العدد 4005 - السبت 24 أغسطس 2013م الموافق 17 شوال 1434هـ

بلدان تتحول إلى مكب نفايات

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

مكب النفايات المكان حيث تدفن النفايات التي تجمعها لوريات البلدية أو شركات جمع النفايات بعد الخصخصة. وقد تطوّرت مكبات النفايات بحيث أضحت النفايات توضع في حاويات وتُعزل وتُدفن حتى لا تتسرب سمومها إلى المياه الجوفية، ولئلا تلوّث بغازاتها وغبرتها المحيط فتنفث رائحتها الكريهة. ولكن مهما اتخذت من احتياطات فإن مكب النفاية يبقى مكاناً كريهاً، ويستدل عليه من بعيد من خلال الطيور الجارحة التي تحوم فوقه، والكلاب الضالة التي تقصده.

هناك بلدان تحوّلت إلى مكبات للنفايات البشرية، حيث يضحى الوطن شركةً إقطاعية، ولذا لا يصبح المواطن هو الأساس، ولا الشعب هو المرتجى. في مثل هذه البلدان يتم استقدام سكّان من مختلف أرجاء العالم، بغضّ النظر عن مثالبهم ومخاطرهم. فيجلب الجنود للعمل كمرتزقة، لأنه لا تربطهم بالشعب أية روابط، ولذا يسهل استخدامهم في القمع دون رحمة، ويجلب من وراء الحدود المحققون القساة المستعدون لممارسة التعذيب دون وازع أو ضمير.

ويجلب المستشارون الأفّاكون الذين لا يملكون الخبرة أو الموهبة أو الإخلاص حتى ولو حملوا لقب (د.)، وهمّهم تزيين الأمور لدى الحكام، والتزلف للمسئولين، وفي ذات الوقت إبعاد مواطني تلك الدول الأكفاء الشرفاء الحريصين على مستقبل ومصلحة بلادهم وشعبهم.

في بلاد مكب النفايات، لا بأس من جلب أيٍّ كان للعمل في أجهزة الدولة ومؤسساتها، لأنهم مستعدون لعمل أي شيء وحتى ولو أهدروا كرامتهم، وقبلوا بالاستغلال والابتزاز بحاجتهم الملحة، أو لانتهازيتهم. وفي بلاد مكب النفايات لا بأس من تجنيس الطارئين لضمان ولائهم، لكنهم يظلون مهدَّّدين بسحب الجنسية إذا ما أبدوا أي تذمر أو فكروا بالخروج عن الطاعة. فهم يعرفون أنهم حصلوا على جنسية تلك البلدان دون حقّ، ويمكن نزعها عنهم من دون حق أيضاً.

في تلك البلدان، تصبح البلاد كبرج بابل، لا يجمع بين أهلها جامع الهوية والثقافة والانتماء للوطن، ويصبح الوطن أقرب إلى فندق، يدخله الكثيرون كل يوم ويخرج منه الكثيرون كل يوم، أما ساكنوه فلا يرتبطون ببعضهم سوى التواجد اللامبالي في صالة الطعام أو بهو الفندق، وكلّ في حاله، ومرجعيتهم إدارة الفندق.

في تلك البلدان، يصبح الوطن محطة مؤقتة، وتصبح المواطنة مهنة للطارئين، والهدف هو تحقيق أكبر قدر من الربح في أقصر وقت، وبغض النظر عن الوسائل بما فيها أكثرها خسةً، كالوشاية والنميمة والاستغلال.

في تلك البلدان، يصبح المواطن الحقيقي غريباً، والطارئ نمرودا، ولذلك يمشي المواطن بجانب الحيط، ويمشي الطارئ وسط الطريق. المواطن يعيش الانكسار كل يوم والطارئ يعيش النشوة كل يوم. من هنا قلد يلجأ الموطن إلى الهروب من واقعه الكريه بالإدمان، أو التديّن السلبي، أو التقوقع أو الهجرة من الوطن الذي أحب، فيما الطارئ يجلب أقاربه ومعارفه، ويمكّنهم ليكونوا مستوطنين. لكن بلد مكب النفايات كما مكب النفايات، ليس تحت السيطرة تماماً، فقد تحدث تفاعلات وتندلع حرائق، وتتسرب غازات خانقة، وقد ترتفع مطامع الطارئين بعدما يتمكنون من مفاصل الدولة والاقتصاد ليقفزوا إلى سدة الحكم، وقد حدث هذا في بعض البلدان مثل زنجبار وغيانا وجوام.

