العدد 4044 - الأربعاء 02 أكتوبر 2013م الموافق 27 ذي القعدة 1434هـ

غياب المشروع العربي

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تجري الأحداث متلاحقة في المنطقة العربية دون أن يتبلور مشروع عربي واضح يمتلك رؤية مستقبلية، ويتعاطى مع التطورات السريعة بصورة فاعلة ومؤثرة. أتاح هذا الغياب الواضح لمختلف القوى الإقليمية والدولية أن تأخذ زمام المبادرة للتأثير على مجريات الأمور، وأصبحت الدول العربية بالتالي رهينة لمشاريع هذه القوى وتابعة لاستراتيجيتها.

لماذا تحولت قوى إقليمية، مثل إيران وتركيا، كانت بعيدة عن الشأن العربي إلى لاعب أساسي في أحداث المنطقة، وتمكنت من سحب بساط التأثير حول قضايا هي عربية بامتياز، وأصبحت بالتالي الدول العربية وجامعتها وهياكلها الإقليمية متفرجة، وغير قادرة على اتخاذ أي قرار يخصها؟

ولماذا يتم تدويل كل قضية في المنطقة العربية، وتتنافس حولها الدول الكبرى كروسيا وأميركا لتكون هي صاحبة السيادة في اتخاذ المواقف، وتتبعها بعض الأنظمة العربية سعيا لإرضائها، حتى لو كانت هذه المواقف تتعارض مع المصالح الوطنية والقومية؟

أسئلة عديدة جادة ومحيرة، تبحث لها عن أجوبة واضحة وصريحة، لكن الإعلام السياسي العربي يتهرب من إثارة هذه الأسئلة والإجابة عليها، بل إننا تعودنا دوماً على اختلاق مشاجب نعلق عليها مشكلاتنا وعجزنا وفشلنا، ونوزع الاتهامات على مختلف الجهات الفاعلة بأنها تعمل ضمن مؤامرات تستهدف الهيمنة والتوسع على حساب الدول العربية.

لاشك أن من يمتلك رؤية مستقبلية واضحة، ومشروعاً سياسياً متبلوراً يكون الأقدر على الفاعلية والتأثير وتوظيف الظروف المستجدة مهما كانت لخدمة مشروعه، وبالتالي سيكون هو الجهة الفاعلة والمؤثرة في مجريات الأمور والأحداث، وقادراً على تثبيت ذاته في مختلف المواقع.

أما من لا يستطيع أن ينتج مشروعاً سياسياً ذا رؤية واضحة، فلن يتمكن من التحرك إلا بصورة انفعالية وليس ضمن استراتيجية متبلورة، بل إنه سيكون أداة يتم استغلالها وتوظيف إمكانياتها كي تخدم مشاريع الآخرين بصورة إرادية أو غير إرادية.

هذا هو حال الأنظمة العربية التي لم تستطع أن تنتج أو تعيد إنتاج مشروع سياسي واضح ومتبلور، ولا تمتلك أية استراتيجية مستقبلية تستند إلى إمكانياتها ومصادر قوتها، من هنا نراها تتخبط في سياساتها، وتهدر إمكانياتها وثرواتها في برامج ومشاريع لا تخدم أهدافها.

ينبغي أن نوجه النقد إلى الذات، وأن نقوم بمراجعة شاملة حول أسباب هذا التخلف والتراجع وانعدام الرؤية، وضياع الاستراتيجية، وغياب المشروع. إن افتقاد الرؤية المستقلة النابعة من المصلحة الوطنية هو أبرز إشكالات الواقع العربي، فكثير من السياسات تصاغ بما يتناسب مع إرادات ومصالح قوى دولية مؤثرة، وبالتالي فإنها تفتقد إلى المصداقية والاستدامة، وتتغير بتغير المصالح والظروف السياسية.

كم نحن في حاجة إلى مراكز أبحاث ودراسات تقوم بمراجعة وتحليل ونقد السياسات الحالية، وتقوم أيضاً برسم سياسات متبلورة وواضحة تخدم أهدافاً استراتيجية عليا تحددها المصالح الوطنية والقومية في المنطقة العربية.

كما إننا في حاجة أيضاً إلى تبلور إرادة سياسية لمراجعة الأوضاع المحلية، وتشكيل رؤى ومواقف وطنية تشارك فيها الفاعليات السياسية المختلفة تتلمس مكامن الخطأ، وتعالج أوجه القصور، وتساهم في صياغة استراتيجيات ومشاريع تتجاوز حالة العجز والفشل التي نشهدها.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4044 - الأربعاء 02 أكتوبر 2013م الموافق 27 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً