العدد 3978 - الأحد 28 يوليو 2013م الموافق 19 رمضان 1434هـ

صلاةٌ مُوحَّدة ووثيقة للشرف في بغداد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حَدَثَان مُبهِجَان، مرَّا على العراق خلال يوم واحد. الأول، استمرار الصلاة المُوحَّدَة (العاشرة) التي حَضَرَها وشارك فيها جمعٌ غفيرٌ من السُنَّة والشيعة في عدد من مناطق العراق. والثاني توقيع أربعة وخمسين شيخاً ومرجعاً دينياً من داخل العراق، على وثيقة «السلم الاجتماعي في العراق» التي من المقرّر أن تُدشَّن كفعل لازِم مشهود عليه في مكة المكرمة خلال موسم الحج لهذا العام.

وحين نقول: حَدَثَان مُبهِجان فذلك يعني، أننا نرى أن من بين الركام لازال ينبلج الأمل... على رغم أننا صرنا نتمسَّك بأيّ شيء ولو كان نزراً يسيراً خشية أن يسقط كل شيء على كل شيء. وعلى الرغم أيضاً أن مثل هذه الأشياء، لا يجب أن تكون هي المنجى الوحيد للعراقيين. فالتوحُّد، لا يجب أن يكون سبيلاً لمنع الفرقة، بل طريقاً لتمتينها. أما عدم الافتراق، فهو مرحلة سابقة على ذلك بكثير. وباعتقادي، أن العراقيين نجحوا في تمتين نواتهم الأولى قبل اعتمادهم على الهوامش.

مشكلة العراق، أنه يعيش حالتيْن متناقضتيْن، الأولى سياسية، والثانية اجتماعية. في الحالة السياسية هو غير منسجم مع ذاته، لثلاثة أسباب. الأول، أن هناك توحُّش أطراف محددة للسلطة. وعندما يُصبح هذا الأمر مُوجِّهاً لكل الفعل السياسي، فهو يعني، غياباً للتوازن، وفي القوة، والامتيازات، والحقوق. الثاني، أن ذلك التوحُّش، قد خَلَقَ صراعات من أجل البقاء، لها صورٌ كثيرة، بعضها سياسي والآخر أمني. الثالث: أن ذلك التوحُّش، وتلك الصراعات، قد أفقدت العراقيين الثقة ببعضهم. وعندما تغيب الثقة، يحلُّ التوجُّس، وتتحكم الريبة في كل شيء.

أما في الحالة الاجتماعية، فالعراق، الذي تداخَلَ فيه الدم، وتصاهَرَت عشائره ومدنه وأقضيته مع بعضها، يُرادُ له أن يفكَّ ذلك التداخل عن نفسه بأيِّ طريقة كانت. ورغم المآسي التي تُصاحِب هذا المسعى، إلاَّ أن العراقيين في المجمل، لازالوا يعضُّون بالنواجذ على ما لديهم. فتفجير دور للعبادة، لها قدسيتها الروحية، ومكانتها في المشاعر الإنسانية، كفيلٌ بأن يقلب عالي الأرض سافلها. فما بالكم بعشرات التفجيرات، التي تطال المساجد والحسينيات والكنائس والأديرة!

نعم، وعلى أثير ذلك النفير الطائفي، قد تحصل أعمالٌ جنونية وغرائزية، لكن الإجمال (وهو حَكَمنا)، يُفهمنا أن البلد، لايزال يُصارع تلك الإرادة الدنيئة، التي تريد أن تجعله قاعاً صفصفاً. وهو ما لم يحدث. وهو أمر ليس خاضعاً للتنظير والتمنيات، بل للفعل. فالمحافظات العراقية، تشتمل على خليطٍ مذهبي: البصرة، بغداد، الرمادي، الأنبار، الموصل وأضرابها، وهي مَنْ يُثبت ذلك. وربما كان تصريح رئيس صحوة ديالي قبل أيام، دليلاً على ما نقول، بخصوص حِفظ التعايش المذهبي البيني، بل والاستعداد للدفاع عن المكونات المذهبية المغايرة.

العراق، من أكثر البلدان تعقيداً في تفكيك داخله السياسي والاجتماعي وحتى الديني. وربما يُصاب كثيرٌ من الناس، ممن يعيشون على وهَجِ الشحن الطائفي، في الخارج بإرباكٍ وهم يُفككون أحواله، بدءًا من مسميات العراقيين (التي لا تستطيع في كثير منها الظفر بالنقاء الطائفي فيها) ومروراً بسياسات وأنظمة حكمه المتعاقبة، ثم بشئونه الدينية، التي صاغته منذ أمد. هذا التعقيد، هو ما يغيب عن تلك الأيادي السوداء حين تقوم بأفعال الشحن والتجييش المتبادل.

