العدد 3981 - الأربعاء 31 يوليو 2013م الموافق 22 رمضان 1434هـ

كيف أطاحت لندن وواشنطن بحكومة إيران المنتخبة ديمقراطياً

انقلاب 1953 ضد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق

رئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق
رئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق

قام مؤخراً المؤرخ الرائد، إيرفاند إبراهاميان، في إيران الحديثة بإعادة استكشاف إنقلاب العام 1953 الذي تم برعاية أنجلو-أميركية وأطاح برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق. وعلى مدى 28 شهراً تولى إبراهيميان تحليل هذا الحدث في كتابه» الإنقلاب: 1953، وكالة المخابرات الأميركية المركزية وجذور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تشكل خط صدع حاسم في التاريخ الإيراني.

ويأتي كتابه في الوقت المناسب، خاصة بالنظر إلى التشابه الكبير بين ما يتناوله من جدال يشابه ما يحيط بالنزاع الحالي حول الملف النووي الإيراني.

لقد أثرت الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطياً - والذي أمم قطاع النفط الإيراني-، وبشكل ملحوظ، في الذاكرة الجماعية والثقافة السياسية الإيرانية.

وفي حين يتتبع أن بعض المحللين الغربيين جذور العداء الإيراني الحالي تجاه الولايات المتحدة حتى ثورة 1979 وأزمة الرهائن، إلا أن القضية بالنسبة للإيرانيين بدأت مع الإنقلاب على محمد مصدق، فمازالت ذكرى رئيس الوزراء المخلوع تمثل المستقبل الذي حرمت منه إيران.

وفي السنوات الأخيرة، وضع العلماء والصحافيون الغربيون سرداً يؤكد أن صناع السياسة الأميركية قد اعترفوا بأوجه القصور في الاستراتيجية البريطانية في عصر قوميات ما بعد الاستعمار، ومارسوا الضغط على لندن لقبول مطالب إيران المشروعة قبل العام 1953.

ووفقاً لهذه الحجة، قام دبلوماسيون أميركيون بالضغط على كلا الجانبين نحو تسوية، وقدموا مقترحات عديدة سعت إلى التوفيق بين الولاية البريطانية والضرورات الإيرانية.

وتضع مثل هذه الروايات مسئولية فشل المفاوضات بشكل مباشر على محمد مصدق لتعنته - ووصل ذلك حتى لمحاولة تتبع أسباب ما حدث وإرجاعها لخلفيته الأرستقراطية أو عقدته الاستشهادية المفترضة.

ويتحدى إبراهيميان هذه الأقوال بفعالية من خلال توفير وصف تفصيلي لإنقلاب العام 1953 بدءاً من نشأته إلى عواقبه.

والجانب الأكثر إثارة للإعجاب في الكتاب هو بحثه الدؤوب واستخدامه الشامل للمصادر الأولية.

فغالبية سرد إبراهيميان تم إثباته من خلال وثائق- رفعت عنها السرية- من أرشيف الوثائق الأميركية والبريطانية، وكذلك الوثائق التابعة لشركة النفط البريطانية الإيرانية (AIOC)- وهي الشركة السابقة لـ «بريتيش بتروليم». كما أضاف إبراهيميان مقابلات والسير الذاتية والمذكرات والوثائق الخاصة للأفراد المهمين سواء الغربيين أو الإيرانيين.

وعمد إبراهيميان إلى إثبات عرضه للوقائع، بالإستناد إلى الحقائق والأرقام. وبالنسبة له، كان الأمر يتعلق بصراع من أجل السيطرة على صناعة النفط الإيرانية.

ويؤكد إبراهيميان أن «السيطرة» هي الكلمة الكامنة وراء الأزمة، كما يستدل عليه مراراً وتكراراً في وثائق حكومية داخلية، وكما تم استخدامها من قبل جميع الأطراف لتوضيح أهدافهم.

فبالنسبة لإيران، تمت المساواة بين السيادة الوطنية والسيطرة على صناعة النفط.

أما بالنسبة للبريطانيين، فقد كان تأميم النفط الإيراني يعني فقدان سيطرتهم على السوق العالمية خلال فترة الإنكماش الإمبراطوري. وكانت الولايات المتحدة لديها الكثير أيضاً لتخسره مثل بريطانيا.

وهكذا شاركت الولايات المتحدة في الإنقلاب ليس كوسيلة لكبح جماح المد الشيوعي في إيران - كما يذكر غالباً- وإنما بسبب التداعيات التي يمكن لتأميم النفط على أجزاء أخرى من العالم. لهذا السبب، يقول إبراهاميان إن المفاوضات كانت لابد أن تفشل.

وبعد ذكره بالتفصيل عدد من المقترحات المقدمة الى إيران، وضح إبراهيميان أن ما تتم الإشادة به اليوم على أن تنازلات أنجلو أميركية عادلة- اعتبرت حتى من قبل البعض في الغرب على أنها «صفقات الخام» - هي في أحسن الأحوال لا معنى لها، وفي أسوأ الأحوال هي مجرد تمويه خادع.

