، ويركز الباب على الخلافات الفقهية بشأن اللحي وطولها وحلقها.

كل هذه القضايا الشكلية وتحريمها قد اجتازتها الحياة المعاصرة من جانب، وتعتبر تدخلاً سافراً في الحرية الشخصية من جانب ثان، وتعزيزاً لقيم القمع والمنع والترهيب والتعصب البعيدة عن قيم الحرية والتسامح والاختيار من جانب ثالث.

وعلى صعيد مسألة التأمين سواء على الحياة أو الممتلكات فيحدد المؤلف موقفه بأن «التأمين عقد باطل لا تتحقق فيه مواصفات العقد في الشرع الإسلامي، وهو ليس عملية تعاونية بين الناس وانما عقد رافد يغذي الربا ومؤسساته، ويربي التأمين في الإنسان البلادة في الحس الإيماني، إضافة إلى انه منافٍ لمفهوم التوكل الصادق على الله».

ورغم أن هذه التبريرات تتنافى مع متطلبات الاقتصاد المعاصر، والأسواق المفتوحة في المجتمعات الإسلامية والتنافسية والتعددية بحق المستهلك في الاستفادة من أو الامتناع عن التعامل مع، إلا أن الكتاب يواصل شرحه طارقاً البديل الإسلامي لشركات التأمين كالتعويض عن طريق التكافل أو من بيت المال (الحكومة) وهو مؤسسة حكومية عامة للتأمين الوطني لكل المسلمين أو من الزكاة أو غيرها من الوسائل، ولا يمكن الأخذ ببعضها لصعوبة تطبيقها في وقتنا الحاضر.

ورغم أن في كتاب آخر «العالم الإسلامي»، يدرس في الثانوية أيضاً، يشير إلى أن المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها الدولة الإسلامية هي نفس المشكلات بالدول الغربية، كالانفجار السكاني وآثاره من سوء توزيع الثروة وانخفاض مستوى المعيشة والبطالة وعدم التوازن بين الدخل ونسبة الزيادة السكانية بسبب كثرة المواليد وانخفاض الوفيات، حيث يطرح حلولاً منها نشر الوعي لتنظيم الأسرة والإطلاع على كل ما هو جديد في العالم الغربي من أفكار ومخترعات والعمل على نقل المعرفة والخبرات.

وهنا يبدو التناقض واضحاً في منهجية التعامل بين الكتابين والتوجهات بين الأخذ والاستفادة من الغرب، وبين محاولة هذا الكتاب تحريم ورفض الاستفادة من الخبرات والوسائل الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بحماية الإنسان وحياته وتحسين معيشته وضمان حاضره ومستقبله.

ويتجلى التناقض بين الكتابين بأن هذا الكتاب لا يحلل مثل هذه الأزمات المعاصرة تحليلاً اقتصادياً موضوعياً ومنطقياً وإنما يتعامل معهما بعقلية «المؤامرة الغربية»، فتحديد النسل يراه فكرة أوروبية خبيثة، ويعتبر «تحديد النسل تعطيل لأعضاء الجسم من القيام بوظيفتها الطبيعية وهي الإنجاب، وإن المرأة عندما تستخدم الموانع إن كانت لا تتعرض باستخدامها لضرر فوري ظاهر إلا أنها إن ظلت تستخدمها لمدة من الزمن فلابد أن يصيبها الانهيار العصبي قبل سن الكهولة! كما تنتج عن هذا الاستخدام التبرم والتذمر والقلق والأرق وتوتر الأعصاب وتشويش الفكر وهجوم الأحزان وضعف القلب ونقص الدورة الدموية وشلل اليدين والرجلين والتهاب الجسد واضطراب العادة الشهرية»!. ولا داعي لأي تعليق على هذه الفتاوى الطبية التي تضخم المخاطر لدرجة كبيرة وتدفع العقول الصغيرة والشابة للطلبة نحو رفض الاستفادة من الاكتشافات الطبية الحديثة. (يتبع)

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 3973 - الثلثاء 23 يوليو 2013م الموافق 14 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:09 ص

      مشكور يا أستاذ عبدالله

      جميل هذا التحليل والاستعراض في بيان منهج الكتب
      الله يوفق
      معلمة تحب عملها وتسأل الله الفرج لحال التربية المتردي
      سؤال أ. عبدالله هل ستكون لك انطلاقة في باقي الكتب منهج اللغة العربية مثلا

    • زائر 2 | 3:50 ص

      ويش السالفه

      ايش تبي توصل له بالظبط
      الللف والدوران على ويش يالحبيب خلك في اللي انت فيه وهو يكفيك يابوقوميه

    • زائر 1 | 9:57 م

      الفكر السلفي

      هذا الكتاب هو انتاج للفكر السلفي و مفهومه و نظرته للمجنمع و الاقتصاد و السياسة.
      طبعا هو لا يرتب الاهتمام بهذا الترتيب انما المجتمع و الفرد تابع للفاعل السياسي المركزي الا و هو الخليفة.
      الفكر السلفي يردد و يعيد انتاج ما انتجه السلف و يلزم نفسه و الاخرين بفكر الغابرين من السلف، فهو فكر في جوهره قائم على الانغلاق على مرحلة السلف وفقط.
      مثال على ذلك تقديسه لنظام الخلافه و كأنما هي و حي منزل بينما الخلافة اختراع بشري لازمة سياسية في صدر الاسلام، لكنه يردد و يصر على الخلافة
      تحليل رائع ، شكرا للكاتب

اقرأ ايضاً