العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ

هل يمر عيد زمان على المنامة؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال عنها صاحب التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية: «... وكانت تسمى (المنعمة)، وقد اختلف في سبب إطلاق اسم المنامة عليها، فمن قائل أنه تحريف المنعمة، حرَفه الأعاجم الذين سيطروا عليها، ومن قائل انه كان فيها قصر لمنام أحد ملوكها السابقين فسميت به. وهي اليوم الميناء العمومية ومرسى البواخر وسكنى أكثر التجار ومركز معتمدي الدول، وعدد سكانها نحو 40 ألف شخص. وهي جيدة البناء ذات أسواق رائجة. وعدد المساجد في المنامة 22 مسجداً وجامعان احدهما المسمي مسجد الشيوخ. والمنامة بها سكنى غالب الملل والأصناف. وفي ظهرها من جهة الجنوب قلعة تسمى (قلعة الديوان) قيل إن الذي بناها هو نادر شاه. وفي غربي المنامة قرية تسمى (السويفية)».

بينما كتب عنها أحد القادة العسكريين الانجليز وهو يزور المنطقة في حملة تفتيش عسكرية العام 1820، بعد توجيه ضربته للقواسم في رأس الخيمة، قائلاً: «إن موقع ووضع مدينة المنامة أفضل بكثير من أي مكان شاهدته في الخليج... وبالرغم من أن بيوتها مشيدة من سعف النخيل إلا أنها تمتاز بتنسيق ونظافة لا يوجدان في الأماكن الأخرى. ويبدو من تصرفات السكان أنهم من طبقات ممتازة. والحقول خارج المدينة مزروعة بعناية وإتقان وتوجد في المناطق الداخلية حدائق ونخيل واسعة ومنظمة. والأمر الذي شد انتباهي في ذلك الوقت من السنة (يناير) هو وجود البرسيم الجميل بكثرة، حيث تتغذى به المواشي التي تنتج أفضل أنواع اللحم والحليب والزبدة التي لم نتذوق مثلها منذ أن تركنا انجلترا».

وكتب عنها الصديق والأديب عبدالقادر عقيل، ذات يوم، في مقالة ممتعة بعنوان «المنامة... بوابة العالم»، تحوي ذكرياته لعام 1968 المضطرب عالمياً، قائلاً: «كنتُ أرى البحرين أجمل ما في هذا العالم المضطرب، وأجمل ما البحرين مدينة المنامة. وأجمل ما في المنامة (حي الفاضل). كان (حي الفاضل) يضم خليطاً من الشيعة والسنة، والهنود، والعجم، والعمانيين، والبهرة، وبعض اليهود، يعيشون معاً في تناغم هارموني، وألفة اجتماعية وإنسانية حميمة».

نعم هذا ما قاله البعض عن المنامة، كلٌ من زاوية نظره إليها، هذه البقعة الطيبة حقاً والتي أولدت خير الرجال وخير الكفاءات، وكانت عنواناً للدولة منذ نشأتها، ما هو وضعها ووضع ساكنيها اليوم؟

لقد ظلمها التاريخ، فلم يتم تأريخ نشأتها وتطورها حتى اليوم، كما فعلت معظم المدن العربية العريقة، على يد باحثين متخصصين أفراداً كانوا أو مراكز بحوث، وما أندرها في بلادنا. وظلمتها السياسة حتى صار التظاهر والحراك المطلبي بها مُحرّماً قانوناً. وظلمتها الأنظمة البلدية بإهمال عجيب ومستغرب حتى صارت أزقتها الجميلة ذات يوم، عبئاً عليها وعلى ساكنيها اليوم. وظلمها عدم وجود هيئة تخطيط استراتيجي عمراني في البلاد طوال عقود من الزمن لتضيف إليها تنسيقاً حضارياً راقياً بدلاً من العشوائية المرسومة على ورق بالٍ، حتى أضحت أسوأ المدن تخطيطاً وضيقاً على سكانها أو السوّاح القادمين من الخارج للتجول بها.

وزاد الطين بلةً، أن ظلمها أهلها وناسها حين هجروا بيوتهم إلي خارجها، ومن أجل حفنة من الدنانير، اسكنوا فيها، بدلاً عنهم، العمالة المهاجرة الفقيرة وغير المتعلمة وليس البحرينية الأصيلة، حتى عاث بعض أولئك فيها فساداً من جميع النواحي الاجتماعية والأخلاقية والثقافية. ولم تعد المنامة التي تحدّث عنها القاصي والداني تُعرف لا في عيدها، ولا بتراثها وتاريخها لولا وجود المساجد والمآتم بها وبعض الأسواق المشهورة، وقليل من بيوت أعيانها وتجارها الأوائل، لا غير.

