العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ

تطور صناعة التمائم الصدفية الدلمونية

سبق أن ذكرنا في فصل سابق أن دلمون كانت دولة تأسست في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد واستمرت حتى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وقد كانت لها هويتها المميزة. وكان شعب دلمون يقتبس عناصر ثقافية من الثقافات المجاورة ويعيد إنتاجها ولكن بصبغة دلمونية معينة، هذه العناصر الثقافية سنتطرق لها بالتفصيل في فصول لاحقة. كذلك التمائم الصدفية التي تصنع من القواقع المخروطية، فهي توجد في عدد كبير من الثقافات القديمة، وتم تصنيعها من قبل شعب دلمون. وقد جاءت التمائم الصدفية التي عثر عليها في دلمون البحرين في عدة صور مختلفة، وقد صنف عبدالعزيز صويلح هذه التمائم في تسع مجموعات (صويلح 1999). إلا أنها، بصورة عامة، تصنف في ثلاث مجموعات، تم التعارف عليها في الدراسات المختلفة التي تناولت هذه الأنواع من التمائم التي تصنع من القواقع المخروطية من نوع Conus، هذه المجموعات الثلاث هي: التمائم المخروطية الحلزونية (Conus Whorls) وهي عبارة عن الجزء الحلزوني العلوي من القوقعة، وأقراص القواقع المخروطية (Conus Discs) وهي على شكل أقراص مسطحة تقريباً أو مقعرة بعض الشيء، والنوع الأخير هي حلقات القواقع المخروطية (Conus Rings) وتكون على شكل حلقات، وتأتي على شكلين أساسيين، إما أقراص مجوفة في الوسط أو الجزء الحلزوني العلوي مجوف من الوسط.

بلغ عدد التمائم الصدفية المصنعة من القواقع المخروطية التي عثر عليها في دلمون، قبل العام 2000، قرابة ثلاثمئة تميمة اعتبرها البعض أختاماً دلمونية صدفية (صويلح 1999)، 200 تميمة منها ذات أهمية لما لها من خصوصية وارتباط بثقافة دلمون أو ما جاورها، أما البقية فهي عبارة عن حلقات صدفية أو تمائم صدفية حلزونية عثر لها على شبيه لها في عدد من الثقافات المختلفة؛ فهي تمائم ليست ذات خصوصية أو ارتباط بحضارة دلمون، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعتبر أختاماً دلمونية.

التمائم الصدفية الدلمونية

هذه مجموعة من التمائم من نوع «التمائم المخروطية الحلزونية» (Conus Whorls)، وهي عبارة عن الجزء العلوي الحلزوني من القواقع المخروطية الذي يحتوي على حفر طبيعي حلزوني بارز والذي لم يتم تغيره، وهو السطح السفلي الذي اعتبره البعض واجهة الختم الذي يتم دمغه على الطين. أما الجزء الخارجي الحلزوني الناتئ فيتم نحته بصورة معينة فيجعل فيه حدبة مقببة ويعمل بها ثقب أفقي نافذ. وقد عثر على 150 تميمة من هذا النوع في البحرين تعود للحقبة الدلمونية (صويلح 1999). وبحسب المصادر التي رجعت لها، لم أعثر على تميمة صدفية صنعت بهذا الشكل في الثقافات الأخرى، فهذا الشكل دلموني بامتياز؛ ولهذا السبب، وكذلك بسبب شكلها الخارجي المقبب الذي يشبه لحد كبير الأختام الدلمونية الحجرية، صنف البعض هذه التمائم على أنها أختام دلمونية صدفية، إلا أن البعض عارض هذا التصنيف، وقد صرح علي أكبر بوشهري في لقاء له في صحيفة «الوسط» بأنه كان أول المعارضين على تصنيف هذه التمائم باعتبارها أختاماً دلمونية صدفية؛ وذلك أنها ليست لها خصوصية فردية فلم يتم تغيير الواجهة الأمامية، يقول بوشهري: «الختم كان بمثابة الهوية لصاحبه، أما الأختام الصدفية فأنا شخصياً من أول المعارضين لاعتبارها أختاماً إذا كانت على شكلها الطبيعي، أي على شكلها الحلزوني، فالأختام الصدفية ما هي إلا أشكال حلزونية تكونت بفعل قطع الجزء الأخير من الأصداف الطويلة، فإذا كان هناك شكل حلزوني طبيعي فإن هذه ليست أختاماً، لأن الختم يجب أن يختلف بين ختم وآخر... فالأصداف التي تسمى أختاماً وهي متشابهة في شكلها الحلزوني متى ما توافر واحد منها لديك، وتوافر منها واحد لدي وقمت بإرسال بضاعة إلى شخص آخر وختمتها بهذا الختم الصدفي فكيف يعرف أن هذه البضاعة من قبلك؟!» (صحيفة «الوسط»، 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004).

