العدد 3997 - الجمعة 16 أغسطس 2013م الموافق 09 شوال 1434هـ

جحيم النساء مع النظام الأبَوي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شَغَلَت النساءُ أذهان الرجال. ليس العامَّة منهم فقط، بل الفلاسفة والأدباء والساسة كذلك. سقراط، مكسيم غوركي، فريدريش شيلر،غوته، هوغو، هاينه، جان بول سارتر والقائمة لا تنتهي. بل حتى أمثال الشعوب، تندَّرَت بها أيضاً، سواء بالمديح أو التهكُّم حتى، وتحديداً عند شعوب الشرق الأوروبي، حيث الهنغاريون (المجريون) والبولنديون والتشيكيون.

وحين نجِد كلّ ذلك الانشغال بالمرأة، لدى الفلاسفة والأدباء والساسة (فضلاً عن العامَّة)، فإنه يدفعنا إلى حجم استيلاء النساء، على الذهنيَّة الرجوليَّة، والتي تخطَّت في أحيان كثيرة، مركز التفكير الحيواني، لتتَّجه نحو مراكز أخرى في الذهن. بل إن المرأة، وهي في مرحلة الاستضعاف، استطاعت فرض نفسها من مِخرَز ضعفها، وهنا يكمن العجب.

مؤخراً، صَدَرَ عن المنظمة العربية للترجمة، كتابٌ للمؤرخة والأستاذة في جامعة وسكنسون - ماديسون غيردا ليرنر تحت عنوان: «نشأة النظام الأبَوي». الكتاب يتكوَّن من أحَدَ عَشَر فصلاً، بالإضافة إلى ملحق التعريفات، والثبت التعريفي والمراجع، تغطي مجموعها أربعمئة وتسعة وسبعين من الصفحات، متوسطة الحجم.

أفكار النظام الأبَوي عند غيراد ليرنر (كما أوجَزَها مُترجِم الكتاب أسامة إسبر) هي أن «الرجال والنساء خُلِقوا على نحو مختلف، ولِهدَفيْن مختلفيْن، وأن الرجال يمتلكون ذهناً مُفكِّراً وذكاءً مُتفوقاً وقدرة على القيادة، وبالتالي، من المقدَّر أن يُمثلوا النظام والحكم، فيما النساء أدنى على المستوى الفكري، وبالتالي يجب أن يَخضَعن». انتهى الاقتباس.

وطبقاً لذلك التفسير، يُنبِئنا الكتاب، بأنه قائمٌ على دراسة تاريخ التفوُّق الذكوري «المُدَّعَى» منذ الحضارات القديمة، سواء في الشرق الأدنى أو عند السومريين وعموم بلاد ما بين النهرين، أو عند الأوروبيين. وقد طَرَقَت الباحثة، عناوين مُهمَّة في ذلك التاريخ، كـ «المرأة العَبدَة، والزوجة المحظيَّة، وتحجيب النساء، فضلاً عن الزوجة البديل والبيدق»، حين تحدثت عن تطوُّر «القرى النيولوثية» إلى جماعات زراعية فمراكز مدينية ثم إلى دولٍ فحضارات.

وقد اكتشفت الباحثة، أن جزءًا كبيراً من تاريخ البشرية، قد فُقِد بسبب تغييب دور النساء، نظراً إلى النظرة الدُّونيَّة للمرأة (على رغم أنهنَّ نصف البشر). وكما تقول «أبعِدت النساء» عن «أي ترتيب وتأويل ماضي البشرية». وقد تم إقصائهن «على نحوٍ ممنهج من مشروع إنشاء الأنظمة الرمزية، والفلسفات والعلم والقانون». لكنها أيضاً، تحدثت عن «تواطؤ النساء في دعم النظام الأبوي»! وهو ما اعتبرته استفهاماً كبيراً أمَّلَت أن تُعالجه.

تشير الباحثة، أيضاً إلى أن النساء كنِّ «يحتَجنَ أن يحملن أكثر مما يُنجبن». والسبب الرئيس في ذلك هو ما كانت عليه الظروف المعيشية والصحية الصعبة، التي تمنع بقاء أكثر من وَلَدَيْن على قيد الحياة في العصور القديمة. وعلى رغم ذلك، كانت المرأة منخرطة في عمليات مُرهِقة جسديّاً كالصيد. ومع كل ذلك الحَيْف، الذي وقع على النساء، منذ الأزمنة الغابرة، إلاَّ أنهن استطعن اقتسام بناء الحضارة، سواء في تطورها العلمي أو التصريفي.