فقد استندت تلك المقترحات على مبدأ الإذعان «لسلطة إيران العامة» مع الحفاظ على «الإدارة التنفيذية» في أيدي البريطانيين. وكما أفاد السفير البريطاني في واشنطن في 1951، فقد إقترح صناع السياسة الأميركيون «الموافقة على التأميم كواجهة... مع الحفاظ على سيطرة فعالة». وفي تقارير أخرى، كانت كلمة «الواجهة» تستبدل بكلمة «عباءة». وكان الاستثناء هو مجموعة الحوافز التي عرضها وزير الخارجية المساعد جورج ماكجي، والتي اعتبرت مقبولة من جانب محمد مصدق خلال زيارة للأمم المتحدة العام 1951.

لكن حكومة المحافظين في بريطانيا رفضتها واعتبرتها «غير مقبولة على الإطلاق»، مصرة على أنه كان «أفضل بكثير ألا يكون لدينا اتفاق من أن يكون لدينا إتفاق سيئ». هذه الحسابات هي التي تفضح الحجج التي تدعي أن تعنت مصدق هو الذي حال دون قرار حكيم للأزمة.

بالنسبة لإبراهاميان، كان محمد مصدق زعيماً مسئولاً أمام شعبه. وكانت أفعاله نابعة من الحقوق الوطنية والمصالح والأمن الإيراني.

ونظراً لأهمية النفط لمعيشة الإيرانيين الاقتصادية، واستغلالهم من قبل شركة النفط البريطانية الإيرانية، لم يستطع محمد مصدق تقديم تنازلات للقوى العظمى. وكما يشرح إبراهاميان، عرض مصدق التعويض، وبيع النفط إلى شركة النفط البريطانية الإيرانية، وتوظيف الأجانب. وهذا أمر مهم لأن الحجج الغربية ضد التأميم أبرزت عدم توفر العمالة الماهرة في إيران لإدارة المنشآت.

وخلال «الانقلاب»، يقترب إبراهيميان من كل حلقة في الأزمة بأسلوب مناسب. ويضع سرده الإنقلاب داخل الصراع بين الإمبريالية والقومية. ويجب النظر إلى رؤية إبراهيميان على أنها مكملة لتوفير فهم شامل لفترة مهمة في إيران. هذا ويعد من المستحيل قراءة «الانقلاب» من دون ربط ما مضى بوقتنا الحاضر.

فقد أدت الأحداث الى عقوبات 1953، والتأكيدات على «السيادة» الإيرانية، والتأكيد على مطالب القوى العظمى ومصالحها وحتى ضرب طبول الحرب.

وفي العام 1952، حثت الملحقة الصحافية البريطانية في طهران، وزارة الخارجية على الحفاظ على «هدوئها» وانتظار سقوط محمد مصدق. وقالت في حينه، «جهودنا غير الرسمية الخاصة بتقويض مصدق تحرز تقدماً جيداً. لكن، إذا اتفقنا على مناقشته والتوصل لتسوية معه، فإن ذلك سيعطيه قوة». مثل هذا الخطاب قد يتردد صداه مع النقاد المعاصرين الذين تتعلق تحليلاتهم بتغيير النظام في إيران.

فقد فاز حسن روحاني، الملقب بـ «شيخ الدبلوماسية»، بالرئاسة بعد انتخابات 14 يونيو/ حزيران على أساس اعتداله، مشيراً في صناديق الاقتراع إنه جاء «لقتل التطرف».

ففي تصريحاته العلنية انتقد بحدة موقف بلاده المرن تجاه القضية النووية، ودعا إلى حوار أكثر إيجابية. وخلال فترة توليه منصب كبير المفاوضين النوويين في إيران، وقعت إيران اتفاقيتين مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، مؤقتاً وطوعاً، في مقابل حوافز فنية واقتصادية.

سوف يسمح استعراض القوة الشعبية وراء الرئيس الإيراني المنتخب، للدولة بممارسة درجة من المرونة في المفاوضات ويرفع من قدرتها على منح تنازلات.

وباختصار، إذا كانت واشنطن ملتزمة بالفعل بالتوصل إلى حل دبلوماسي للمأزق، فوقت العمل هو الآن.

العدد 3981 - الأربعاء 31 يوليو 2013م الموافق 22 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:54 م

      فى حينه

      فى تلك الأعوام لم تكن إمريكا غدت قوة إستعمارية فكرا و عملا. كان فيها قليلا من المعايير الأخلاقية. أما اليوم فإمريكا تتآمر فى كل مكان و تتبع سياسة السيطرة و النهب لصالح شركاتها العملاقة دون أى إعتبار اخلافى.

اقرأ ايضاً