العدد 4032 - الجمعة 20 سبتمبر 2013م الموافق 15 ذي القعدة 1434هـ

الحركات الدينية في إيران بعد الفتح الإسلامي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اهتمَّ الدارسون العرب (وحتى المسلمون) لعِلم الأديان، بالمذاهب والطوائف الدينية، التي ظَهَرَت في منطقة شبه الجزيرة العربية والعراق والشام والمغرب العربي أكثر من أيِّ منطقة أخرى. إلاَّ أن الحقيقة، أن الدِّين الإسلامي، لم يكن وينتشر فقط في هذه المناطق من العالم، بل تمدَّد حتى الصين شرقاً، وإسبانيا غرباً، وبالتالي عوامل التكوُّن المذهبي هي ذاتها قد تتكرَّر في مناطق أخرى.

ولأن إيران (فارس سابقاً) هي جزءٌ من ذلك الشرق، الذي طاله الفتح الإسلامي بين عامي 637 - 651م فقد اعتَمَلَت فيها الظروف كافة، التي نشأت في مناطق أخرى سبقتها، كالعراق والشام، التي كانت مهداً للمسيحية. ولأن فارس كانت محكومة من الساسانيين، ولأنها كانت وريثة ثقافة مختلفة عن الثقافات العربية الأخرى، فقد انعكس ذلك على نشوء الحركات الدينية فيها

مؤخراً، صَدَرَ عن المركز الأكاديمي للأبحاث في بيروت، كتابٌ مُترجَمٌ للعربية، بعنوان «الحركات الدينية في إيران» خلال القرون الإٍسلامية الأولى، من تأليف غلام صديقي (1905 – 1991). وهو عالِمٌ متخصص في علم الأديان، وحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1939م. الكتاب غزير ويضم معلومات مهمة في الاجتماع الديني الإيراني، خلال الحقبة التي تَلَت الفتح بالتحديد.

يُقدّم المؤلف لكتابه، تمهيداً تاريخياً، لذلك الاجتماع، عبر التطرق إلى أديان العصر الساساني. وهو يبدأ بالتحقيب من أهورامزدا، ثم يُعرِّج على تأثر المزدائية بالزردشتية في ق.السابع قبل الميلاد. وقد تطرَّق المؤلف إلى طبيعة الديانات القديمة في إيران، مُبيناً أن النظام السياسي فيها كان على علاقة جيدة بالإثنيات التي عاشت في إيران كالهنود والمصريين والآشوريين والبابليين واليهود.

يتحدث المؤلف عن حالة علمانية، كانت تحكم الدولتيْن الاشكانية والإخمينية في إيران، حيث كان نفوذ رجال الدين محدوداً، لكن ذلك الحال، تغيَّر سنة 244م، عندما أصبح رجل الدين أردشير بن بابك مَلِكاً على إيران، وأقام الوحدتيْن السياسية والدينية فيها. ثم تطرق إلى ديانات تلك الفترة التي سبقت الإسلام والفتح، كالمانوية والمزدكية والمسيحية والبوذية والزردشتية.

ثم يمرُّ المؤلف على لحظة الفتح، وكيف تعامل المسلمون الفاتحون مع الديانات القديمة في إيران، مميزاً بين عهد الخلفاء والعصريْن الأموي والعباسي. وهو يشير إلى أن المسلمين لم يُرغِموا أحداً على اعتناق الإسلام، لكنهم ألزموهم بدفع الجزية كلٌ وقدر طاقته (كما أشار فون كريمر)، بمن فيهم المجوس، مستدلاً بكتاب حبيب بن مسلمة لأهل أرمينيا. وكانت الطقوس تمارَس بحرية تامة خلال تلك الفترة.

وقد كانت تلك الأجواء فرصة جيدة للديانات القديمة لأن تبقى متماسكة. وهو يشير مثلاً إلى الزردشتيين والموابذة في القرن الثالث. وهو يتحدث عن إتوربغ ابن فرخ زاد أحد زعماء الديانة الزردشتية، وحواره في حضرة الخليفة المأمون مع أباليس. كما أنه يتطرق إلى إصدارات الكتب الزردشتية خلال تلك الفترة، مثل كتاب دينكرت ودادستان دينك وشكند كمانبك ويجار وماديكان كوزستك اباليش.

أيضاً، بقِيَت اللغة الفارسية متداولة حتى القرن الرابع، وكذلك الآداب والرسوم الإيرانية، كعيد النوروز وسده وبهمن والمهرجان، الذي استمرَّ حتى قبيل هجوم المغول، وإن كانت هناك تخريجات لذلك، من قبيل طمع الحكام في هدايا تلك الأعياد من الإيرانيين. كذلك، استمرت بيوت النار حتى القرن الرابع، أمثال أذكشب وأذر برزين مهر وآذرفرينغ، كما كَتَبَ عنها أبودلف مسعر بن مهلهل.

ثم يتحدث المؤلف عن الحركات الدينية التي ظهرت في القرنين الأول والثاني الهجرييْن. إحدى تلك الحركات، هي حركة به آ فريد بن فروردين من أهل زوزن. وهي حركة ظهرت بعد احتدام الصراع بين الولاة المسلمين في إيران، وادعى صاحبها النبوة. ثم ادعى أنه (وخلال هجرته للصين) كان في السماء، وعُرِضَت عليه الجنة والنار. ويشير البيروني، إلى أن «خلقاً كثيراً من المجوس» اتبعوه.

ثم يشير المؤلف إلى حركة فيروز إصْبِهْبِذ. وقد تحدث عنه البلاذري وغيره بإسهاب. ويذكر المسعودي أن ظهور هذه الحركة، كان بالتزامن مع موت أبي مسلم، حين اجتمع ستون ألفاً من الخرمية، وظهر منهم رجل (إصْبِهْبِذ) طالب بدمه. وكانت هذه الحركة، قريبة من الزردشتية. ويذكر ابن الأثير، أن فيروز إصْبِهْبِذ المعروف بسنباد، كان قد أراد أن يقصد الحجاز لتخريب الكعبة المشرفة.

من الحركات الأخرى التي ظهرت في إيران خلال القرون الأولى للفتح الإسلامي، هي حركة إسحاق الترك. وقد ظهرت هذه الحركة خلال وجود أبي داوود خالد بن إبراهيم عاملاً على خراسان. وهي قريبة من عقيدة فيروز إصْبِهْبِذ، وادعى صاحبها أن أبا مسلم حيٌ ومقيم في جبال الري، وأنه نبي أرسله زرادشت، كما ذكر ذلك ابن النديم. وقد قَوِيَت هذه الدعوة في مناطق الترك وبلاد ما وراء النهرين.

ومن الحركات الأخرى التي يذكرها المؤلف حركة استاد سيس، الذي تزعَّم التمرد في خراسان وسيستان. وبدأت حركته في سنة 150هـ، وانتشرت في هرات وكانج وجزء من خراسان. وقد عدَّها المؤلف، أنها من الحركات الشاملة ضد العرب والإسلام، وتمتعت بأبعاد سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية، رغم أن استاد سيس بايع المنصور بولاية العهد لابنه المهدي (اليعقوبي).

بالتأكيد، الكتاب متفرع وموسَّع، وهو يتطرق إلى الكثير من الحركات الدينية الأخرى التي ظهرت في قرون الإسلام الأولى في إيران، كحركة المقنع والخرميون وبابك الخرمي. والحقيقة، أنه من المهم الاطلاع على مثل تلك الأبحاث، كونها تناقش ظروفاً زمنية مفصلية في تاريخ هذه الأمة، وهي أبعد من الحركات والطوائف التي ظهرت في المنطقة العربية خلال القرون الأولى للإسلام.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4032 - الجمعة 20 سبتمبر 2013م الموافق 15 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:01 ص

      لا أوربا تعلمت من اليونان ولا من الصين لكن الأعمال بالنيات

      ليس بسر أن الفرس تقدموا على العرب بالعلم. فيقال مدينة العلم عارفين بابها اليس كذلك؟ فإبن سيناء والحكيم عمر الخيام وبحر العلوم والطوسي وإبن طاووس وغيرهم ومن تتلمذ على أيديهم وسار على نهج أهل البيت. يعني كما أمر النبي محمد صلا وات الله عليه وعلى أله وسلم فقال إطلبوا العلم من المهد الى اللحد. كما قال أطلبوا العلم ولوا في الصين لكن وين العرب مشغولة بالمتعة ومتاع الدنيا غرور وغزوات على غرار ملوك بني العباس وبني أميه وغيرهم من الجدد يعني الأوربيون.

    • زائر 5 | 2:08 ص

      ايران عميقه في تاريخها

      كلما حفرت اعمق يظهر لك اكثر يقولون لها ملكة المشرق من قبل الاسلام الى ان من الله على اهلها بالاسلام السمح لها قصص لا تنتهي كالكتاب يا عزيزي الكاتب

    • زائر 4 | 11:58 م

      قراءة التاريخ

      قراءة التاريخ مهم لمعرفة هذا الزمان المر . شكرا على هذه المعلومات وبالتوفيق دايما

    • زائر 3 | 11:55 م

      ما الفرق

      ما الفرق بين الخمس والزكاه

    • زائر 2 | 11:53 م

      أحي محمد

      كلامك صحيح والدليل بأن الجزيه لحد الآن شعاله وهي غير الزكاه المفروضه

    • زائر 1 | 10:05 م

      دع عنك ما فات

      كنا نأمل من اضطلاعك على خفايا النطام الإيراني الحديث عن إيران اليوم وايران المستقبل فحتما ينجد فبه الكثير من الدراس والعبر لما حققه هذا الشعب الصابر المؤمن بفضل قبادته وايمانه وتأكيدا لنقولة الرسول الأكرم ( لو كان العلم في الثريا لنااه فوم هدا وهو يشير ألى سامان المحمدي.

    • زائر 7 زائر 1 | 2:55 ص

      سؤال للزائر رقم 1

      حتى النظر إلى التاريخ الطبيعي الخالي من الشتيمة والقذف تخشون منه على إيران؟! عجبا عجبا عجبا

اقرأ ايضاً