تشير الباحثة نقلاً عن بولدينغ في المجتمعات النيوليثية، عن أن المرأة هي التي «استخرجَت من النباتات والأشجار والفواكه أسرار تحويل منتجاتها إلى مواد مُعالِجَة، وفي أصبغة وأنسجة وغزْل وثياب». وعرفت «كيف تُحوِّل المواد الخام والحيوانات النافقة إلى منتجات غذائية». والحقيقة، أن هذه الابتكارات، كانت جزءًا مهمّاً من نمو الحضارة الأولى.

لقد كانت النشأة الأبوية مزدوجة، أو متعددة الاتجاهات. فهي نَمَت من خلال الوجود الثنائي (رجال/ نساء) وتسلّط الذكور على الإناث، إلاّ أنها تطوّرت لاحقاً لتأخذ صوراً أبعد. فعندما وسّعت إمبراطورية الإنكا من حكمها، أجبروا «القرى المقهورة، على تقديم عذارى لخدمة الدولة، وكزوجات محتملات لنبلاء الإنكا» تكرر هذا أيضاً في بلاد ما بين النهرين.

يشير الكتاب إلى حقبة الملك أوروكاجينا بشيء من التفصيل. حيث أشارت الوثائق التي دوَّنت لأحوال تلك الحقبة إلى بعض المراسيم الصادرة عنه، والتي نصّ بعضها على الآتي:»إذا تحدثت امرأة بدون احترام تماماً مع الرجل، فإن فَم تلك المرأة يُسحَق بآجرة مُلتهِبَة». وكان هناك 150 عَبْدَة للمَلِكَة «وُظِّفنَ كغازلات وعاملات صوف ومُخمِّرات وطاحنات وعاملات». وكان هناك «ستُّ عَبْدَات لطحن الحبوب لإطعام الخنازير» التي كان لها رعاة.

ثم تشير ليرنر إلى ما سَلَفَ عن تلك الحقبة الملَكِيَّة. فقد كان لكل طفل من أبناء الملوك «امرأة تعتني به، وحاضنة، وعِدَّة خادمات، وعِدَّة عَبْدَات لطحن الحبوب» فضلاً عن «حَدَّاد وطباخ وبُستاني ومساعدين له». أما في أماكن أخرى كالصين فقد «بقِيَت النساء لا منتميات وهامشيات بالنسبة إلى مجموعات قرابَتِهِن، وبينما انتمى الرجال إلى منزل أو نَسَب، فإن النساء انتَمَيْن إلى ذكور اكتسبوا حقوقاً فيهِن».

لقد كانت الحروب، هي الخزَّان الأساس لاستعباد النساء، وأخذِهِنَّ إلى حيث الدول المنتصِرة. وتشير الباحثة إلى «شريعة هان» بالقول «إن زوجات وأولاد المجرمين، يُصادَرون كعبيد، ذكوراً وإناثاً، وتُوشَم وجوههم». وقد تحدث نصٌّ إداري من بلاد ما بين النهرين عن أن «الغنيمة المقدمة إلى المعبد في أوما تتألف من 113 امرأة». ثم تَنقل عن أحد المصادر، أن «النساء الأسيرات، كُنَّ يُستَخدَمنَ في بناء قصر بور سين» وهو عملٌ قاسٍ وشاقٍّ جدّاً.

هذا النوع من القسوة ضد النساء، والفوقية التي مُنِحَت للرجال، كانت البدايات الأولى لنشأة النظام الأبوي. وربما مرَّت البشرية بحالات إصلاحية تجاه المرأة، إلاَّ أنها لم تدم ولم تُسنَد. ويمكن الإشارة هنا إلى شريعة حمورابي، التي كانت في كثير منها لا تطبَّق. لذلك، بقيت الحالات مقتصرة، إما على الفترات الذهبية للحكام المصلحين، أو حين تنخرط النساء في المنظومة الاجتماعية الطبيعية، المتعلقة بالتزاوج أو العيش كمحظيَّات.

في المحصلة، الكتاب عميق ومُشوِّق وواسع المشارب، ويتضمن معلومات مهمة عن التاريخ البشري، بعضها يتحدث عن قضايا غير المرأة طبقاً لما اقتضاه البحث المتفرع على ما يبدو. لذلك، تصبح قراءته مفيدة للجميع، وليس لأهل الاختصاص فقط.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3997 - الجمعة 16 أغسطس 2013م الموافق 09 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:51 ص

      الاسلام والمراه

      الاسلام وحده الذي جعل المراءه تمارس دورهاسياسيا وفي الحروب في زمن الرسول (ص)كانت تداوي الجرحى والام اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق الام تربي الابناء ام تربيه تاخذهم الى الجنه او الى النار او بالتوفيق بالدارين او بالظلال في الدارين لا سمح الله

    • زائر 7 زائر 3 | 6:57 ص

      الى زائر رقم 6

      جزاك الله الف خير ، بس الي يده بالماء البارد غير عن الي يده بالماء الحار

    • زائر 2 | 11:30 م

      عساك على القوة

      مافهمت شي .. النظام الابوي يعني الرحمة والنظرة بعين الرأفة .. اما الاضطهاد هدا تسلط .. يعني نقول نظام التسلط والعبودية .. توقعت بكون خلاصه للكتاب او افكار عامة .. ع العموم الله يعطيك العافيه ..

    • زائر 5 زائر 2 | 5:32 ص

      حياتي جحيم

      انه بصراحه بنت عمري 30 سنه اعيش في جحيم مع ابوي ، حياتي معه كلها ضرب و شتم و سب ، يعاملني معامله الخدم ، حتى انه رافض ان اتزوج
      حياتي جحيم

    • زائر 6 زائر 2 | 6:16 ص

      اختي الكريمة لاتتبلي على ابيك

      لايوجد اب في هذه الدنيا لايريد السعادة لابنائه وبناته من خلال تزويجهن وربما الخلل منك لايعجبك احد من المتقدمين والا كيف لاب ان يمنع ابنته من الزواج
      ستر الله عليك وغفر لابيك

    • زائر 1 | 11:07 م

      فاتّقوا شرار النّساء ( للتوضيح ولكي لا يزعلوا ) فقط ذكر شرار النساء

      من خطب الإمام علي عليه السّلام بعد حرب الجمل، في ذم النساء
      معاشر النّاس ، إنّ النّساء نواقص الإيمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول : فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصّلاة و الصّيام في أيّام حيضهنّ و أمّا نقصان عقولهنّ فشهادة امرأتين كشهادة الرّجل الواحد ، و أمّا نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الأنصاف من مواريث الرّجال ، فاتّقوا شرار النّساء ، و كونوا من خيارهنّ على حذر ، و لا تطيعوهنّ في المعروف حتّى لا يطمعن في المنكر .

    • زائر 4 زائر 1 | 3:18 ص

      يقول مولى الموحدين انًا لامراء الكلام ينحدر عنا السيل ولا يرقى الينا الطير

      استاذي الكريم لانستطيع انا وانت سبر اغوار كلام سيد البلغاء ولا يعقل من سيد البلغاء انه يريد مايتبادر الى اذهاننا من انتقاص لمقامهن ففهمنا يقصر عن بلوغ مايريده مولى الموحدين والدليل على ذلك ان فهمي وفهمك في العبارة (ولا تطيعوهن في المعروف) علينا الاجتناب عن طاعتهن في المعروف وهل يعقل ذلك فالنصوص القرانية تدعو الى اتباع الحق والعمل به ايا كان الداعي اليه وعلى سبيل المثال لو ذهبت لسرقة محل او انسان وراتني امراة وقالت بان السرقة عمل قبيح وعلي اجتنابه فهل اضرب بكلامها عرض الحائط لانه صادر من امراة ؟

    • زائر 8 زائر 1 | 9:23 ص

      يا زائر رقم 4 أو يا زائرة رقم 4 هذا الرد من زائر رقم 1

      يا ولدي أو يا بنتي أنا وضحت (كلام الإمام (ع)) ( الكلام موجه لـ (شرار النساء) فقط! وربما المقصود هنا هو (الحذر) أو الإحتياط،أما في زماننا ونحن نرى على الطبيعة ولا تخلينا نتكلم في السياسة! بأن كل ما وكل إلى المرأة يكون نتيجته إلى الفساد أو الظلم ولذلك قَالَ رسول الله (ص) : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ) وسامحنا أو سامحينا .

    • زائر 9 زائر 1 | 1:31 م

      اخي زائر 8

      الم اقل لك لانستطيع سبر اغوار كلام هذا الرجل العملاق فها انت نسبت الضمير الى شرار النساء وقلت بان الكلام موجه الى شرار النساء كيف علمت ذلك والفقرة بعد شرار النساء تقول وكونو من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف فالنهي عن طاعتهن هل يعود الى خيارهن او شرارهن ؟

اقرأ ايضاً