العدد 4013 - الأحد 01 سبتمبر 2013م الموافق 25 شوال 1434هـ

انتصرت أميركا على العنصرية فمتى ينتصر العرب على القبلية؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في يوم الأربعاء 28 أغسطس/ آب 2013 احتفلت الولايات المتحدة الأميركية ومعها العالم أجمع، باليوم التاريخي لأكبر مسيرة مناهضة للعنصرية في واشنطن العاصمة قبل خمسين عاماً، قادها القس الأسود قائد الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج، حيث ظلّ خطابه «عندي حلم» محفوراً في ذاكرة التاريخ جيلاً بعد جيل.

وقد قاد أول رئيس أميركي أسود باراك أوباما الاحتفال من على سلم النصب التاريخي لإبراهام لنكولن، أول رئيس أميركي من شرع بتجريم التمييز. في هذا الاحتفال التاريخي ذكر أوباما بمغزى خطاب كينج، والمسيرة التاريخية لنضال الأميركيين الأفارقة ومعهم الكثير من الأميركيين البيض الشرفاء، لإنهاء التمييز العنصري ضد السود وغيرهم في الولايات المتحدة، والتي كانت جزءًا من مسيرة عالمية أيضاً لتجريم التمييز بكافة أشكاله، مستعرضاً إسهام الأميركيين الأفارقة في حماية وبناء أميركا وتقدمها.

ورغم الإنجازات البشرية في مكافحة وتحريم وتجريم التمييز، وتأكيد المساواة بين بني البشر بغض النظر عن أعراقهم وألوانهم ودياناتهم وأصولهم وقبائلهم ومواقعهم، إلا أن التمييز لكل هذه الاعتبارات لايزال يُمارس في كثير من بلدان العالم ومنها الولايات المتحدة الأميركية وبلادنا بالطبع.

الواقع يقول، وتقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والعربية والدولية، تثبت بالقرائن والوقائع الملموسة، أن التمييز العرقي والديني والمذهبي والقبلي والجندري وغيره، سياسة رسمية واستراتيجية للأنظمة العربية، وأنها أنتجت على مدى العقود التي تلت الاستقلال أنظمة تمثل أقلية الأقلية، وتستند إلى التمييز بين أبناء الوطن الواحد، وتهدف إلى تمزيق النسيج الوطني وإدخال أبناء الوطن في صراعاتٍ مستمرةٍ لتنفرد هي بالسلطة والثروة، وترمي بالفتات إلى أتباعها وشركائها والمتحالفين معها. وقد انعكس ذلك على المجتمع العربي، الذي تشرّب بثقافة التمييز وتخلّى عن قيم المساواة والتسامح والعيش المشترك، وأضحت «خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، أمة الاحتراب والنزاعات الداخلية، والتي تتراوح ما بين حرب أهلية ونزاعات مسلحة كما في سورية واليمن وليبيا، إلى توترات دينية وطائفية وعرقية ومناطقية في الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.

لقد وصل انحطاط الثقافة العامة، والتعبئة الجاهلية للأنظمة ومروّجيها من سياسيين وإعلاميين ورجال دين، عبر كل وسائط الاتصال من محطات فضائية وصحف، ومنابر مساجد، وبرلمانات وفضاء إلكتروني، إلى حد أصبحنا أعداء أنفسنا، حيث يتم علناً تكفير قطاعات واسعة من أبناء الأمة وطوائفها، من الشيعة والصوفية والعلويين والدروز فضلاًَ عن المواطنين المسيحيين، ويُخوّن أبناء الشعب باعتبارهم عملاء، وغير مخلصين للوطن، بل وتحول السكان الأصليون إلى طارئين، والطارئون إلى مواطنين أصليين.

إن جوهر ديننا الإسلامي الحنيف هو التأكيد على كرامة الإنسان، أي إنسان، بغضّ النظر عن أهله وجنسه وعرقه وأصله وفصله، سواءً كان مسلماً أو من أي دين أو ملة أو حتى غير متدين. وكما جاء في القرآن الكريم: «ولقد كرّمنا بني آدم»، وقال رسول الإسلام (ص): «إن الله خالق الجنة لمَن أطاعه ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النار لمَن عصاه ولو كان سيداً قرشياً»، وقال الإمام علي (ع) عن البشر: «إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق».

