تحتضن المقبرة المتربة في قرية ساراتشا، ثلاثة قبور جديدة حيث تغطي التلال الصغيرة من التربة جثث كل من صاحب الله وواسيه الله وأمان الله، وهم ثلاثة من خمسة فتيان وشبان حصدت أرواحهم غارة جوية شنتها المسماة «قوة المساعدة الأمنية الدولية» (إيساف) وحلف شمال الأطلسي (ناتو) ليلة 4 أكتوبر/ تشرين الأول.
ووفقاً لأول تقارير «إيساف-ناتو»، فهولاء الخمسة فتيان هم من «قوات العدو»، و»المتمردين» الذين قتلوا بضربة محكمة. ولكن وفقاً للراية البيضاء التي تطل من قبورهم فهم «شهداء»... أبرياء قتلوا بطريق الخطأ.
كان وواسيه الله وأمان الله إخوة، ويعيشون في بيت غير بعيد عن المقبرة في قرية ساراتشا في حي بيسهود عند مدخل جلال آباد، المدينة الرئيسية في المنطقة الشرقية ننجرهار. ويبين والدهما، قاسم حضرة خان، لوكالة «إنتر بريس سيرفس» مكان قتلهم خلف منزله.
وكان أمان الله يبلغ من العمر حوالى 21 سنة (السجلات المدنية هنا ليست شائعة)، وكان متزوجاً وله ثلاث بنات. ويطلعنا والده قاسم حضرة خان، على بطاقة تبين أن أمان الله كان يعمل لحساب قوات الحكومة الأفغانية منذ مارس/ آذار من هذا العام .
أما شقيقه واسيه الله فيبلغ من العمر 10 سنوات، وهو طالب في الصف الخامس في مدرسة سمرخييل العليا، وهي ليست بعيدة عن ساراتشا. وكانوا مع صاحب الله -14 عاماً- مساء يوم الجمعة، بحسب ما قاله شقيقه نادر شاه (35 عاماً) لوكالة «إنتر بريس سيرفس»: «كان صاحب الله يتدرب في متجر لعمال المعادن في جلال آباد».
وكان معهم الصبيان أسد الله ديلسوس وجول نابي. ويقول خان: «أسد الله، وهو صبي عمره 14 عاماً، ما زال ينتظر أن تنمو أول شعيراته. أما جول نابي فهو صبي يبلغ من العمر 15 عاماً وأسرته من باشير في منطقة خوجياني. وكان يعمل نجاراً في كابول، لكنه اعتاد أن يأتي هنا كلما إحتاج والداه بحاجة إلى مساعدته».
وشرح خان أن الخمسة أولاد كانوا يجلسون في الفضاء المفتوح وراء بيته «بعد أن ذهبوا لصيد للطيور ببنادق الهواء. وفي حوالى العاشرة مساء، سمعنا أول اطلاق متسلسل للنار. وعندما توقف، صعدت إلى السطح وشاهدت طائرتي هليكوبتر على الأقل بعيدتان من هن، وبعض الطائرات بدون طيارين».
وأضاف أنه عندما بدأ إطلاق النار مرة أخرى، انتظر داخل المنزل حتى سمع صراخاً يقول: «أخي... أطفالك قتلوا»، فخرج وحاول الوصول إليهم، «لكن الجنود الأميركيين طلبوا مني الابتعاد».
وقال نادر شاه: «تم نقل الجثث إلى مستشفى جلال آباد الرئيسي في الساعة 01:40 صباحاً... واستطعنا استعادتهم بعد الساعة 02:30 صباحاً».
وفي وقت مبكر من اليوم التالي السبت، تلقى أسد الله، والد داجارول خان أغا -وهو ضابط اللوجستيات في سجن المدينة- مكالمة هاتفية. وقال إنه كان يعتقد أن إبنه نائماً في منزل والديه في ساراتشا... «قالوا إنني لابد أن أحضر إلى المستشفى. وعندما وصلت، قيل لي إن ابني في المشرحة».
الأخ الأكبر لداجارول خان آغا، ماليم سعيد آغا، مازال غير قادر على فهم ما حدث: «كيف يمكن الخلط بين هؤلاء الصبية الصغار والمتمردين... كانوا مجرد أطفال... لقد قتل الأميركيون أطفالاً أبرياء... هذا أكدته السلطات الأفغانية».
أما أحمد ضياء، المتحدث باسم حاكم إقليم ننجرهار، فقال لوكالة «إنتر بريس سيرفس» عبر الهاتف أن «نائب حاكم نانغارهار ، محمد حنيف جارديوال، أرسل مبعوثاً إلى بشيهود، بالإضافة لمبعوث الرئيس الأفغاني حامد قرضاي... وأكد تحقيقهم أن الخمسة أولاد لا علاقة لهم بالمتمردين».
لم تعترف قوات «إيساف-ناتو» حتى الآن علناً بأن الهجوم الجوي خطأ. وبإتصال وكالة «إنتر بريس سيرفس» بهم، قال رئيس مكتب الصحافة في مقر الشئون العامة لقوة المساعدة الأمنية الدولية، اللفتنانت كولونيل ويل غريفين، «الحادث لا يزال قيد التحقيق... وسيكون من غير المناسب التعليق في هذا الوقت».
ووفقا لأسر الضحايا، أقر ممثلو المساعدة الأمنية الدولية - الناتو بوقوع خطأ ولكن بشكل غير علني. وقال خان لوكالة «إنتر بريس سيرفس»: «دعاني أحد القادة الأجانب في مطار جلال آباد إلى مكتبه الثلثاء 8 أكتوبر وقال إنه يقبل الخطأ ويعتذر عن ذلك».
وأوضح خان أن نفس الشيء قد حدث في اليوم التالي في قصر الحاكم.
كما حضر ذلك الإجتماع بعض زعماء القبائل، وأقارب من الأولاد الخمسة المقتولين و»اثنين من المبعوثين الأجانب»، الذين لا تعرف أسمائهما. واعتذر الأميركيون واعترفوا أنهم قتلوا أناساً أبرياء.
وقال خان: «أمام جميع المشاركين قالوا أنهم ارتكبوا خطأ، وقدم الأميركيون اعتذارهم أمام عائلات الضحايا وسلطات المنطقة».
وقال أقارب الضحايا إنهم تلقوا بعض العروض من «المبعوثين الأجانب» كشكل من أشكال «التعويضات».
وأوضح أغا: «قال الأميركيون أنهم سوف يساعدوننا، في الحاضر والمستقبل». وأضاف «أنهم لم يقدموا أي مبلغ من المال، ولكن عندما غادرنا القصر وجدنا سيارات محملة بأكياس طعام. واتفقنا جميعاً على رفض هذا العرض: نحن فقراء... لكننا لا نبيع دم أبنائنا».
وأضاف خان: «طلبنا واضح... سلمونا طياري طائرتي الهليكوبتر. وسنقوم بالتعامل معهم وفقاً لثقافتنا، وبحسب القرآن الكريم والأحاديث. ثم سنعيدهم إلى الولايات المتحدة، قائلين «نحن نأسف جداً... كما فعلوا معنا».
ويؤكد أغا أن الأميركيين قاموا -على مدى السنوات الماضية- بقتل العديد من الأبرياء، من الأطفال والنساء أيضاً، ويقولون فقط: «نحن نعتذر»... لقد حان الوقت لأن يتحملوا مسئولية أفعالهم الخاطئة».
العدد 4064 - الثلثاء 22 أكتوبر 2013م الموافق 17 ذي الحجة 1434هـ