التمائم الصدفية الدلمونية المنقوشة

هذه التمائم شبيهة بالتمائم سالفة الذكر، أي الشبيهة بالأختام الدلمونية، ولكن تتميز هذه المجموعة من التمائم بإضافة نقش أو تغيير الشكل الحلزوني الطبيعي الموجود على السطح السفلي للتميمة إما بإضافة خطوط (3 تمائم)، أو إضافة حِفر غائرة (20 تميمة)، أو إضافة نقوش وزخارف (16 تميمة)، (صويلح 1999). وتعتبر المجموعة الأخيرة المكونة من 16 تميمة ذات خصوصية فردية كبيرة؛ حيث يمكن تمييزها عن بعضها البعض بسهولة، وفي هذه الحالة، فقط، يمكن أن نفترض أن هذه التمائم استخدمت كأختام دلمونية، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع على ذلك.

الأقراص الصدفية المزخرفة

تسمى أقراص صدفية بصورة عامة، وبصورة خاصة تسمى أقراص القواقع المخروطية المزخرفة (Engraved Conus Discs)، وهي تصنع، بصورة أساسية، من الجزء العلوي للقواقع المخروطية؛ حيث تتم تسوية الجزء الأمامي مع المحافظة على الشكل المخروطي الطبيعي، ويتم تسطيح الجزء الخارجي الناتئ، وبذلك تبدو على شكل أقراص. بعد ذلك، تتم زخرفة السطح الخارجي، الذي تم تسطيحه، بنقوشات معينة تتكون من وحدة نقشية واحدة يتم تكرارها، هذه الوحدة النقشية عبارة عن نقطة تحيط بها دائرة، وهذه الوحدة هي ذاتها التي يزين بها الواجهة الظهرية للأختام الدلمونية الحجرية؛ وهذا سبب آخر جعل البعض يصنف هذه التمائم الصدفية على أنها أختام دلمونية. وقد عثر على 16 تميمة من هذا النوع (صويلح 1999)، وذلك في قبور أثرية في جنوسان والحجر، وقد عثر على أقراص صدفية شبيهة تماماً بهذه الأقراص، وقد زينت بالزخارف نفسها أيضاً، وذلك في مواقع أثرية مختلفة في إيران وعدة مواقع في بلاد الرافدين، وكذلك في عمان، وجميع تلك المواقع، بما في ذلك ما عثر عليه في البحرين، تعود للفترة ما بين نهاية الألف الثاني قبل الميلاد والقرن السادس قبل الميلاد Reese 1989)، (Vogt and Kastner 1987، pp. 32-33، fig. 18)، (Marquis and Salles 1984.

وبذلك، فإن هذه الأقراص ليست ذات خصوصية بدلمون، بل ليست لها أية خصوصية فردية أيضاً؛ فالأسطح الأمامية لهذه الأقراص يصعب التفريق بينها. ويبدو أن تقليد صناعة هذه الأقراص ظهر في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، واستمر هذا التقليد ربما حتى الفترة الهلنستية، وقد تطور عبر الزمن، ولكن ليس في الخليج العربي وإنما في إفريقيا حيث تنتشر إلى يومنا هذا صناعة الأقراص الصدفية من القواقع المخروطية، وقد سبق أن تناولناها بالتفصيل في فصل سابق. كذلك، يلاحظ أن تقليد صناعة هذه التمائم أو الأقراص الصدفية ظهرت بعد انتهاء الحقبة الدلمونية التي انتشرت فيها الأختام الدلمونية الحجرية، وهذا سبب آخر يجعلنا لا نرجح أنها استخدمت كأختام.

العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً