العدد 4001 - الثلثاء 20 أغسطس 2013م الموافق 13 شوال 1434هـ

متى يعلنون قيام العرب؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

وعدت بعد نشر مقالي السابق «ماذا دهاكم أيها العرب»، أن أكتب مقالاً عن العمل للخروج من مأزقنا الحالي والانطلاق نحو إعادة بناء الأمة العربية، واللحاق بركب البشرية الصاعد في القرن الحادي والعشرين. ليس لدي وصفة جاهزة، والأحمق هو الذي يدّعي أن لديه حلولاً جاهزة معلبة، لكن مراجعةً لتاريخ العرب تظهر لنا أنهم مرّوا بهزائم واستطاعوا تجاوزها، ومرّوا بمراحل انحطاط لكنهم استطاعوا معاودة الصعود. لكن ذلك يشترط توفر عدد من الشروط.

أولاً: الإقرار بالهزيمة، ونحن لم نقرّ بهزيمة 5 يونيو 1967، وأسميناها نكسة، ورغم شجاعة جمال عبدالناصر بالاعتراف عن مسئوليته، ورغم تصدّي بعض المثقفين العرب لذلك بالنقد القاسي كما فعل صادق جلال العظم في كتابه «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، إلا أن الأمة العربية لم تعترف في قرارة نفسها بالهزيمة، وبأنها ليست هزيمة عسكرية فقط بل هزيمة حضارية بكل أبعادها. لكن وفي سياق سابق، نجح الصليبيون في احتلال المشرق العربي كله وفي قلبه فلسطين والقدس، وأقاموا دويلاتهم واستيطانهم على امتداد 200 عام، وسلّم العرب بالأمر. لكن دولة ناشطة حينها ومن أعلامها القائد ذي الأصل الكردي صلاح الدين الأيوبي، تصدّى للواقع الأليم، وعمل على توحيد الإمارات العربية المتناحرة، ليدشّن حرباً طويلةً وصعبةً جداً ضد الدويلات الصليبية، ولتتوّج في النهاية بتحرير الأراضي العربية المحتلة وتحرير القدس، وليُكنس الصليبيون من أرض العرب.

وفي تاريخنا الحديث، تصدّى جمال عبدالناصر للأوضاع المصرية والعربية المؤسفة في الخمسينيات، وأبرزها احتلال فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني وهزيمة الجيوش العربية بما فيها الجيش المصري، والانحطاط الداخلي والتشرذم العربي، وهكذا قاد عبدالناصر ثورة يوليو 1952، ليدشّن نهوضاً مصرياً وعربياً رائعاً، بحيث أضحى المواطن يفخر بانتمائه لأمة العرب. لكننا نعرف أيضاً سياق هذا النهوض وقصوره، وتآمر الداخل والخارج وإحباطه، والنهاية الحزينة لهذا النهوض التي انتهت بموت عبدالناصر في 29 سبتمبر/ أيلول 1970، في ظروف مؤلمة وهي اقتتال الفلسطينيين والأردنيين. ورغم ذلك ظهرت مفاعيل النهوض في حرب أكتوبر المجيدة، حيث سرق انتصار القوات المسلحة العربية من الشعب العربي من قبل المتآمرين.

وفي عصرنا الحديث، وصلت أوضاع العرب من الانحطاط إلى درجةٍ لا تسر العدو قبل الصديق. ولكن كان هناك شيء يعتمل تحت الأرض لم تدركه الأنظمة العربية الحاكمة ومخابراتها، ولا حلفاؤها الغربيون ومخابراتهم ولا «إسرائيل» وأجهزتها المخابراتية الأسطورية... ولا حتى المعارضون العرب بكل أطيافهم وحكمائهم. كان هناك الملايين من الشباب العربي الذين لم يتشربوا روح الهزائم، ولم يدخلوا دهاليز السياسة وحساباتها وتكتيكاتها، ولم ينظموا للأحزاب المتلونة والجمعيات تحت الطلب. إنهم شباب عرب تواصلوا مع بعضهم البعض عابرين الحدود من المحيط إلى الخليج، غير غائبين بالرقابة، وغير مكترثين بالزعامات والحكماء والكبار، وانخرطوا في أشكالٍ من المقاومة لهذه الأنظمة العربية ذات القبضة الحديدية ومخابراتها وسجونها الرهيبة.