ولم يكن تطبيق ذلك في مجتمع التمييز الجاهلي العربي حينها سهلاً، بل اقتضى عقوبات ضد كبار القدم الذين يمارسون التمييز. وقالها الفاروق عمر (رض) وهو يأمر بجلد ابن الصحابي عمرو ابن العاص: «اضرب ابن الأكرمين»، بعد أن اعتدى على قبطي. وفي ذات التوجه كانت الشرائع والأديان السماوية والوضعية، وعلى هديها سارت الإنسانية إلى الإمام من خلال الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية وشعارها «حرية عدالة مساواة»، وكذلك وثيقة الماجنا كارتا البريطانية، والثورات الأخرى الأميركية والروسية وثورات الشعوب الحديثة للانعتاق من الاستعمار في القارات الأربع، بما في ذلك ثورة العرب الكبرى في 1917، وثوراتهم المعاصرة، وفي مقدمتها ثورة يوليو المصرية حيث خاطب قائدها الزعيم جمال عبدالناصر الفلاح المصري المهيض الجناح لقرون: «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد».

لكننا اليوم وبعد أن حلت بنا الهزائم القومية والوطنية، وحلّت بنا لعنة النفط، الثروة التي أكلت الثورة، وبعد أن تراجع الحلم القومي التحرري، وأحبط نهوض الأمة بفضل التحالف الأميركي الصهيوني النفطي، فإن الوطن العربي يشهد تراجعاتٍ مخيفةً في كل الجوانب، وفي مقدمتها تراجع قيم التسامح والمساواة والعدالة.

وفي المقابل وفي ظل هيمنة الأنظمة الاستبدادية والنفطية على الحياة العربية، فقد تعزّزت سياسات وممارسات وقيم التخلف، وفي مقدمتها التمييز بكافة أشكاله الديني والمذهبي والعرقي والقبلي والجندري، ضد أغلبية أبناء الشعب. وبالمقابل الامتيازات السياسية والاقتصادية للأقليات الحاكمة وحلفائها، ويجري الترويج بأن لهؤلاء حقوقاً تاريخية لا تنازع بفعل قرون أو عقود لحكم الغلبة، وأنهم متميّزون يفهمون ما لا يفهمه العوام، فـ»الشيوخ أبخص»، أي أعلم، وأن الواحد منهم يولد عبقرياً مؤهلاً للقيادة والتميز في كل مجالات الحكم والإدارة والأدب... وقس على ذلك.

إن حياتنا زاخرةٌ بثنائية التمييز والامتيازات، ولهذا انطلقت الصحوة العربية الجديدة (مادام البعض لا يحب تعبير «الربيع العربي»)، من تونس ابن خلدون عالم الاجتماع الإصلاحي الفذ، بل محمد البوعزيزي أول الثوار والشهداء في هذه الصحوة للثورة على هذا الواقع العفن، والحلم بعالم جديد وحياة كريمة ومجتمع عربي جديد تسوده المساواة والعدالة وصيانة حقوق الإنسان، مواطناً كان أو وافداً أو زائراً، ينتفي فيه التمييز والامتيازات بكل أشكالها.

في مجتمعنا الخليجي حيث كلكل الحكم التقليدي على مدى قرون محتكراً السلطة والثروة، أضحى مسلماً به مقولة «الشيوخ أبخص»، وأضحى مسلماً به أن الجماعة الحاكمة لها امتيازات متأصلة في الحكم حتى ولو نص الدستور شكلياً على «أن الشعب مصدر السلطات جميعاً»، والتغني بالشعب والمواطن. وتشمل الامتيازات القبائل والعوائل والجماعات المتحالفة، وبالطبع قبيلة رجال الأعمال المستجدة شريكة هذه العائلات في البزنس، والتي أصبح لها وجهاء، ولا بأس أن يسبق اسم أحدهم الوجيه أو الشيخ. ومن هنا فإن أخطر ما نواجهه هو التمييز القبلي في عودةٍ للجاهلية الأولى. وحيث تستخدم هذه الجماعات الدين لمعرفتها بتأثيره العميق على المجتمع، فقد لجأ بعضها إلى إثارة النعرات الطائفية، في توجّه لشد الأغلبية الطائفية التي تنتمي إليها عصبياً لدعمها، بتأليبها على الطوائف الأخرى التي غالباً ما تميل للمعارضة بسبب التمييز ضدها. وهكذا لم تتوانى عن تسعير الطائفية ووصم المعارضة بالطائفية، ولا ضير عندها أن تمزّق اللحمة الوطنية، فعلى أشلاء الوطن يستمر الحكم في أوطانٍ تحوّلت إلى مزارع خاصة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4013 - الأحد 01 سبتمبر 2013م الموافق 25 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 10:18 م

      الصراع الحقيقي

      الصراع الدائر الحقيقي هو بين قوى التنوير والمدنية ضد الاسلام السياسي وتحويل المجتمعات الى أنظمة ثيوقراطية يحكمها الفرد باسم الاسلام والأمثلة حواليك يا عبدالنبي ما تحتاج شواهد لا اعتقد ستكون في هذا الموقع عندما يحكمك نظام سياسي إسلامي ولا نحن سذج لتمرر علينا الديمقراطية تحت رايات الاسلام السياسي ومنظماته وأمواله

    • زائر 17 | 12:33 م

      القبيلة فخر العرب

      نحن عرب ونفتخر بقبائلنا وهذا شعور كل من لا جذر وانتماء حقيقي ، اما الجريمة هي التخندق الطائفي ؟ وبعدين نرجو التوضيح ، اذا ان البعض يدعي بانتمائه التاريخي للبحرين وليس له انتماء قبلي فالرجاء التوضيح من اين جائوا؟ لان كل من ينتمي للعرب بالضرورة له انتماء قبلي ونسب معروف

    • زائر 16 | 6:14 ص

      هم

      هم يعرفون الظلام انه مصيرهم نار جهنم بس عندهم عاده محاربة الله ولايخافونه لان لو كانو يخافون الله لما فعلو هاده الاجرام والله ياخد الحق

    • زائر 15 | 4:21 ص

      والناس عادت اليهم جاهليتهم كأنما شرع الاسلام قد افكا

      حمية الجاهلية والقصبية القبلية التي حاربها الاسلام هاهي الآن تنتشر وتصبح مدار التعامل في العالم الاسلامي فلا مقياس لبني البشر وكرامتهم وحقوقهم الا فقط عن طريقة القبلية والحمية الجاهلية

    • زائر 14 | 3:56 ص

      عادوا الى جاهليتهم

      يقال التاريخ يعيد نفسه والعرب قبل الاسلام ( الجاهلية ) كانوا يقدسون القبيلة ويؤدون البنات ويأتون المنكر بلا رادع لا بل بافتخار . واليوم يعودون الى جاهليتهم بتقديس القبيلة والاشخاص .

    • زائر 13 | 3:44 ص

      روعوا الناس وأرهبوهم وقتلوهم من أجل رأس مال يعني

      قد لا يكون أن من اللغاة الحية التي يتكلم بها الناس لغة منطقها قوة أو منطق تجارة حرة أو رأسمال. فكيف تكون تجارة حرة والناس وصلوا للعبودية لرأس المال؟. هل إستجابوا لربهم يعني أو إستجابوا للإغراء وأغقرقوا الناس في مشاكل لا لها أول من تالي وإختلط الخير بالشر؟. اليوم إزداد الشر بسبب مناطق حرة وخصخصة قد جلبتها منظمة تجارة حرة بالتعاون الفني مع البنك الدولي ومؤسسة النقد العالمي.

    • زائر 11 | 3:19 ص

      شركات بيع وشراء ذهب أسود

      يقال لا تقل للشاعر إشعر ولا للمغني غن لكن كشف بعض الخبراء الروس بعد المشاورات والمناوشات على ضرب القدافي وإباحة دمة من قبل فتاوي القرضاوي بأن الدساتير في دول مجلس التعاون معطله. يعني لا قانون ولا أحد يحكم ولكن يتحكمون في المال والنفط والغاز عن طريق إتفاقيات مبرمه مع شركات عالمية للبحث والتنقيب عن الذهب الأسود. السؤال هنا هل الاتفاقيات التي إبرمت صحيحة وقامت أو قعدت على صواب أو على باطل؟

    • زائر 8 | 1:43 ص

      من إستثمار وتدمير للبيئة الى زراعة وصيد البحر أحسن من الدجاج

      كانوا يحسنون ويتقنون العمل أما اليوم فقد زاد فساد الدجاج بسبب علف وقد يكون إنتقلت العدوى من جنون البقر الى الدجاج. فهل تفكير الإنسان اليوم مصبوب أو منصب ومنكب على الاكل والشرب والرفاهيه؟ أو نسى أن الكثير من أمراض النفس تحتاج الى تنقية دم وتصفية نيه وذلك بأكل فواكه وخضروات بدل اللحوم المستورده ودجاج مكائن كما أطلق عليه أهل البحرين سابقاً. يعني بدل الاعتماد على الاستيراد والتصدير وتحويل أموال يفضل الاعتماد الكلي على المحلي من الزراعة وتربية المواشي. ومن دمر الزرع ودفن البحر غرامة أو رسوم أو ضريبه

    • زائر 7 | 1:40 ص

      قناص

      نقولها في كلمتين الله ينصر العرب على العرب . وبعد ذلك سوف يتحرر كل العرب .

    • زائر 6 | 1:25 ص

      قد تكون حالة نفس الناس ليست نظيفة لكن..

      ليس من الأسرار أن بعد إعلان خسارة العديد من الشركات والبنوك الأمريكيه، أخذوا يفكرون في حلول بديلة لكي تستمر دورة المال والأعمال حتى لو كان ذلك على صناعة المزيد من الحروب وقتل الناس وتهجير ونقل بشر من بلادهم الى بلدان أخرى. ففتح أسواق حرة وعملة وعمولة وعمالة ومعاملات بنكيه .. الخ كلها من أجل أن يبقى النظام المالي في العالم دون تغيير. يعني من أجل اوراق بنكنوتيه وأرصده الناس تقتل وتنهب بعضها البعض. ما العمل؟ وما الفعل الذي يجب على الناس فعله لكي لا يكونوا ضحايا إرهاب وفساد وتلوثوخراب ضمائر...؟

    • زائر 5 | 1:10 ص

      كيف يفكر الانسان وهو لا يتفكر ولا يحاسب نفسه لكنه مشغول بشيء ما؟

      قد يكون صحيحا أن الحل من داخل الإنسان وليس من خارجه . فالانتصار والاحتكام الى غير الله مذلة كما الشكوى لغير الله مذلة. يعاني الكثير من أفراد هذا المجتمع الطيب والهاديء الطبع بأمراض وعلل كثيرة وقد لا تكون مثارة أو مثيرة. فمنهم عليل ومنهم سقيم ومنهم مبتلى بمرض مثل الكذب على النفس والرياء والعب بالنفس. يعني عاشين ضن وشك وهم وشاعلين أنفسهم بغيرهم وناسين يشغلون نفسهم بأنفسهم لا بغيرهم. فلكي يتغير القوم لا بد أن يغيروا من أنفسهم وإلا الحياة الاستهلاكيه ستستمر واستعباد الناس بعضها لبعض دون صفاء نيه

    • زائر 4 | 1:03 ص

      امريكا

      امريكا انتصرت على العنصرية لانها ليست دولة مذهبية ولا دينية

    • زائر 10 زائر 4 | 2:32 ص

      اتفق

      اتفق معك

    • زائر 3 | 12:21 ص

      الامانه والكفاءة هي الحل

      تطبق مبدا اختيار القوي الأمين في التوظيف والتعينات والانتخابات قادر علي التغلب علي جميع المشاكل ويدفع الناس لتطوير ذاتهم وينعكس بالإيجاب علي الوطن

    • زائر 2 | 10:51 م

      سؤال وجيه اخر

      سنضطر للوقوف بجانب القبلية ذات المنحى المدني بدل الطائفية المقيته والتي تحارب المدنية وأولها قانون الأحوال الشخصية ومساواة المرأة بالرجل

    • زائر 1 | 10:31 م

      يوم القيامة

      كم سائل عن أمره وهو عالم لا ولن يناصروا هكذا هم كما وصمهم القرآن الأعراب أشد كفرا ونفاقا.

اقرأ ايضاً