العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ

الشاعر الأديب مغامس بن داغر... بين البحرين والحلة

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

نحن أمام قامة شعرية وأدبية على جانب كبير من الأهمية. شاعر مغمور، بقدر الحضور الغامض لشخصيته في كتب الأدب والتراجم، بقدر أهميته منظوراً إليه من زاوية نتاجه الشعري المدهش. إنه الشاعر مغامس بن داغر الحلي البحراني الذي دخلت مدينة الحلة بالعراق والبحرين (أوال) منذ القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي في معركة ضارية لـ «منح الجنسية» لهذا الشاعر الفذ المتوفى حوالي سنة 850 هـ/ 1446م.

قال عنه علي الخاقاني في «شعراء الحلة»: «شاعر بارع وأديب كبير، جهلت ذكره كتب التراجم في القرون الوسطى إلى أواخر القرن العاشر الهجري ولا نعلم سر هذا الإغفال مع أنه من الأدباء الذين يستحقون الثناء والإعجاب، غير أن طائفةً من رجال التأليف ممن تقدّموا علينا ذكروه ذكراً مقتضباً دون أن نقف على تمام سيرته».

ويذكره الشيخ محمد علي العصفور في كتابه «الذخائر في جغرافيا البنادر»، وهو ما نقل عنه السيد حسن الأمين في مستدركات الأعيان الكثير، ومنه أخذ سالم النويدري في «أعلام الثقافة»، إلا أن العصفور قد أسماه «الشيخ مغامس الحجري البحراني»، فقال في ترجمته ما نصّه: «وهو أحد الأدباء وواحد النجباء، جمع مع الأدب علوماً كثيرة وله ديوان معروف مشتمل على أشعاره البديعة وعباراته المنيعة». ثم ذكر نموذجاً من شعره.

مغامس بن داغر هذا هو مهاجر إلى الحلة من إحدى العشائر العربية القاطنة ضواحي الحلة، ويعبّر عنه الشيخ عبدالوهاب بن الشيخ محمد علي الطريحي (أخو فخر الدين صاحب المجمع والمنتخب) في مؤلف له كتبه بالحلة 1076 هـ/ 1665م، وهو في المراثي والمدائح لأهل البيت: بـ «البحراني»، وعلى هذا يكون أصله من البحرين وهاجر إلى الحلة في عهد الشيخ أحمد بن فهد الحلي (ت 841 هـ / 1437م) لطلب المعرفة والأدب.

وقد استنتج صاحب «الغدير» أنه خطيب أديب وابن خطيب من قوله في إحدى القصائد النبوية:

فتارةً أنظم الأشعار ممتدحاً

وتارةً أنثر الأقوال في الخطب

أعملت في مدحكم فكري وعلمني

نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

ويتصف شعره بطول النفس وبداعة النظام وحلاوة الانسجام، قال الشيخ محمد علي اليعقوبي (ت 1965): «ويوجد في المجاميع القديمة المخطوطة وبعض المطبوعات كالمنتخب والتحفة الناصرية شيء كثير مما قاله في الأئمة، وقد جمع منها العالم الأديب محمد طاهر السماوي ديواناً باسم المترجم يربو على 1350 بيتاً عدا الذي عاثت به أيدي الشتات».

بيد أنه لم يتعرض في أوائل تلك القصائد لغزل أو تشبيب أو نعت للطلول والبكاء على الدمن ومنازل الأحباب كعادة غيره، مما يدل على أن الرجل كان يتورع عن ذكر ذلك كله، وإنما يستعمل قصائده بذكر الشيب ونعي الشباب والوعظ والتحذير من الدنيا ومكرِها، وتصرف الليالي وغدرها، ومما قاله:

نعيت إلى نفسي زمان شبيبتي

وشيبي إلى هذا الزمان نعاني

لقد ستر الستار حتى كأنه

بعفوٍ من اسم المذنبين محاني

ويذكر الشيخ علي آل كاشف الغطاء صاحب «الحصون المنيعة» أن «أكثر شعره في مراثي الإمام الحسين، توفي في أواخر المئة التاسعة في الحلة ودفن فيها ولم يحصل من يجمع شعره على كثرته».

وذكر فخر الدين الطريحي (ت 1085 هـ/ 1674م) في المنتخب، بعض قصائده، وهناك عشرات المجاميع المخطوطة في النجف وبغداد والكاظمية وقرى البحرين تضمنت أكثر من خمسين قصيدة يناهز أكثرها المئة بيت، والشيخ محمد بن طاهر السماوي (ت 1950) على ضوء هذه المجاميع جمع ديواناً باسم المترجم له يقع في 1350 بيتاً تقريباً.