وحسناً فعلت وزارة الثقافة مؤخراً بشراء بيت الطواش الحاج محمد بن خلف، المشهور بـ«بيت حجي خلف»، وإعادة ترميمه ليبقي شاهداً للأجيال الحالية والقادمة على بعض تراث العاصمة المُغيب.

وكل من يقرأ في تراثها الحضاري الذي بنته أيدي وعقول رجال المنامة الأوائل، يتساءل بحسرة وحنين وهو يطوف بها في هذا العيد اليوم، أين أحيائها التاريخية والتراثية التي كانت ذات اسم لامع يوماً ما، مثل (فريق الحطب، سوق الصفافير، فريق المشبر، سوق القصاصيب، عين الخواجة، الباغشة، الفاملين، حوطة أبل، موقع أول مقر لإدارة المعارف التعليمية في البحرين زمن أحمد العمران وغيره، وموقع أول مكتبة عامة في البحرين، وكلاهما في بناية منصور العريض، موقع أوائل الأندية الثقافية والرياضية (العروبة والأهلي)، سوق الذهب القديمة، سوق اللؤلؤ القديمة، قهوة الطواويش، بيت علوي لطواويش اللؤلؤ، حالة بن سوار، حالة ابن أنس، الحورة)... وغيرها.

من سيصدق اليوم من أجيال شبابنا بأن المنامة العام 1920 كان يمر بها نهر ماء عذب يخترقها طولاً، ويسمي بالمشبر؛ حيث تُرى فيه النساء صباحاً وهن يغسلن حاجياتهن من ملابس وأوانٍ، ويجلبن منه الماء للشرب في البيوت القريبة على جانبيه!

وكما قال الشاعر:

لن تجد بلاداً أخرى،

لن تجد شاطئاً آخر.

هذه المدينة ستتبعك،

ستطوف في الشوارع ذاتها،

وتهرم في الجوار نفسه،

وتشيب في هذه المنازل نفسها،

سوف تنتهي دائماً إلى هذه المدينة.

إلا أن هذا القول ليس لشاعر بحريني، ولا هو يقصد المنامة، بل هي أبيات بالمناسبة مقتبسة من مقال «المنامة.. بوابة العالم»، وهي بدورها منقولة من قصيدة للشاعر المصري-اليوناني «قسطنطين كفافيس».

فتحيةً للمنامة ولمن بقي صامداً في أحيائها وأزقتها حتى اليوم، وهم يأملون أن تمر أيام عيدها بأفراحها كما كانت، وإن اختلف الزمان، ولكن يبقى المكان هو نفس المكان، مع ضبط التشكيل عند القراءة الأخيرة رجاءً!.. ولمظلومية المنامة بقية...

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:40 ص

      المنامة

      لا مشكل ولا شي لان مؤ ديرتك احنا من المنامة من فريق الفاضل ولحين بيتنا هناك وعايشين هناك و من زمان كان أبوي الله يرحمه يدور بيت اكبر نعيش فيه ويرجع يغير رأيه لان في الممنامة كل حياته ويرفض يتركها والحين نعاني فيها من الباركات والحفريات والأجانب ولكن صمود

    • زائر 4 | 5:27 ص

      ابو كرار

      مشكل الي يسمعكم يقول هذي لندن مو فرقان من عريش الحين طوامير

    • زائر 3 | 3:28 ص

      شكرا استاذ محمد

      برغم انها العاصمة
      الا ان القليلين تحدثوا عما تتعرض له من مظلمة
      و لو لا الشعائر الحسينية
      لندثرة المنامة
      و اندثرة هويتنا

    • زائر 2 | 12:26 ص

      مسمار

      شكرا لكاتب هذا المقال لقد اثار الاشجان اهل المنامه تركوها مرتع للاجانب وعندما نزورها كائننا غرباء ننظر الي احيائنا وشوارعنا وبيوتنا الان ونشعر بالخجل لتركنا اياها لوحدها لا اعرف مدينه في العالم اهملت كما يحدث للمنامه كانما هي شئ متعمد

    • زائر 1 | 12:22 ص

      ليتك دكتور تتحفنا دائما بذكريات المنامة..

      مقال رائع..شجعتنى ان امتشق كاميرتى اليوم وانطلق في حواري المنامة..شكرا

اقرأ ايضاً