العدد 4005 - السبت 24 أغسطس 2013م الموافق 17 شوال 1434هـ

حلم طالب أميركي أصمّ تخذله الآذان الصاغية!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

تناولت صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً تحقيقاً في قضية طالب أصمّ في مدرسة للطب لم يحقّق تقدماً في دراسته بالمدرسة، لا لضعفٍ في قدرته على التعلّم الأكاديمي، وإنما بسبب عدم قدرته على السمع!

فحوى الدعوى المرفوعة من قِبل والد الطالب الأصمّ (مايكل أرجيني) أمام المحكمة الفيدرالية في أوماها ضد الجامعة هو أن «ابنه البالغ من العمر 26 عاماً لم يستطع خلال إحدى جلسات التدريب الطبية أن يفهم كل ما كان يقوله مريض مصاب بكسر في الفكّ عن حالته المرضية، وأنه طلب مرات عدة الاستعانة بمترجم إشارات يكون معه خلال التدريبات الطبية، ولكنّ إدارة مدرسة الطب بجامعة كرايتون، في مدينة أوماها بولاية نبراسكا الأميركية، رفضت تلبية هذا الطلب بحجة أن المريض عادة ما يتردَّد في التحدّث عن حالته الطبية في حضور شخص آخر غير طالب الطب، هذا فضلاً عن أن الطالب قادر على الكلام وقادر على التواصل بدون الحاجة إلى مترجم إشارات بسبب حالة الصمم».

يقرُّ المسئولون في جامعة «كرايتون» بأن مايكل أرجيني طالب بارع وقادر على أن يكون واحداً من أفضل الأطباء، وبأنهم يجدون أنفسهم غير مقصّرين تجاهه، فقد قدموا له كل ما يسمح به القانون للنجاح في مدرسة الطب من توفير نظام «FM» الذي يكبر له الأصوات من خلال زرع قوقعة بالأذن، ومدوني ملاحظات أثناء إلقاء المحاضرات بالإضافة إلى منحه أولوية في المقاعد الدراسية.

أثارت تلك الدعوى القضائية انتباه الحكومة الفيدرالية، واشتدّ غضب نشطاء حقوق الإنسان الذين اعتبروا المسألة «بمثابة نكسة لجهودهم المتواصلة في تحقيق المساواة في التعليم للطلبة المعوقين، وأن قضية هذا الطالب تتمتع بأهمية خاصة لأنها تبعث برسالة قوية إلى المجتمع الجامعي، تقول بأن القانون لا يغطي أمثاله».

واللافت في الأمر، الوعي الحقوقي الذي يتمتّع به كل من الطالب الأصمّ وأبيه، فمن جهة اعتبر الأب موقف الجامعة الرافض لطلب ابنه بمثابة انتهاك واضح بشأن حقّه في إنهاء تدريباته الطبية بحضور مترجم إشارات، ومن جهة أخرى اعتبر الطالب أرجيني الجامعة ملزمة قانونياً بدفع تكاليف أجر مترجمه الخاص وكافة خدمات الاستنساخ التي كلفته مبلغ 100 ألف دولار خلال العامين الأوليين من دراسة الطب.

ربما ستُعذِرُ منظمات حقوق الإنسان في موقفها المتصلب والداعم لحق الطالب الأصمّ لأنهم يتعاملون بحرفية عالية مع المعايير التي حددتها التشريعات والمواثيق الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فكل التسهيلات المقدَّمة من الجامعة للطالب الأصم ـ من وجهة نظر المنظمات الحقوقية ـ لا ترتقي إلى المستوى المطلوب لضمان حقوق هذه الفئة المهمة في المجتمع الأميركي.

السؤال المطروح: يا تُرى، هل ثمة ثغرة على مستوى التشريعات الخاصة بحقوق المعوقين في أميركا؟

حسب التحقيق الذي نشرته تلك الصحيفة (نيويورك تايمز)، فإن هناك تقدماً كبيراً على مستوى التشريعات الخاصة بالمعوقين الأميركيين في السنوات الأربع الماضية، إلا أنهم (أي المعاقون) يظلون يعانون خلال مرحلة التعليم العالي وفي مجال العمل، أما في المجال الطبي يظل الطالب الأصم أو الذي يعاني من ضعف في السمع، غير قادر على تقلّد مناصب مهارية عالية.

في 13 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2006 اعتُمدت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وهذه الاتفاقية ليست كسائر الاتفاقيات التي تكتفي عادةً بذكر ما لا ينبغي على الدول أن تمارسه في مجال التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكنها تحدِّد أيضاً الخطوات العديدة التي يجب على الدول القيام بها لمنع التمييز وتحقيق المساواة للجميع، وضمان توفير بيئة ملائمة تمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة من التمتع بمساواة حقيقية في مجتمعاتهم، ومنها على سبيل المثال تعزيز إمكانية اللجوء إلى القضاء إذا ما وقع التمييز ضدهم كما هو الحال بالنسبة لمثال اليوم.

ولكي ندرك تحديداً حقيقة ردة فعل جماعات حقوق الإنسان إزاء الطالب الأميركي الأصم وحلمه في أن يتمتع بكامل حقوقه الإنسانية التي كفلتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فإن من المهم الإشارة إلى المادة (24) / «التعليم» من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ تنصُّ في بند (3): «تمكِّن (أي الاتفاقية) الدول الأشخاص ذوي الإعاقة من تعلّم مهارات حياتية ومهارات في مجال التنمية الاجتماعية لتيسير مشاركتهم الكاملة في التعليم على قدم المساواة مع آخرين بوصفهم أعضاء في المجتمع. وتحقيقاً لهذه الغاية، تتخذ الدول الأطراف تدابير مناسبة، منها: تيسير تعلّم لغة الإشارة وتشجيع الهوية اللغوية لفئة الصُم، وكفالة توفير التعليم للمكفوفين والصُم أو الصُم المكفوفين، وخصوصاً الأطفال منهم، بأنسب اللغات وطرق ووسائل الاتصال للأشخاص المعنيين، وفي بيئات تسمح بتحقيق أقصى قدر من النمو الأكاديمي والاجتماعي».

وفي البند (4): «وضماناً لإعمال هذا الحق، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة لتوظيف مدرسين، بمن فيهم مدرسون ذوو إعاقة يتقنون لغة الإشارة و/أو طريقة برايل، ولتدريب الأخصائيين والموظفين العاملين في جميع مستويات التعليم. ويشمل هذا التدريب التوعية بالإعاقة واستعمال طرق ووسائل وأشكال الاتصال المعززة والبديلة المناسبة، والتقنيات والمواد التعليمية لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة». وفي البند (5): «تكفل الدول الأطراف إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التعليم العالي والتدريب المهني وتعليم الكبار والتعليم مدى الحياة دون تمييز وعلى قدم المساواة مع آخرين. وتحقيقاً لهذه الغاية، تكفل الدول الأطراف توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة.

إن أعظم درس يجب أن نتعلمه من الطالب الأميركي الأصم هو الإصرار على المطالبة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في كافة مناحي الحياة، وأن من حقنا أن نقاضي كل الذين يصادرون إنسانيتنا.

تجدر الإشارة إلى أنه صدر في مملكة البحرين قانون رقم (22) لسنة 2011 بالتصديق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (الجريدة الرسمية، العدد 3007، الخميس 7 يوليو 2011م).

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 4005 - السبت 24 أغسطس 2013م الموافق 17 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:12 ص

      مأساة ذوي الإحتياجات الخاصة

      وهنا في البحرين نتيجة عقلية غير واعية للجانب العلمي والتربوي مع تعمد عدم الإشارة إلى فارق البيئة والتسهيلات الموجودة على أرض الواقع أو تلك المطلوب توفيرها ، ونتيجة ضغط غير مبرر له إلا كون صاحب الفكرة ذو نفوذ، وافقت الوزارة على دمج ذوي الإحتياجات الخاصة بشكل يحط من كرامتهم ويهينهم، ويهين كذلك البيئات التعليمية لأن مقدار الدعم يكاد يكون صفر.
      في المقابل هناك تبجح بهذه الفئة على مستوى الدعم، وكأنما الناس نيام لايدركون ما يجري حولهم، فأين حق الطالب في التعليم، حقه كإنسان عن هذا التجاوز السافر؟!

    • زائر 1 | 10:11 م

      فقد قدموا له كل ما يسمح به القانون

      العنوان أعلاه أحد معوقات التقدم و التطور على هذه الكرة. الكل يتحجج بالقوانين و الأصول و العادات و العرف و.... كل هذه الأمور للتغطية على ضعف و عجز قدرة الإنسان فى مماشاة التطور و تقبل التغيير. أى بمعنى آخر: المتكدس فى المخ البشرى لا يسمح له بالتطور كما يجب.

اقرأ ايضاً