مضى أكثر من ثمانية أعوام، ومعاول تكسير ذلك التداخل العضوي داخل العراق تعمل ليل نهار دون نتيجة. ألفان وتسعمئة وعشرون يوماً، لا تخلو من حوادث شبيهة، لم تستطع أن تكسر إرادة العراقيين في فهم ما يُحاك لهم. ولو أن منتظماً يومياً لم يزِد عن العشرة أيام، بمثل ما يحدث في العراق من قتل طائفي، قد حَدَثَ في بلدٍ آخر، تعيش فيه ذات التناقضات العراقية، لوجدنا الأمور وقد أصبحت جرحاً غائراً لا يبرأ أبداً.

جميعنا يتذكّر، تقدُّم الخليط المذهبي الانتخابي على غريمه من النقاء المذهبي خلال انتخابات العام 2010 وفي محافظات ذات أغلبية شيعية، حيث حلّت القوائم المختلطة مذهبياً ثانياً في محافظات بابل والمثنى والبصرة، مع العِلم أن المشاركة في محافظة المثنى كانت الأعلى ضمن حزام الجنوب «الشيعي» كإحصاء أوّلي، إذ بلغت 64 في المئة. بل إن ذلك الخليط قد حلّ ثالثاً في مدينتي النجف وكربلاء رغم كونهما من المحافظات الشيعية المهمة ذات الزخم الديني.

وفي المحافظات الغربية (وغيرها) لم يمنع العراقيين السُّنّة، من أن يُفوِّضوا رجلاً ينتمي نَسَباً إلى المكوِّن الشيعي من أن يقودهم ومشروعهم السياسي، وأن يُمثلهم في الدولة. فقد حلّ علاوي وقائمته أولاً في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى ونينوى. وهي المحافظات التي تتمثّل في البرلمان بسبعين مقعداً. هذا الأمر، يُدلِّل دلالة واضحة، على أن موضوع الصراع سياسي وليس دينياً كما يُشِيع البعض، والعراقيون بعيدون عنه. ومع شديد الأسف، هناك مَنْ يحاول من الساسة العراقيين تحويله إلى ديني كذلك.

في المحصلة، فإن جرح العراق هو في ساسته ومسيرته السياسية العرجاء. وعندما يُصلح فيه هذا الأمر، فإن أحوال الرعية ستكون في خير. هذا ما بينته تجارب التاريخ، وبيَّنه لنا حال العراق منذ سنين خلت.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3978 - الأحد 28 يوليو 2013م الموافق 19 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:18 ص

      هل ينفع

      بالأمس وقعت تفجيرات في مناطق شيعية وراح ضحيتها 44 شخص! بكرة بعد نسمع والي بعده وكأنه الموضوع عااااااااااااااادي!!! مصيبة

    • زائر 4 زائر 3 | 6:54 ص

      لماد الهروب من الحقيقة

      الي زائر رقم 2 لمادا تهرب من الحقيقة العراق الان اصبح معقل الطائفية انا زرت العراق في السابق وشاهت بعيني الاستقرار والهدوء وكنت اخرج في الصباح لاداء الصلاة في ضريح الامام الحسين ع والامام العباس ع يوميا واخرج مع الاهل الي بغداد للنزهة ولم اشاهد هدة التفجيرات والقضايا والكلام عن سنة وشيعة الابعد الغزو الامريكي من يقول الحقيقة موزين عندما زرت العراق الان شاهت المصايب عند هدا الشعب المظلوم تدري وانت رايح المطارمئات التفتش قارن ادا كنت منصف بين النظام السابق والحالي والسبب اكتشاف الحقيقة

    • زائر 1 | 5:21 ص

      الشكليات

      الاستاد محمد من جاءت الحكومة الطائفية مع ىالمحتل الامريكي علي دباباتها والعراق غير مستقر ولاتنفع صلاة بين الشيعة والسنة الابعد اجتثاث هدة الحكومة الطائفية سابقا لم\\نسمع عن تفجيرات اوسنة وشيعة اومسيحين فكلهم متساوين امام القانون والمواطنة هي الاساس وليس الطائفة وكان العراق موحد وقوي بقيادة صدام حسين لكن شوف البلاوي والمشاكل الان اداخرجت من بيتك ماتدري ترجع لولا وانا راي الدينين مكانهم المسجد والوعظ والارشاد وليس قيادة دولة شوف مصر وتونس وليبيا رحم اللة عبد الناصر وصدام والاسد والقدافي

    • زائر 2 زائر 1 | 6:00 ص

      انت صاحي والا شنو

      اقول احنا في شهر رمضان وانت قاعد تخور وتنجب ؟؟ليكون مب صايم ؟؟ومن قالك ان حال العراق ايام هدام البائد بخير ؟الظاهر ما سمعت بمذابح الاكراد والمقابر الجمعيه والانتفاضه الشعبانيه وغيرها ؟روح اقرأ وثقف نفسك وشيل الحقد عنك وصير موضوع وتعال تكلم وبعدين كيف تحط جمال البطل مع قتله مجرمين ؟؟اعرف حجم الابطال وبعدين تعال علق

اقرأ ايضاً