العدد 4002 - الأربعاء 21 أغسطس 2013م الموافق 14 شوال 1434هـ

التاريخ ليس أجيراً عندكم... كذلك المستقبل

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

حركة التاريخ لا يمكن توجهيها بجهاز التحكّم عن بعد. التاريخ ليس موظفاً في بلاط؛ وليس عاملاً بـ «المياومة». التاريخ ليس تائهاً تدعوه إلى بيتك ليأخذ قسطاً من الراحة وتعمل على رشوته بإكرام الوفادة. التاريخ ليس لقيطاً يتم تبنّيه وبعدها إهانته وتذكيره بأصله ومنبته. التاريخ ليس مصادفة نتعامل معها بحسب أمزجتنا؛ بالفرح الغامر إذا كانت في صالحنا؛ والاكتئاب والانهيار إذا كانت على الضد من ذلك.

التاريخ لا يُعبث في تفاصيله إذا تُرك حراً من دون ضغط أو ابتزاز أو توجيه أو إملاء. قد يبدّل مواقعه ولكنه لا يبدل تفاصيل تلك المواقع.

التاريخ ليس سهرة ماجنة، تدفع الإنسان إلى الخروج عن طوره، وتناسي آدميته؛ لفرط السكْر وفائض العربدة.

ذلك ما لا يفهمه ويتجاهله الممسكون بشئون الأمة ومصيرها؛ سواء كان غصْباً من دون تفويض؛ أو حتى بتفويض منها في مسار ديمقراطي حر، تظهر بعده الأخطاء والخروج على ذلك المسار.

علل الحاضر أنها صنيعة ذلك التاريخ الذي تم تجاهله؛ وأحياناً عدم الاعتراف به، وكأنه لم يكن.

علل الحاضر من تسطير تاريخ في حاضر مبتلى ومشوّه مليء بالأخطاء والويلات والغباء أيضاً!

***

وهناك من يريد للفصول الأربعة أن تتحوّل بمشيئتهم إلى خريف خارج أسوارهم. خريف يطول شعوباً وأمماً ليس من حقها أن تفكّر - مجرد تفكير - ولو للحظة بالإيمان بتعاقب الفصول ودوراتها. يُراد لها أن تكون متوائمة ومنسجمة مع فصل واحد لا غير: الخريف. ذلك ربيعها كما يرى أولو الأمر!

وفي ذلك غباء مضاعف وتجاوز على قوانين الطبيعة التي نعرف جانباً منها، وطبيعة البشر التي من المفترض أن يكون البشر أكثر معرفة بها من قوانين الطبيعة؛ لأنهم أكثر التصاقاً بها، وإن التصقوا بالطبيعة إلا أنهم خارج تفاصيل حركتها وهياجها واستقرارها وتقلّبها.

***

لم تعرف الأوطان العربية لا في فترات الاستعمار الذي استنزف مواردها البشرية قبل مواردها الطبيعية، ولا في فترات ما يُعرف بالحكومات أو الدول الوطنية ما بعد ذلك الاستعمار، أي ربيع يمكن أن يُعوّل عليه. ظل الخريف كما هو، وهو خريف له امتداده التاريخي ما قبل ممالك وإمارات الطوائف. في امتداد عميق لا يمكن التنصّل منه ممن يريد اليوم أن يكون التاريخ بحسب مقاسه وبحسب مزاجه، وبحسب انتمائه وطائفته يسيّره ويجيّره. في امتداد عميق لزمن الفتنة الكبرى، وزمن توريث البلاد والعباد.

***

كل ما في الأمر، أنهم يريدون الفصول بقضّها وقضيضها ربيعاً حصرياً لهم ولمن يشايعهم في إذلال البشر وسفح ماء آدميتهم. لا خريف في قاموسهم، كما هو الأمر بالنسبة إلى الموت. لا علاقة لهم بدورات الحياة ونهايتها: الموت. مخلّدون هم. هل عبروا التاريخ قراءة؟ وهل يحتاجون إلى مثل ذلك العبور كي يكتشفوا أن الموت حاضر كما هي الحياة. في البسيط والبدهي من النظر العابر، ألا يضجّ الحاضر بموت وافر؟ ألا يضج بتراجيديا السقوط والانهيار بالنسبة إلى كثيرين لم يعتقدوا أنهم سيشهدون مثل تلك النهايات التراجيدية والمخزية؟!

***

الفصول تقدِّم لنا درساً حياً من التاريخ. ذلك التعاقب، وذلك التحوُّل، وذلك التجدُّد، جزء لا يتجزأ مما يمكن أن نقف عليه من درس التاريخ.

الحراك هو درس الطبيعة الأول. ودرس الإنسان الأول والدَّال عليه هو الحراك في المقام الأول.

لن يكون إنساناً إذا ظل جامداً وثابتاً لا يمْسَسْه تحوُّل وتبدُّل وقفزات. يكون حجَراً وجامداً ساعتئذ.

والذين يريدون احتكار فصل من فصول العام، وجعله وقفاً عليهم إنما هم خارج سياق الحضور، وخارج سياق تلك الديناميكية التي لا سلطة لهم عليها.

والذين يريدون تأبيد الخريف في دنيا الناس ومحيطهم والعبث بمصائرهم، يعانون من مأزق في الحضور، ومأزق في التعاطي مع بدهيات هذه الحياة. الحياة التي لم يهندسوها ويضعوا قوانينها وسننها.

***

وكما أن التاريخ ليس أجيراً، وكما أنه ليس لقيطاً يتم تبنّيه وبعدها إهانته وتذكيره بأصله ومنبته، كذلك الأمر مع الفصول؛ ليست أجيرة عند أحدهم، ولا يملك أحد العبث بقوانينها أو الطلب إليها الرضوخ إلى تعاليمه ومراسيمه.

في اللبّ من ذلك الإنسان. الإنسان الذي يحدّد هو إلى أي فصل ينتمي في الحياة. إلى ربيع يطلق طاقاته وبهجته بالحياة والعمل على إعمارها؛ أم إلى خريف يدخله في عداد الأحياء الموتى. الموتى الذين يشكّلون عبئاً على الحياة نفسها. تلك هي المسألة.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4002 - الأربعاء 21 أغسطس 2013م الموافق 14 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:41 ص

      تاريخهم اسود او ابيض

      هؤلاء يفجرون انفسهم ويزهقون الارواح البريئه هل يضنون انهم يدخلون التاريخ من اوسع ابوابها او من يسرق البساط الانتماء للوطن لفئه معينه او الاستقواء على الاخرين هل يكون تاريخهم سلبي اوم ايجابي

    • زائر 1 | 1:21 ص

      كلامك هذا ينطبق على الوضع في مصر

      الذين انقلبوا على الإخوان المسلمين في مصر من العسكر والعلمانيين يريدون أن يطمسوا تاريخ الحرية والكرامة في مصر الجديدة وذالك بعدائهم لثورة ‏25 يناير ونتائجها واستحقاقاتها وبعضهم ذهب ليقول أن الثورة والكرامة والحرية للشعب المصري بدأت يوم ‏30 يونيو

اقرأ ايضاً