العدد 4065 - الأربعاء 23 أكتوبر 2013م الموافق 18 ذي الحجة 1434هـ

مجلس التعاون ومصر... تبدل المواقف والخيارات

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«مصر أم الدنيا وستظل أم الدنيا»، اللواء عبدالفتاح السياسي قائد الجيش المصري. «مصر عماد الأمة العربية، فإن صلحت صلحت الأمة العربية» موقف مجلس التعاون الخليجي بتصرف. فهل المواقف المتبادلة بين مصر ومجلس التعاون الخليجي توافق ظرفي أم اتفاق كامل؟ كثيرون أصابتهم الحيرة، وهم يرون انقلاباً في موقف دول مجلس التعاون تجاه مصر والتغيير الجذري الذي حدث في مصر في 3 يوليو/ تموز 2013 بإزاحة الرئيس الأخواني محمد مرسي، إثر تظاهرات 30 يونيو المليونية ومبادرة الجيش لإنهاء الأزمة، بإزاحة الرئيس مرسي، وتشكيل حكومة انتقالية يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى عدلي منصور، ويلعب الجيش فيها دور الضامن لعملية الانتقال.

وتكمن المفارقة أنه وحتى وقت قريب، كان مجلس التعاون الخليجي داعماً لحكم الأخوان، بل كان هو المموّل لحركة الأخوان والسلف خلال الانتخابات التي أتت بهم كأغلبية في مجلس الشعب والشورى، ثم انتخابات الرئاسة التي أتت بمحمد مرسي مقابل مرشح النظام السابق محمد شفيق مع تقارب الأصوات.

هذا التحوّل في الموقف الخليجي والتجاوب المصري ممكن في عالم السياسة العربية، حيث أن الأنظمة العربية يحكمها مبدأ أساسي وهو المحافظة على السلطة، والسلطة عادة بيد نخبة ضيقة، وأصحاب السلطة لا يهمهم غير البقاء فيها، أما الحلفاء فعرضة للتقلبات. وعلى الرغم من كون الأخوان المسلمين حليفاً للنخب الحاكمة بل مكوّن مهم فيها، فإن الأنظمة الخليجية وبدرجات متفاوتة رأت فيهم خطراً يتهددها، بعد أن ارتفع سقف طموحاتهم، وبعدما فاز أخوانهم في مصر وتونس وليبيا، بالوصول إلى الحكم، ما يغري إخوان الخليج بطلب المشاركة الفعلية في الحكم. من هنا فإن التحوّل في موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الأخوان في الخليج وحكم الأخوان في مصر، متساوق ومترابط.

ومن ناحتيه فإن النظام الجديد في مصر، تعرّض إلى ضغوط أميركية شديدة نتيجة إطاحته بالأخوان، بل وتعرّض لعقوبات ومنها إيقاف المساعدات العسكرية للجيش المصري، وتعطل قرض صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي كان يواجه أزمةً اقتصاديةً وتآكلاً في احتياطيّه من العملة الصعبة. لذا فإن مسارعة دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم مساعدات مالية عاجلة، وائتمان ودائع بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي المصري، بمثابة إنقاذ للاقتصاد المصري، ودعم للنظام الجديد، مرحب به. وهذا أمرٌ مفهوم، لكن ما يثير التساؤل هو، هل هذا التوافق ظرفي أم تحالف استراتيجي؟

الحقيقة أن اقتران هذا الموقف الخليجي بالتسليم بدور مصر القيادي عربياً في ظل نظام مدني ديمقراطي مفترض يدعو إلى الاستغراب. فتاريخ الدول الخليجية، قد تصدّت لمصر وقيادتها الناصرية ومشروعها النهضوي العربي، ودورها القيادي، وأسهمت في إحباطه، ولم تتعاون مع مصر إلا في ظلّ أنور السادات وخلفه حسني مبارك، بعد تخليها عن دور مصر القيادي ومشروعها النهضوي، وقبلت أن تكون على الهامش فيما تصدرت دول مجلس التعاون المشهد، والمقرر في الشأن العربي والإسلامي.

من هذا المنطلق فإن كثيرين وخصوصاً من قوى التغيير في الوطن العربي والخليج تحديداً، أصابهم الشك في طبيعة التغيير الذي جرى في مصر وتخوفاً من عودة الدولة القديمة أو الدولة العميقة بقيادات جديدة وشعارات جديدة، فهل هذه المخاوف في محلها؟

الحقيقة أن السياسة ليست بالنوايا، ولذا فإن قوى التغيير والثورة في مصر والتي احتشدت في 30 يونيو تحت مظلة «تمرد» وقواها حركة 6 ابريل وجبهة الإنقاذ، وإن رحّبت بدور الجيش في التغيير والتشكيلة التي انتهى إليها الحكم حيث ممثلو قوى التغيير أقلية، يقظة ونقدية في تعاطيها مع حكم المرحلة الانتقالية.

