العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ

إيران ولعبة اللقاءات المؤجَّلَة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تساوى كامل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قبل أيام مع أهمية «الظنون» بشأن لقاء «محتمل» بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الإيراني حسن روحاني، رغم استعار أزمة الملف السوري ومفاوضات الفلسطينيين وإسرائيل.

مئة وواحد وثلاثون رئيس دولة شاركوا في الاجتماعات، بالإضافة إلى ستين وزير خارجية، لم يستطيعوا سحب الأضواء عن ذلك «اللقاء المحتمل» بين أوباما وروحاني، الذي رافقته شحنات من المقالات والتحليلات والأخبار واللقاءات، علَّها تنتج زاوية تتناسب والحدث.

في نهاية المطاف، اللقاء بين الرئيسيْن لم يتم! تبريرات الإيرانيين ذكرها روحاني نفسه، عندما قال ان الوقت «لم يكن كافياً» لتحضير ذلك اللقاء. بينما قال الأميركيون على لسان مسئول في البيت الأبيض ان «هذا الأمر بالغ التعقيد حالياً بالنسبة إلى الإيرانيين».

حسناً. بالنسبة لي كمراقب، فإنني أعتقد بأن اللقاء «فعلياً» قد تم، حتى ولو لم يظهر الرجلان، وخلفهما عَلَمَيْ بَلَدَيهِما، وهما يتصافحان، وأضواء الكاميرات تضرب وجهيْهِما، ثم يُدليان بتصريح تعقيبي، يُفصِحان فيه عما دار بينهما ولو بطريقة دبلوماسية ومقتضبة.

فكل الإشارات التي تبادلها الطرفان، والتي أقرَّ بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وأقرَّ بها الرئيس أوباما نفسه، بالإضافة إلى الترميمات كافة التي تمَّت على النَّدَب، والتشققات في العلاقة بينهما، من تصريحات وبوادر ورسائل ووساطات وتجاوب متبادل، يمنحنا الاعتقاد، أن اللقاء بين الجانبين، قد تمَّ «فعلياً» وفق ذلك المسار الغَزَلِي للجانبين. بمعنى أن الموضوع، يتوقَّف الآن على العربة الأخيرة من كامل القطار المنطلق.

دعونا نتحدث هنا بشيء من الواقعية. فالعلاقات الإيرانية الأميركية لم تكن طبيعية طيلة الثلاثين عاماً الماضية، لكنها أيضاً لم تكن مقطوعة تماماً. لقد كانت لها محطات عديدة، بعضها معلوم وبعضها مكتوم. كان هناك تنسيق في أفغانستان (اتفاق بون) وباكستان (ضرب كابل) وأرمينيا (ناغورني كابارغ) والعراق (لقاء لندن) وفلسطين (حماس) ولبنان (الطائف) وفي مكافحة القرصنة، وفي أتون الصراع الإقليمي والدولي.

وفي شهر مارس/ آذار من العام 2012، بَعَثَ الرئيس الأميركي ست رسائل إلى إيران عبر رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، تتعلق بخريطة طريق لإنهاء الملفات العالقة، يكون مدخلها الملف النووي الإيراني. لذا، فإن الموضوع ليس بهذه الصورة من القطيعة، كما يتصوَّر البعض، بالمقدار نفسه الذي يدعي فيه البعض أن الأمور بينهما طبيعية جداً.

خلال لقاء مع هاشمي رفسنجاني أجرته مجلة «دراسات دولية» قبل عام قال فيه: «على إيران البدء بحوار مع الولايات المتحدة. فما الفارق بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا؟ وإذا ما تفاوضنا مع هذه البلدان فلماذا لا نتفاوض مع الأميركيين؟ فالتفاوض لا يعني الرضوخ لإرادتهم». هذا الرأي كان موجوداً ولايزال في صلب الحكم في طهران.

والحقيقة، أن هذا الموضوع، قد قَطَعَ فيه الإيرانيون شوطاً كبيراً وبعيداً عن الأضواء. ما أعنيه هو شوط التفاوض على العلاقة المستقبلية بين الجانبين، وليس حول التحالفات الموضوعية الطارئة. فإذا كان المرشد ذاته قد تبادل رسائل مع الأميركيين، وشجَّعت عليها أطراف مركزية في السلطة، كرفسنجاني والجهازيْن الصناعي والتجاري في إيران، فهذا يعني أن الأمور متحركة، رغم أنها بالغة التعقيد والحساسية، كما وصفها البيت الأبيض.

لكن، قد يتساءل أحدنا: لماذا لم يحدث اللقاء «المباشر» بين روحاني وأوباما؟ الإيرانيون تسلَّموا طلباً أميركياً رسمياً أثناء تواجد الوفد الإيراني في نيويورك. والبيت الأبيض لم يتلقَ رداً لغاية الرابع والعشرين من سبتمبر على ذلك الطلب. وانصرمت الأيام دون أن يتم اللقاء، على رغم أن روحاني قال: «من حيث المبدأ يمكن أن يحصل (اللقاء) في بعض الظروف».