قد يصل المواطنون إلى حافة اليأس فيحتجوا ويثوروا، سواء ضد حكوماتهم أو ضد الطارئين فتحدث مجازر عرقية، كما حدث في أكثر من بلد إفريقي، وكذلك في فلسطين حيث حدثت أكثر من انتفاضة ضد المستوطنين الإسرائيليين.

الخبراء العالميون والمؤسسات العلمية والأمم المتحدة ذاتها، في مجال تعاطيها مع موضوع الهجرة أو التوطين، وتأثيرها على السكان الأصليين، أصدرت المواثيق وأقامت الأجهزة واقترحت سياسات من شأنها المحافظة على حقوق السكان الأصليين، وفي الوقت ذاته ضمان حقوق المهاجرين الشرعيين، وهذا يتحقق في الدول الديمقراطية بما فيها تلك التي تستقبل هجرات كثيفة، ولكن المهاجرين يندمجون في المجتمع تدريجياً، رغم أن العملية ليست مثالية. لكن المواثيق الدولية لا تعترف بحق المستوطنين الذين استوطنوا بلداناً بالحيلة أو بالتواطؤ أو الإكراه.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4005 - السبت 24 أغسطس 2013م الموافق 17 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:35 م

      ( التجنيس و التميز)

      إن سياسة التجنيس و التميز و التوطين و التهميش ،هي التي تشعل نار الفتنة و الكراهية و الحقدبين الشعب الواحد ،في أية دولة تمارس مثل هذه السياسة و ربما تؤدي الي حرب أهلية أو توررة .

    • زائر 6 | 9:08 ص

      ليس كل الدول هي دول نفايات.

      الله يعين مواطنيني دول النفايات.

    • زائر 5 | 4:15 ص

      وهم المال وصراع اليهود على الأرض

      تحاول إسرايل التستر على فضائح ما إبتدعه وإبتكره اليهود من نظام مالي ورقي عالمى بأرصدة ومضارابات و.. بات مكشوفا للعالم أنه ليس هناك أموال وأن الأراضي التي إستحلوها وباعوها وحللوا بيعها شرائها تعود للشعوب ولا تعود الى الحكام أو التجار والمتاجريب في العقار. هذه الفضيحه إستتر عليها أكثر الدول لكي لا ينهار الاسراف العالمي. بدل أن يقتصدوا ويزرعوا ويحصدوا، إحتكروا الزراعة وخلقوا بالمال الوهمي دربوا الناس على المتاجره وبيع أراضيهم وتحويلها الى مستعمرات أي بنايات سكنيه؟

    • زائر 4 | 4:09 ص

      مقر نفايات

      نعم أصبحت البلد أقرب ال المثل الشعبي "كل ساقط اليه لاقط"...

    • زائر 3 | 3:22 ص

      نعم تحوّلت سوريا الى محرقة للنفايات

      امريكا ومعها اسرائيل وبريطانيا ومن لف لفهم من الدول العربية جعلوا من سوريا محرقة لاتباع القاعدة والصحوة في نفس الوقت هم يهدفون مع التخلص من هذه المجموعة من الناس انهاك واضعاف اقوى جيش عربي بعد العراق . تدمير الجيش العراقي والآن السوري ومن بعده فقد بدأوا بالجيش المصري والذي سيدخل في صراع مرير وطويل مع الاسلاميين ويكونوا قد حققوا ما يريدون فلا جيش يجب ان يضاهي الجيش الصهيوني

    • زائر 2 | 1:42 ص

      تواريخ تزورة وقوانين ملها علاقة بالقانون لكن ..

      مادامت القوانين يصيغها قضاة ومشتسارين من مصر أم الدنيا ولا يرجعون الى دستور المسلمين الديمقراطي الاشتراكي الاسلامي الموحد للعالم ستبقى الدول العربيه تحت رحمة مفتين الازهر ومستشرقين أو مستغربين من كيف يفتي المفتي بإعدام الناس في حال قتل واحد بينما يفتي بإطلاق سراح من أدار المخابرات ومن عمل في المخابرات وخانة الامة العربيه و ... فهل يمكن القول على المفتين والمستشارين والقضاة يفقهون أو لا يعقلون؟

اقرأ ايضاً