ولكن لنفترض جدلاً أن مصر عبرت المرحلة الانتقالية بما يؤسس لحكم مدني ديمقراطي يحقق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ويحدث تحولات في بنية الدولة والأوضاع الداخلية والمجتمع، بما يؤسس لنظام حكم ديمقراطي يستند إلى إرادة الشعب ومصالحه، وبالتالي سينعكس ذلك على سياسة مصر الخارجية، خصوصاً في الدائرة العربية، فهل سيستمر التوافق الخليجي المصري؟

هناك احتمالان لهذه العلاقة، فإما أن يجرى احتواء التغييرات الثورية الديمقراطية في مصر بفعل عودة قوى الدولة القديمة إلى الفاعلية وتحجيم القوي الثورية؛ وإما تجذير الثورة بتطهيرها من قوى الدولة القديمة، وإقامة دولة ديمقراطية شعبية راسخة الأركان، وهنا سيتغير الموقف داخلياً وعربياً.

ومن ناحية دول مجلس التعاون الخليجي، فإما أن تدرك أن عملية التغيير في مصر هي جزءٌ من ظاهرة أشمل، وهي ظاهرة النزوع القوي لدى الشعوب العربية (ومنها شعوب الخليج)، نحو تغيير جذري في الحكم وإدارة الدولة وبنية المجتمع، وبالتالي عليها التكيّف مع ذلك بإدخال إصلاحات عميقة بما يحفظ دوراً للأسر الحاكمة، ويجنبها مصائر الاهتزازات التي حدثت في دول عربية أخرى، وأدت إلى سقوط أنظمة استبدادية عربية؛ وإما أن تندفع أكثر في تشديد قمعها لتطلعات الشعوب، وتشديد قبضتها الحديدية.

إن ذلك مرتبطٌ أيضاً بخيارات العلاقات الخارجية مع مصر اليوم، وتونس غداً، وغيرهما ممن تشهد عملية مخاض للانتقال الديمقراطي. كما أن ذلك مرتبط بخيارات إقليمية في التعامل مع القوة الإقليمية الكبرى، إيران، ومع القوى العظمى خصوصاً روسيا وأميركا في استراتيجياتها لاحتواء أزمات المنطقة وخصوصاً الأزمة السورية والأزمة النووية الإيرانية، بالعمل على حلول توافقية وسلمية، ما يتطلب تعاون جميع الدول الكبرى والإقليمية ومنها مجلس التعاون، ليس في إنهاء الأزمات بل في مرحلة البناء وإعادة الإعمار، والتي تتطلب المليارات، مما لا يمكن للولايات المتحدة أو روسيا أو أوروبا توفيره في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة.

إنّ سعي دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً الشقيقة الكبرى، للعب دور إقليمي ودولي، من خلال عضويتها في تجمع قمة العشرين، وعضوية المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، ونادي دافوس، وأخيراً نجاح المملكة العربية السعودية في الوصول إلى عضوية مجلس الأمن الدورية، بعد جهود حثيثة واستخدام كل نفوذها لدى الدول الأعضاء وخصوصاً مجموعة الثمانين، وابتهاج مندوبها في نيويورك السفير العلمي، ومباركة مجلس دول التعاون والعديد من أصدقائها، لذلك يتفاجأ العالم من انسحابها من مجلس الأمن، ما يعكس ارتباكاً في الاندماج في علاقات إقليمية ودولية جديدة، تعكس تحولاً كبيراً في العلاقات الدولية من المواجهة إلى التعاون، ومن الحسم العسكري إلى التوافق السياسي.

فهل تقف دول مجلس التعاون الخليجي وقفة شجاعة لإدراك المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية، والتعامل معها بايجابية والتكيّف معها وليس المكابرة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4065 - الأربعاء 23 أكتوبر 2013م الموافق 18 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:19 ص

      خبراء إقتصاد يقال لكن لا يبدو يفقهون قال جحا!

      دول وتدويل ومداوله وتداول العملات الورقيه التي لا قيمه لها إلا بدعم من الأمركان للمشايخ. قد لا تكون من الحقائق لكنها من الواقع التي وصلت اليه الذكاء أو الغباء الأمريكي. فبنوك أو مصارف مثل البنوك المركزيه تعمل بطباعة ورق نقديه للتداول – يعني للبيع والشراء بينما ليس عند هذه البنوك إحتياطي من الذهب أو الفضه. يعني بنوك مركزيه مفلسه! قال جحا ويش ها الجامعات التي خرجت خبراء إقتصاد إسراف وتبذير ببلاش يعني ما يعرفون إحلون ولا يربطون مشاكل الخليج والأمريكان!

    • زائر 2 | 3:33 ص

      خوف بعض الدول من التغيير والتطور يجعلها تقاتل على كل الجبهات

      هناك دولا متخلفة عن كل دول العالم وهي تخاف من التقدم والتطور والتغيير لذلك اي شيء يلمح من خلاله اعطاء بعض من الشعوب لحقوقها فهذه الدول رأسا تقفز على الموضوع لأنهم لا يريدون ان تلحقهم العدوى

    • زائر 1 | 1:32 ص

      حتى الكبار يتحركون بالرموت

      عن اي مجلس تنحدث وانظر لآي هدف أنشئ اصلا فهو يتحرك وفق تحوك مصالح الكبار جدا بالأمس ايدوا صدام ثم انقلبوا عليه وبعدها زعموا بشار ثم خذلوه وبعدها ايدوا مرسي ثم باركوا الانقلاب عليه وغدا يخططون للاطاعة بالسيسي وهكذا دواليك وبعدها يتأمرون على الاقرب فالأقرب والبقاء لل..........

اقرأ ايضاً