باعتقادي، أن الإيرانيين كنظام سياسي أقاموا في ذلك حساباً. هم مُدركون، أنهم ماضون نحو تسوية مع الأميركيين وفق المنسوب المتفق عليه (الذي وصفه روحاني بأنه جليد بدأ «ينكسر» بين واشنطن وطهران) دون أن يُظهِروا ما يكفي للأميركيين من ألم نتيجة العقوبات، لذا، فهم لم يشاءوا أن يغيِّروا من التوازن في هذا الملف، ولا أن يمنحوا الموضوع زخماً من دون مقابل يزيد أو يقل عن المنسوب المتَّبَع ذاته. وكما قال الوزير الإيراني ظريف: «يجب القول انه في السياسة الخارجية من الضروري التحلي بالصبر والهدوء واللياقة والقيام بخطوات محسوبة ومدروسة مع وجود هدف»، أما روحاني كرئيس إيراني معتدل، فهو يعرف النظام الذي ينتمي إليه. فهو نظام قائم على زوايا حكم حادة تبسط نفوذها بناءً على تحالفاتها الداخلية، الأمنية والعسكرية والاقتصادية والدينية، بما فيه موقع المرشد ذاته. لذا، فهو يُدرك (أي روحاني)، أن المستوى الذي أنجزه في التقارب مع الأميركيين منذ الرابع من أغسطس جيد، ويتناسب مع فترة الستين يوماً التي قضاها كرئيس للجمهورية، وأيضاً مع حجم تباين النظرة إليه من داخل النظام، على الأقل لغاية هذه المرحلة.

يضاف إلى ذلك، أن الإيرانيين فهموا العلاقات الأميركية جيداً. فهم يرون، أن انفراد الولايات المتحدة بالتفاوض مع الروس بشأن أزمة الكيماوي السوري، قد عَزَلَ أطرافاً أوروبية، كفرنسا، لذا، فهم امتنعوا عن منح الأميركيين تفرُّدا (إقليميا ودوليا) جديدا يكون عبرهم، لصياغة إيقاعات المنطقة من جديد، ولجأوا إلى الفرنسيين الذين هم بحاجة إلى توازن آخر في الأزمة السورية ولو عبر جنيف-2. وهو ما فسَّرته مباحثات روحاني وهولاند التي استمرت أربعين دقيقة. وربما وجدنا أن روحاني بدأ في تعزيز ذلك التوجُّه بلقائه نظيره النمساوي هانز فيشر، وقيام وزير خارجيته بالفعل ذاته مع وزراء أوروبيين آخرين.

في المحصلة، التسوية الإيرانية الأميركية قادمة، لكن الطرفين يطبخانها على نار هادئة، وخصوصاً أنها ستؤثر على مساحة شاسعة من العالم، وبالتحديد في الشرق الأوسط (بكل ملفاته الساخنة) والقوقاز ووسط وجنوب افريقيا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:36 ص

      في السياسة لا توجد حقائق ثابتة ولا ثوابت حقيقية، ولكن الكل سمع عن المقولة الشهيرة ان في السياسة:

      (يتبع)..
      ربما يتحفنا الاخ محمد برايه في هذا المجال.
      يقول الشاعر:
      ستنبئك الايام ماكنت جاهلاَ .. وياتيك بالاخبار من لم تزودِ

    • زائر 8 | 10:34 ص

      في السياسة لا توجد حقائق ثابتة ولا ثوابت حقيقية، ولكن الكل سمع عن المقولة الشهيرة ان في السياسة:

      لا توجد عداوه داثمه ولاصداقه دائمه بل مصالح مشتركه.ذكر ان رئيس وزراء العراق نوري المالكي نقل رسالة الي وفد من من الكونغرس الأميركي ان يران تعرض صفقة تاريخية على واشنطن: بقاء نظام الأسد مقابل تعليق "النووي" وإنهاء حزب الله وتطبيع مع إسرائيل.هل مانراه اليوم هي المحصلة الاولية لما هو قادم..مما لا شك فيه ان ايران تلعب السياسة بحرفنة عالية الدقة ونامل ان مجلس التعاون يملك التصور الكامل لما هو آت. لكن هل معقول ان ايران تتخلى وبكل سهوله عن برنامجها النووي والتي اوشكت فعلا على الاقتراب من تجهيزه؟

    • زائر 6 | 3:52 ص

      بدأت سرعة القطار تزداد

      القطار بدأ بين البلدين ولن يوقفه شيء

    • زائر 5 | 3:12 ص

      رد على زائر 3

      انه سنويا اروح ايران ولا رئيت الا رانيين الى ومرتاحين والبيع عندهم مايوقف والمطارات عندهم شغالة وكل شى على مايرام ليش اكذب انت قاعد وياهم شعب مرتاح فى بلاده احس ابامان فى كل وقت مو اهنى تمشى فى الليل وتتلفت لا يعتقلونك صراحه سلام على ايران بلد الامان يكفى انه عندهم مقام حفيد رسول الله عليهم افضل السلاة والسلام

    • زائر 4 | 1:51 ص

      يتبع

      كل مصالحكم صارت مرهونة بهذه الشعارات التي تأتي لكم لا بحقوق ولا بمصالح ولا بأمن . صالحوا الامريكيين واتركوا مشاكل العالم لشعوبه . ثلاثين سنة وانتوا تعطون سلاح واموال للمقاومين واليوم هم في مكان غير تماما

    • زائر 3 | 1:48 ص

      advice

      عليكم ايها الايرانيون ان تفهموا انكم مهما قتلم وفعلتم من اجل الاخرين لن تسمعوا سوى تهمة انكم صفويون وفرس ومجوس وووو . هذا هو العالم الذي تريدون ان تدافعوا عنه وتدفعوا من اجله المليارات والحرمان لشعبكم الذي اتعبه الفقر

    • زائر 2 | 12:57 ص

      وجهة نظر

      لا اعتقد بأن ما يقوم به حسن روحاني قد جاء فجأة بل هو كان يعدون له من فترة طويلة تتجاوز السنتين

    • زائر 1 | 10:06 م

      ستراوي

      سلام دكتور محمد اليوم كلام او باجر او بعد شهرين كلام غير مافي صلح بين ايران مع امريكاء لو بعد1000 سنه

اقرأ ايضاً