وجامع ديوان مغامس، الشيخ السماوي، كان من علماء النجف المعروفين بحرصهم الشديد على جمع المخطوطات وشغفهم بالكتب. ويتحدّث جعفر الخليلي عن الشيخ السماوي باعتباره من أكبر عشّاق الكتب وهواتها، وقد كان يملك مكتبة نفيسة ثمينة حوت الكثير من نوادر المخطوطات، وبلغ من عنايته وخوفه على الكتاب أن تعلم تجليد الكتب واشترى اللوازم والأدوات الخاصة بالتجليد وعكف على كتبه الخطية يجلدها بيديه حذراً من المجلِّدين.

وكانت مكتبة الشيخ السماوي تشتمل على ألفي مجلّد مطبوع وألفٍ من المخطوطات كثيرٌ منها بخط يده، وفيها كتب نفيسة جداً تفرّقت بعد عدة أيام من وفاته، فاشترت مكتبة الحكيم أربعمئة مجلد منها والباقي اشتراها المتحف العراقي وعباس الغزاوي وغيرهم.

مغامس بن داغر نفسه هو صاحب القصيدة المعروفة بـ «مناحة الحسين»، التي تقرأ في العادة في بعض مآتم البحرين في الليلة العاشرة من المحرم والتي مطلعها:

لبني الهادي مناحي

في غدوي ورواحي

ولقد ساهم إنشاد المنشد المعروف الشيخ حسين الأكرف لهذه القصيدة في التنبيه إلى هذا الأدب البعيد عن الاهتمام والدرس العلمي، والذي يشكّل جانباً من التراث الشعري الغزير لأهل البحرين.

وقد قام بإعادة طبعها ضمن كتاب «الفوادح الحسينية» للشيخ حسين العصفور الذي قام بتحقيقه، لكني وبمقارنة سريعة مع مخطوطة ترجع إلى العام 1927 في حسينية المحافظة في قرية باربار والتي تأسست في العام 1890 وجدت أنها ناقصة وسقطت منها آخر أبياتها وأهمها:

فاسمعوها من مغامس

من فتى في العلم دارس

حاذقاً فيها ممارس

قالها في يوم خامس... واحسيناه.

هذه دعوة للاهتمام بتراثنا الأدبي والعلمي نتمنى أن يقيّض الله له من ينهض برعايته وإحيائه من أبناء هذا البلد المعطاء.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:25 ص

      هذه دعوة للاهتمام بتراثنا الأدبي والعلمي

      هذه دعوة للاهتمام بتراثنا الأدبي والعلمي نتمنى أن يقيّض الله له من ينهض برعايته وإحيائه من أبناء هذا البلد المعطاء.

    • زائر 4 | 2:42 ص

      تشابه أسماء مناطق في البحرين كما في العراق ليس سرا.

      الحلي والجمري وغيرهم من أهل البحرين هاجروا الى العراق ثم عادوا. ومنهم صعصعه بن صوحان وأمير زيد بن صوحان والأشتر الشيخ إبراهيم. يعني راحوا العراق أيام ما كان الإمام علي عليه السلام في الكوفه. أما بعد مقتله فعادوا الى ديارهم. فالحله في البحرين تعود تسمينها الى العالم الجليل الحلي رحمة الله عليه كما السهله ومسجدها مقام الشيخ عزيز رحمة الله عليه. يعني الروابط ممتده بين البحرين والعرق لها صله ذات علاقة وثيقه بآل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم. اليس كذلك؟

    • زائر 3 | 1:37 ص

      شكرا لكم

      كانك يا وسام في كل مقال تخرج لنا كنزا من باطن التاريخ لم نكن نعلم عنه فبارك الله فيكم هذا الاهتمام بالتراث العلمي والادبي العريق للبحرين والشكر موصول للوسط .

    • زائر 5 زائر 3 | 3:09 ص

      شكرا لك

      شكرا لك عزيزي ولمتابعتك.. البحرين بلد تاريخها مظلوم.. أما الانسان فتلك قصة أخرى ياصديقي

    • زائر 2 | 11:19 م

      شكرا

      شكرا لك استاذ على الاهتمام بتاريخ البحرين وبنشر هذا التاريخ

    • زائر 1 | 10:24 م

      لماذا تراثنا وادباؤنا القدماء لا نرى لهم اثر في مناهجنا

      البحرين عرفت المدارس الدينية والادبية قبل قرون و كان من الجوار من يقدم لينتهل منها ولكن مناهجنا مغيبة عن هذا التراث و تتجاهله

    • زائر 7 زائر 1 | 5:46 ص

      مسئوليتنا

      على عاتق ابناء الوطن تقع هذه المسئولية وليس على الاغراب.. شكرا لك

اقرأ ايضاً