نعم، على امتداد العقد الأول للقرن الحادي والعشرين، دخل هؤلاء الشباب معترك المقاومة المدنية والحركة الحقوقية، دخلوا السجون وخبروها، ونظموا المظاهرات الطيارة، وتضامنوا مع بعضهم البعض دون حساسيات أو وصاية، وشكّلوا حركات احتجاجية واسعة مستخدمين أحدث وسائل العصر للتواصل والتنظيم، عبر الفضاء الإلكتروني، الذي لا يمكن للأنظمة ومخابراتها السيطرة عليه. وعلينا أن نفخر بهؤلاء الشباب والشابات الذين قدّموا التضحيات وتمسكوا بالأمل، وظلّوا يدقون الأجراس في ظل الصمت الرهيب حتى استفاق العرب، على صرخة محمد البوعزيزي في تلك المدينة التونسية الصغيرة وهو يصرخ في وجه ضابطة الشرطة ويحرق نفسه احتجاجاً على الصفعة التي تلقاها من الشرطية، والتي أحسّ بها ملايين العرب وهم يتلقون الصفعات الفعلية والمعنوية كل يوم.

وهكذا تجاوب ملايين الشباب العرب مع صرخة البوعزيزي، وانطلق الإعصار عابراً الحدود والسدود، ومقتحماً كل بيت وشارع، وكل مدرسة ومكتب، ومقتحماً بالأساس تلك البنى الذهنية المستسلمة لقدر الاستبداد، كاسراً أنماط التنظيم والتبعية والمعارضة.

نعم، اصطدمت الدعوة الثورية للتغيير ببنى سياسية واجتماعية وذهنية متخلفة للمعارضة العربية والجماهير أيضاً، وقد وُوجهت دعوى التغيير الجذري بالتشكيك حتى ممن يدّعون المعارضة والثورية. وُوجهت بتشرذم المعارضة في أكثر من بلد عربي، ووُوجهت بقوة رجعية نائمة أخطر من الأنظمة، وهي خليطٌ من تنظيمات ومجموعات سلفية وطائفية وإسلاموية متخلفة، متمترسة في المجتمع العربي، وكانت جاهزةً للانقضاض على الثورة أو سرقتها أو حرفها. نعم، تآمر الغرب والتحالف النفطي الخليجي لاحتواء الإعصار وترويض المارد. نعم، انحرف مسارُ الثورةِ في أكثر من مكان، وتحوّل إلى حربٍ قذرةٍ كما في سورية وليبيا قبلها، ولكن تبقى هناك فرصة تاريخية أمام العرب يجب أن لا يضيعوها إذا ما أرادوا الخروج من المستنقع الذي هم فيه.

المطلوب هو السير بحركة التغيير، فالثورات ليست حفلةً ناعمةً، بل عمليةُ موجات متلاحقة، يسقط في كل مرحلة كثيرون وينهض كثيرون، وما يجري في مصر وتونس نموذجٌ على ذلك، يجب أن لا يدفعنا إلى التطيّر بل إلى الأمل.

يجب على المواطن العربي العادي أن يدرك أنه ضحية الأنظمة العربية التقليدية والجمهورية المدعية للديمقراطية والجاهزة بالاستبداد، وعدم الانخداع بتميّزه عن أخيه المواطن، وعدم الانسياق وراء دعوات التفرقة والتمييز العرقي والطائفي والديني والطبقي. لقد كشفت الأنظمة العربية عن أقبح ما في طبيعتها، ألا وهو تمزيق الشعب ودفعه للاحتراب فيما بين أبنائه وحتى تدمير الوطن، فلا يضيرها أن تحكم على الأطلال ولا يهمها أن تحكم طوائف وليس شعباً.

أما الشرط الثاني فهو التضامن فيما بين الشعوب العربية وثوراتها، فلن تنتصر ثورةٌ لوحدها وبمعزل عن الآخرين، لأن العدو العربي والغربي والصهيوني موحد في استهداف الثورات سواءً الهادفة لتغيير النظام أو إصلاحه جذرياً.

عندما عاد الملك محمد الخامس إلى المغرب مظفّراً من منفاه في مدغشقر، خرج شعب البحرين في مظاهرة هاتفاً «من مراكش للبحرين... شعب واحد لا شعبين»، فليكن هذا هو شعار الشعوب العربية المطالبة بالتغيير والنهوض العربي.

إنها فرصة تاريخية أمام العرب والجيل الشبابي الجديد، فالربيع العربي هو فرصتكم لتحقيق امانيكم والنهوض بأمّتكم، فالأنظمة الدكتاتورية تعتبره ربيعاً دموياً أو خريفاً قفراً، فلا تلتفتوا إلى المشكّكين والانهزاميين... فهذه فرصتكم يا شباب العرب، ومن قلب الألم يولد الأمل.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4001 - الثلثاء 20 أغسطس 2013م الموافق 13 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 6:46 م

      عندما

      عندما تتم التصفية

    • زائر 12 | 6:42 م

      أليس لهم ملهم

      هؤلاء الشباب تذوقو طعم الانتصار تعرفو عليه لأول مرة عندما دحرت إسرئيل من جنوب لبنان على يد أبطال عرب وتأكدو من أن هذا الإنتصار لم يكن محض صدفة أو ضربة حض عندما تكرز في تموز 2006

    • زائر 10 | 8:33 ص

      طنبورها

      عقب تحرير العبيد الي واضعهم الاستعمار

    • زائر 7 | 7:49 ص

      وين يصير للعرب شأن وانتم تطعنوها في الظهر و تستميتون لتدخل الاجنبي

    • زائر 6 | 3:06 ص

      مقاومة التطور فاشلة مهما كانت قوة المال

      بعض الدول العربية الغنية تحاول ايقاف عجلة التطور ومحاربة اي تحول يمرّ بجوارها لذلك هي تحارب على كل الجبهات الخارجية ولم تفعل اي شيء لشعبها من اجل امتصاص احتقانه ونقمته وستجد نفسها في النهاية امام امر صعب جدا.
      ان الله يسلب الحكمة من البعض لأمر هو يريده لذلك هؤلاء يركزون على محاربة التطور والديمقراطية في محيطهم في حين ان شعوبهم هي التي سوف تقض مضجهم

    • زائر 5 | 2:08 ص

      تكتيكات حرب على الارهاب - دعايه أو إعلان؟

      بعد كشف مصادر الارهاب ومن صنع الحروب للهروب من ما فعلوه في العراق والشيشان وبلدان العالم الثالث اليوم يتنصلون ويخافون المحاسبه كما شالوا ووضعوا حكام لتلك البلدان. قوى الشر التي يدعون على غيرهم تمثل الشر إنكشف أنهم من يدير بؤر الفساد من أجل المال وتوسعت دوره ودورته ولا يهمه قتل الأبرياء ولا موت الناس ولكن مزيد من الفتن وصناعة حروب الشعوب فيما بينها ليتمكنوا من سرقت ونهب المزيد من ثروات تلك البلدان. الفيلسوف غاندي وحد شعب الهند ضد التجار الانجليز. ليش؟

    • زائر 3 | 1:01 ص

      مقال في قمة الروعه

      لدين الامل سوف نسير الى الامام

    • زائر 2 | 12:10 ص

      العرب

      يعلنون قيامه عندما يتم اعتقال جميع القاده العرب الحاليين ووضعهم في السجون واجراء محاكمه سريعه وصدور حكم بعدامهم فوراً مع جميع افراد حكوماتهم ومعهم المتمصلحين واعلان النفير العام لتحرير فلسطين عندها سيتحرر جميع الشعوب العربيه واعلان قيام العرب

    • زائر 1 | 10:01 م

      متى يعلنون قيام العرب؟

      بسيطة.... بعد مليون سنة. تشكل لجنة ثم لجان فرعية لتنظر فى المسألة التى ستدخل فى القضية و تنتهى الى حالة لا يحلها الا الحلال.

اقرأ ايضاً