العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ

حاجتنا للآخرين في الفرح ليست ترفاً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في الأفراح تتمثل صور جميع من رحلوا عنا أمامنا، فنَحِنّ لوجودهم بيننا، ونتلمس رؤية ابتسامتهم ترقص معنا، وتخبرنا أن الدنيا مليئة بمن يحبون لنا الخير، حتى وإن كان هذا الراحل شخصاً واحداً، إذ قد يشكل الواحد أحياناً عالماً كاملاً لبعضنا.

حين يقرر القدر منحنا لحظة سعادة على حين غفلة من واقع يحاول جاهداً زجنا في صراعاته المحتدمة مع الفرح، حتى بات الفرح يشكل الاستثناء لا القاعدة، نشعر أن هذه الفرحة ناقصة حين تغيب عنا وجوه حلمت معنا بالحلم نفسه، وانتظرت تحقيق هذا الإنجاز آنذاك أو في عيش هذه اللحظة أو تلك.

الصديقة التي فقدت زوجها من غير إنذار مسبق، حين نالت شهادة الماجستير بامتياز لم تكن تشعر بفرحتها كاملة؛ لأن زوجها الذي طالما كان عوناً لها في مشوارها العلمي والعملي لم يكن موجوداً بجسده معها، لكنها تلفتت حولها فوجدت طيفه في القاعة يحتضنها ويبشرها بأن القادم أجمل ويحثها على مواصلة الدرب والإصرار على نيل الدكتوراه.

مثل هذه المواقف تتكرر باختلاف الوجوه والمناسبات، فيها يشعر المرء بحاجته لمن يهتم لأمره، ويشعر بأحاسيسه من غير أن يتكلم له ولو بكلمه، لأنه يعرف تماماً كيف يشعر، ويعرف تماماً مقدار الجهد الذي بذله ليصل إلى فرحته هذه، وقد يكون أحياناً يده اليمنى التي حققت حلمه، ورجله التي أوصلته إلى هدفه، وهذه الحاجة شعور فطري لدى البشر باختلاف أعمارهم، إذ أتذكر طفلي «قيس» مثلاً حين شارك للمرة الأولى كعازف، تمنى كثيراً أن يسمعه أبوه الراحل وأن يهدي نجاحه في الأمسية الموسيقية إليه؛ لأنه هو من علمه أساسيات العزف وهو ابن السبعة أعوام، كان فخوراً بنفسه لأن روح والده ترفرف من حوله وتراه وتسمعه، هذا بالضبط ما قاله لنا والدمعة تترقرق في عينيه بعد انتهاء الأمسية وهو يسمع تصفيق الجمهور وإعجابهم به.

الحاجة لمن يشاركنا الفرح، تنبع من شعورنا بالحاجة للآخرين باعتبار أننا كائنات اجتماعية لا يمكنها العيش منعزلة، تنبع من شعورنا بالحاجة لاهتمام الآخرين بنا، ولرؤية ردود أفعالهم تجاه ما يعترينا من فرح وحزن، من أمل ويأس، ورغبتنا في أن يحتضنا من نحب ونقدر ونحترم في لحظات الانفعالات العاطفية.

ما يحدث أحياناً في أوقات الفرح – وهو ما يهمني في حديثي هذا – يجعلنا ممتنين لله؛ لأن لنا أناساً مهما ابتعدنا عنهم يظلون يتعقبون أخبارنا عن بعد ونحن الذين قد نظن لوهلة أنهم نسونا ترجمة للمثل القائل: «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، لكن الواقع أحياناُ يهدينا فرحاً مضاعفاً حين يسوق لنا اتصالاً أو زيارة أو رسالة ممن كنا ننتظر أو نتمنى أو أحياناً لا نتوقع كي يشاركونا نجاحاتنا وفرحتنا، فتصير الفرحة أضعافاً لأنها تجاوزت مجرد الفرح بالنجاح إلى الفرح بتواصل هذا أو ذاك معنا والفرح بأن هناك من يهتم بأمرنا ويسأل عن أخبارنا ولو عن بعد.

مثل هؤلاء الأشخاص هدايا ربانية لا تقدر بثمن، ولا بشيء، ولا يجب أبداً نسيانهم لأنهم فقط ابتعدوا بأجسادهم وأبعدتهم مشاغل الحياة عن التواصل اليومي، وظلت قلوبهم تحلق من حولنا وبنا ولنا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:45 ص

      فماذا شعورك لو كان من تحبيهم هم الذين غرزوا السكين في قلبك؟ وهم الذين خدعوك وغشوك ؟ هم جسدا موجودون وتكنين لهم حبا وودا لكنهم يحفرون لك حفرا لتقعي فيهاو اختم بقول الشاعر : وظلم ذوي القربى -اهل اخون اصدقاء- أشد مرارة =على النفس من وقع الحسام المصمم

    • زائر 6 | 5:15 ص

      الى زائر رقم 1 مع التحية

      أنا اشاركك الرأي بأن الصديق وقت الضيق, ولكن في وقتنا الحالي هناك "صديق الحاجة" وقل ما تجد صديقا يشاطرك الأفراح والأتراح, وكلامي هذا ليس جزافا ولكن من واقع تجربة.

    • زائر 5 | 2:22 ص

      اتذكرك

      تذكرت مشاعرك عندما تفوقتي في الجامعة بعد وفاة زوجك المرحوم وكيف كنتي تبكين فخرا وسعادة وحنين له
      انتي امرأة عظيمة نتعلم منكي الكثير

    • زائر 4 | 2:18 ص

      مقال يلامس الروح

      شكرا على هذه الالتفاتة لهذا الجانب الروحي فجميعنا نحتاج من نحب في اوقاتنا السعيدة والحزينة

    • زائر 2 | 1:13 ص

      هذا هو القدر

      مقال رائع جدا هذا هو القدر ،نحتاج هذا الأكسير الروحي دوما يلازمنا في حياتنا اليومية حتى نعيش اللحظات الجميلة في حياتنا ونعطي الأمل المتجدد لجميع أصدقائنا وأحبائنا ومن يكنون لنا الخير لنقول لهم أن الحياة جميلة تستحق منا العطاء

    • زائر 1 | 12:38 ص

      الصديق وقت الضيق ووقت الفرح

      الشخص الذي يفهمك, ويكن قريب من قلبك, دائما تجده يشاطرك أحزانك, وأفراحك حتى وأن كان بعيداً عنك, لأن القلوب القريبة والمتحابة تشعر لبعضها البعض.
      هذا الشخص يعتبر كنزاً لا تخسره, لأنه نادر الوجود ....

اقرأ ايضاً